ارشيف من : 2005-2008
بغداد ـ طهران.. خطوات إلى الأمام

بغداد ـ عادل الجبوري
ثلاثة عوامل أضفت أهمية استثنائية على زيارة وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي الى العراق الأسبوع الماضي.
العامل الأول هو الدور المفترض والمطلوب أن تلعبه طهران لمساعدة ودعم العراق سياسيا وأمنيا واقتصاديا في المرحلة المقبلة باعتبارها الجار الأكبر له، وربما الأكثر تأثيرا وفاعلية على الصعيد الإقليمي في المساهمة بإحداث نقلة نوعية في العراق، بعد ثلاثة أعوام من الفوضى والاضطراب والعنف وتردي الخدمات أعقبت الإطاحة بنظام صدام.
والعامل الثاني تمثل بتوقيت الزيارة الذي جاء محسوبا بدقة من قبل الجانبين الإيراني والعراقي على حد سواء، وارتبط بالإعلان الرسمي عن الحكومة العراقية الجديدة برئاسة نوري المالكي.
والعامل الثالث طبيعة الأطراف التي ساهمت في البحث والنقاش وساهمت بطرح رؤاها وتصوراتها.
وما عكس المساحة الواسعة للحوار الشامل بين الطرفين البيان المشترك الذي صدر من العاصمتين طهران وبغداد، وسلط الضوء على آفاق التعاون والتنسيق والعناصر والعوامل الفاعلة لتقوية وتعزيز العلاقات العراقية الإيرانية وسبل الارتقاء بها إلى مستويات ومديات إيجابية تعود بالنفع والفائدة على الطرفين، وشدد على عدم التدخل في الشؤون الداخلية لكل طرف، وإدانة جميع الممارسات الإرهابية في العراق، وأهمية إعادة إعمار هذا البلد وتنمية اقتصاده، وأهمية الحفاظ على الحدود المشتركة بين الدولتين.
وفضلا عن ذلك فإن اللقاءات والاجتماعات المطولة التي عقدها وزير الخارجية الإيراني والوفد المرافق له مع الزعامات السياسية العراقية في الحكومة وتلك الممثلة لأبرز مكونات المجتمع العراقي على مدى ثلاثة أيام، عبرت عن تقدير كل تلك الأطراف لأهمية الزيارة. فالوزير الإيراني بحث أهم وأخطر القضايا مع رئيس الجمهورية جلال الطالباني ونائبيه الدكتور عادل عبد المهدي والدكتور طارق الهاشمي، وزعيم كتلة الأغلبية في مجلس النواب العراقي ورئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق السيد عبد العزيز الحكيم، ورئيس الوزراء نوري المالكي وعدد من الزعماء السنة، وفي مقدمتهم رئيس كتلة جبهة التوافق العراقية في البرلمان عدنان الدليمي.. هذا إلى جانب اجتماعات موسعة مع ممثلين عن كتلة الائتلاف العراقي الموحد وأطراف سياسية أخرى.
ومن الواضح ان بغداد تريد من طهران جملة أمور، لعل من أبرزها تقديم أكبر قدر من الدعم السياسي للحكومة الجديدة، إلى جانب التنسيق والتعاون للاستفادة من الخبرات الإيرانية في رفع مستوى الخدمات الأساسية لمختلف مدن ومناطق العراق، والتعاون في المجال الأمني، وخصوصا الحؤول دون تسلل المخربين عبر الحدود ومنع عمليات تهريب المخدرات والأسلحة، وكذلك إسقاط الديون المستحقة على العراق من تعويضات حرب الأعوام الثمانية وفق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 598.
في المقابل فإن طهران تتطلع الى أن تعمل بغداد على تحقيق جملة مسائل، منها حسم ـ أو بتعبير آخر ـ إغلاق ملف المعارضة الإيرانية الموجودة على الأراضي العراقية منذ أكثر من عقدين من الزمن، وبقيت كذلك بعد الإطاحة بنظام صدام، ولكن بإشراف وحماية القوات الأميركية في العراق، وتسهيل توافد الزوار الإيرانيين إلى العتبات المقدسة في النجف الأشرف وكربلاء المقدسة ومدن أخرى، وإطلاق سراح المواطنين الإيرانيين المحتجزين في السجون العراقية.
