ارشيف من : 2005-2008

العلاقات العراقية الإيرانية..من الشد والجذب الى الاستقرار وفق قاعدة المصالح المشتركة

العلاقات العراقية الإيرانية..من الشد والجذب الى الاستقرار وفق قاعدة المصالح المشتركة

الانتقاد/ اقليميات ـ العدد 1138 ـ2/12/2005‏

بغداد ـ عادل الجبوري‏

قد تكون مفارقة لها دلالاتها ومعانيها المهمة ان تبقى حالة الشد والجذب هي المهيمنة على اجواء العلاقات بين إيران والعراق حتى بعد سقوط نظام صدام الذي تسببت حربه ضد إيران مطلع عقد الثمانينيات باتساع الهوّة بين البلدين الى حد القطيعة الكاملة، لولا حرب الخليج الثانية التي جاءت لتضفي معالم وملامح جديدة على صورة المشهد العام لبؤرة التوتر الساخنة على طول الخط.‏

هذه المفارقة مدعاة لإثارة اكثر من تساؤل حول اسباب ودواعي بقاء العلاقة المتذبذبة والقلقة على حالها برغم تبدل الاحوال والظروف والشخوص. ومع ان الرؤى والتصورات ووجهات النظر تتباين من طرف الى آخر في تحليل ذلك الامر وتشخيص اسبابه، الا ان مفردة "المصالح المشتركة" لا تكاد تغيب عن أي حديث، سواء كان لمسؤول سياسي من هذا الجانب او ذاك، او من اطراف اخرى، او حتى بالنسبة الى المواطن العادي الذي يجد نفسه في معظم الاحيان ـ ان لم يكن جميعها ـ مستغرقا في الشأن السياسي لبلده.‏

ومفردة "المصالح المشتركة" التي تكررت عشرات المرات خلال الأسابيع القلائل الماضية على لسان مسؤولين عراقيين كبار زاروا إيران مؤخرا مثل رئيس الجمهورية جلال الطالباني ونائبه عادل عبد المهدي ومستشار الامن الوطني موفق كاظم الربيعي، وعلى لسان مسؤولين إيرانيين رفيعي المستوى ايضا، هذه المفردة يبدو انها تمثل تعبيرا حقيقيا عن واقع لا يمكن بأي حال من الاحوال القفز عليه او تجاهله، ليس بالنسبة الى العراقيين والإيرانيين فقط، بل بالنسبة الى اطراف اقليمية ودولية اخرى.‏

وهذا الواقع أخذ يتبلور شيئا فشيئا خلال الشهور الثمانية الماضية التي أعقبت انتخابات الثلاثين من كانون الثاني/ يناير الماضي وتشكيل الحكومة الانتقالية برئاسة إبراهيم الجعفري، وأخذت ملامحه ومعالمه تتضح بصورة اكبر من ذي قبل في الآونة الاخيرة.‏

وإذا أردنا التوقف عند المفارقة التي أشرنا اليها في بداية السطور وحاولنا استجلاء صورة المواقف على حقيقتها، فإن ما يمكن قوله وتأكيده، هو ان طهران التي كانت تتطلع الى زوال حكم صدام وقيام نظام سياسي آخر في العراق لأسباب ترتبط بمعظمها بمصالح وحسابات استراتيجية خاصة بها، وهذا امر طبيعي، لم تكن الطريقة التي أُطيح بها ذلك النظام موضع قبول وارتياح بالنسبة اليها، لأنها باختصار جعلت العدو التقليدي لها واشنطن ـ ومعها لندن ـ تقف على مرمى حجر منها، وذلك بحد ذاته يعني اشياء كثيرة تنطوي على قدر كبير من الحساسية والخطورة. ولم تتبدل مسارات الامور ومفردات الخطاب السياسي الموجه لطهران خلال عهد الحكومة العراقية الاولى برئاسة اياد علاوي كثيرا، بل شهدنا في بعض الاحيان نوعا من التصعيد المقصود في اكثر من مرة على لسان وزيري الدفاع والداخلية السابقين حازم الشعلان وفلاح النقيب.‏

ومع ان الانتخابات البرلمانية مطلع العام الجاري رسمت خريطة سياسية جديدة في العراق ودفعت الى الواجهة قوى وتيارات سياسية لها علاقات تاريخية طيبة مع إيران، الا ان الضغط الاميركي والبريطاني والتحريض من اطراف اقليمية لم يخرج طهران عن دائرة الاتهامات التقليدية، ولكن من دون ان تتبنى الجهات الحكومية مثل تلك الاتهامات وتروج لها، لأنه بدا واضحا ان الحكومة الثانية برئاسة إبراهيم الجعفري كانت حريصة على ان تبني علاقات ايجابية وبناءة مع كل الاطراف المجاورة للعراق، ومن بينها إيران التي تعد دولة مهمة سواء من الناحية السياسية او الاقتصادية.‏

ومن المهم الاشارة في هذا السياق الى ان الحكومة العراقية تعاملت بحذر مع التصعيد الاميركي البريطاني ضد إيران قبل حوالى شهرين او اكثر بقليل، والذي تزامن مع مواجهات دموية بين القوات البريطانية ومجموعات مسلحة في محافظة البصرة أفضت الى ازمة ما زالت بعض مخلفاتها عالقة الى الآن.‏

ولعل المنهج الذي تسعى بغداد الى ترسيخه في علاقاتها مع طهران ومع كل الاطراف الاخرى هو ما عبر عنه القيادي في المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق والمرشح للانتخابات المقبلة رضا جواد تقي بقوله: "لدينا ثوابت في علاقاتنا مع الآخرين، ومن هذه الثوابت أن لا نقبل بأن يتدخل احد في شؤوننا الداخلية، ولا نحن نتدخل في الشؤون الداخلية للآخرين.. وكذلك لا نرضى بأن يكون العراق ممرا او مقرا لشن عدوان من قبل اي دولة ضد دولة اخرى، ونسعى الى بناء علاقات متوازنة قائمة على اساس المصالح المشتركة مع كل الاطراف".‏

وطبيعي ان مفردة "المصالح المشتركة" في اطار الحديث عن العلاقات العراقية ـ الإيرانية تستوعب عناوين كثيرة جدا، سياسية واقتصادية وأمنية وثقافية وسياحية.‏

ولعل ما يمكن ان يرصده المراقب هو انه في الوقت الذي بقيت واشنطن ولندن تعملان على اثارة الزوابع السياسية على طهران من جبهة العراق، أظهرت الدوائر الرسمية السياسية العراقية قدرا كبيرا من الحنكة والعقلانية في التعاطي مع طهران، لإدراكها العميق أهمية توثيق العلاقات بمختلف عناوينها مع هذا الطرف، والعمل على ازالة كل مخلفات وتراكمات عهد نظام صدام والإدارة المدنية الاميركية بزعامة بول بريمر، وأجواء ومناخات التشنج والانفعال في عهد الحكومة السابقة.‏

وقد بعثت طهران برسالة لها دلالاتها المهمة مؤخرا خلال زيارة الرئيس جلال الطالباني لها، عندما منحت بغداد هبة مالية مقدارها عشرة ملايين دولار، وقرض مالي بقيمة مليار دولار، هذا الى جانب مبادرات ايجابية اخرى تنطوي على رغبة جادة لبدء عهد جديد من العلاقات مع جارتها الغربية بعد عقود من الحروب الباردة والساخنة.‏

2006-10-28