وتعتقد مراكز القرار السياسي الإيراني أن العقبة الرئيسية أمام عودة حقيقية لعلاقات سليمة وقائمة على أسس صحيحة بين بغداد وطهران تتمثل في المرحلة الراهنة بالولايات المتحدة الأميركية التي ربما تستفيد من وجودها العسكري والأمني والاستخباراتي في العراق لتوجيه مزيد من الضغوط على إيران، وافتعال المشاكل لها لإرغامها على تقديم تنازلات بشأن ملفات أخرى من قبيل ملف البرنامج النووي الإيراني الذي لم تنجح واشنطن حتى الآن في إحداث ثغرات في موقف طهران المتماسك الذي ترجمه بوضوح الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد.
بيد ان طهران تقدر بصورة صائبة طبيعة العوامل والعناصر المتداخلة والمتشابكة في المشهد السياسي العراقي التي من الطبيعي أنها تحتم على الساسة العراقيين التعاطي معها ـ بما فيها الولايات المتحدة او بإطار أوسع الاحتلال الأجنبي للعراق ـ بمنهج عقلاني بعيدا عن الانفعال والتشنج.
في الوقت ذاته فإن واشنطن التي تتطير كثيرا من أي دور إيراني فاعل ومؤثر في العراق وترى فيه تدخلا في الشؤون الداخلية للعراق على العكس من الدور الأميركي وأدوار أطراف أخرى، ربما تدرك من خلال نظرة واقعية أنه مهما يكن من أمر فلا يمكن القفز على القواسم والمصالح التاريخية والسياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية بين العراق وإيران، وأكبر دليل على ذلك ان حربا دامية استمرت ثمانية أعوام لم تلغِ تلك القواسم والمصالح، ولا أحدثت قطيعة كاملة بين الطرفين إلا فترة من الزمن.
ولعل التأمل في وقائع ومعطيات زيارة عميد الدبلوماسية الإيرانية الحالي والعودة قليلا الى الوراء للوقوف على ما حققته زيارة مماثلة قام بها وزير الخارجية السابق الدكتور كمال خرازي الى بغداد منتصف شهر أيار/ مايو من العام الماضي، والتي رأى سياسيون عراقيون كثيرون في حينه أنها كانت ناجحة وموقفة ومفيدة بكل المقاييس والاعتبارات، يتبدى ان الزيارة الأخيرة جاءت استكمالا وتفعيلا لما اتفق عليه في زيارة الوزير خرازي العام الماضي.
ويقول البعض إن الشيء المهم في زيارة الوزير منوشهر متقي هو دخول الزعامات السياسية السنية في المباحثات، ما يعني ان كل المسائل يمكن ان تكون قد طُرحت على طاولة البحث والنقاش، وكانت هناك مكاشفة ومصارحة أشارت الى جانب منها عدد من وسائل الإعلام التابعة للحزب الإسلامي العراقي وجبهة التوافق العراقية.
والشيء الآخر المهم هو لقاءات الوزير الإيراني بالمرجعيات الدينية الكبرى في مدينة النجف الأشرف، وفي مقدمتها آية الله العظمى السيد علي السيستاني، ودعوة تلك المرجعيات إيران الى تقديم المساعدات الأمنية والاقتصادية للشعب العراقي، وإيجاد روابط علمية وثقافية تتجاوز مرحلة العلاقات السياسية بين الدولتين الى علاقات على مستوى مؤسسات المجتمع المدني والديني.
لا شك في أن مشاركة عناصر الفعل والتأثير الحقيقي في مسارات الوضع العراقي في بحث واقع وآفاق ومستقبل العلاقات بين بغداد وطهران يشير إلى نجاح زيارة متقي بالنسبة الى العراق قبل إيران، ويشير بصورة او بأخرى الى نجاح متوقع لزيارة مرتقبة لرئيس الوزراء العراقي الى طهران، ربما بعد شهرين أو أكثر بقليل.