ارشيف من : 2005-2008

العلاقات الأميركية الأوروبية في مهب فضيحة السجون السرية

العلاقات الأميركية الأوروبية في مهب فضيحة السجون السرية

الانتقاد/ دوليات ـ العدد 1138 ـ2/12/2005‏

لاحظ العديد من المراقبين أن الجنود الأميركيين يتعمدون، خلال العمليات العسكرية التي ينفذونها في العراق، إعطاب الأسرى بكسر أيديهم وأرجلهم لضمان شل حركتهم بدلاً من اعتقالهم وسجنهم، بعد أن تحولت مسألة سجن المشبوهين بالإرهاب مشكلة حقيقية للسياسة الأميركية، إلى جانب المشكلات التي نشأت عن الحرب على العراق والتي باتت تهدد مصير الإدارة الأميركية الحالية، وربما أيضاً كامل الموقع الأميركي في العالم.‏

ومشكلة السجون لا تقتصر فقط على الفضائح المرتبطة بالمعاملة اللاإنسانية للمعتقلين في غوانتانامو، ولا بتسليم أعداد من المعتقلين لبلدانهم الأصلية التي لا تراعي الأعراف الدولية في معاملة السجناء السياسيين، بل تجاوزتها إلى ما يمكن وصفه بأنه مشكلة "استيعاب" للمعتقلين، برغم كثرة المعتقلين في غوانتانامو وأبو غريب وغيرهما من المعتقلات الموجودة خارج الأراضي الأميركية والتي يبدو أنها موجودة أيضاً في أوروبا الشرقية على ما تشير إليه المعلومات المتداولة منذ ان كشفت واشنطن بوست، في الثاني من تشرين الثاني/ نوفمبر المنصرم، عن وجود شبكة سجون سرية (مواقع سوداء) تديرها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في 8 بلدان على الأقل، منها واحد في أوروبا الشرقية.‏

والسجن المعني يشرف عليه الجيش الأميركي ويشكل مركز الاعتقال الرئيسي لقوات الأطلسي (كفور) المنتشرة في كوسوفو المدارة من قبل الأمم المتحدة منذ العام 99، وهو موجود داخل قاعدة بوندستل التي تحتل مساحة 300 هكتار جنوب بريشتينا. كما لم تفصح واشنطن بوست عن بلدين آخرين في أوروبا الشرقية قالت بوجود سجون مشابهة فيهما. وقد صرح آلفارو جيل روبلس، المفوض الأوروبي لحقوق الإنسان، بأن سجن بوندستل في كوسوفو لم يخضع للمراقبة المدنية خلال فترة من الزمن، مضيفاً بأنه زار ذلك السجن ولاحظ تشابهاً كبيراً بينه وبين معتقل غوانتانامو لجهة المنشآت، كما شاهد عدداً من المعتقلين بالألبسة البرتقالية الشهيرة وبينهم ملتحون يقرأون القرآن. وجاءت هذه التصريحات متطابقة مع تصريحات أخرى أدلى بها لصحيفة لوموند الفرنسية، ماريك آنتوني نوفيسكي، المكلف من قبل الأمم المتحدة بمراقبة احترام معايير الديموقراطية في كوسوفو، والذي زار السجن المذكور في أواخر العام 2001.‏

وقد فتحت لجنة حقوق الإنسان التابعة لمجلس أوروبا تحقيقا حول موضوع السجون السرية التي تديرها الاستخبارات الأميركية في أوروبا، وأهابت بالحكومات الأوروبية تقديم كل ما لديها من معلومات حول الملف، في وقت بدأت فيه الأنظار تتجه نحو رومانيا وبولندا حيث يعتقد بأن سجوناً مشابهة لسجن بوندستل قد أقيمت فيهما، وربما في بلدان أخرى في أوروبا الشرقية، إضافة إلى ما ذكرته واشنطن بوست عن وجود مركز اعتقال من النوع نفسه في المغرب. وبالتوازي مع ذلك، تتواتر الأنباء حول استخدام مطارات في نحو عشرة بلدان أوروبية، شرقية وغربية، ومنها مطار فرانكفورت في ألمانيا، لرحلات نظمتها الاستخبارات الأميركية سراً لنقل مشبوهين بالإرهاب إلى جهات مجهولة. وفي الإطار نفسه، ذكرت صحيفة "لا بريس" الكندية أن طائرات أميركية تستخدمها وكالة الاستخبارات المركزية، مباشرة أو تحت غطاء شركات وهمية، قد نفذت، خلال السنوات الأخيرة، 55 رحلة عبر مطارات كندية. وأوضحت الصحيفة أن 13 طائرة استخدمت 10 مطارات كندية، منها ثماني طائرات توجهت إلى غوانتانامو، في حين اتجهت طائرات أخرى نحو مطارات في إسبانيا والبرتغال وبريطانيا وألمانيا وغيرها، دون أن يعرف ما إذا كانت البلدان المذكورة هي الوجهة النهاية لهذه الرحلات. والجدير بالذكر أن المنظمة الأميركية غير الحكومية هيومان رايت ووتش تحتفظ بسجلات عن تحركات الطائرات المستخدمة في هذا المجال من قبل الاستخبارات الأميركية.‏

وبالإضافة إلى التحقيق الذي فتحه مجلس أوروبا، أكد المفوض الأوروبي للعدل فرانكو فراتيني أن كل بلد من بلدان الاتحاد يثبت أن الاستخبارات الأميركية قد أقامت فيه سجوناً سرية سيحرم من حق التصويت في مؤسسات الاتحاد. وبعد أيام حافظت فيها السلطات الأميركية على الصمت في مقابل الاستيضاحات التي طلبتها أكثر من جهة أوروبية، صدرت تصريحات عن أكثر من مسؤول أميركي، بمن فيهم وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس، تعترف بوجود معتقلات سرية تديرها الاستخبارات الأميركية في العالم وتحاول تبرير ذلك بضرورات الحرب على الإرهاب، ما يعني أن الاعتراف الأميركي بوجود السجون السرية في أوروبا قد أصبح منتظراً بين لحظة وأخرى، وهو الأمر الذي سيشكل، بحد ذاته، إضافة إلى أشكال المعاملة غير المشروعة للسجناء، فضيحة ستلقي بظلالها على العلاقات الأميركية الأوروبية التي يبدو أن جولة رايس الأوروبية هي محاولة استباقية لاحتواء مفاعيلها المزعجة، في وقت بدأت ترتفع فيه الأصوات في أوروبا للمطالبة برد أوروبي حازم.‏

هذه المفاعيل المزعجة وصلت أيضاً لمنظمة الأمم المتحدة المكلفة بإدارة كوسوفو، حيث صرح الممثل الخاص لكوفي آنان في كوسوفو، سورين بيترسن، في مقابلة مع صحيفة لوموند، بأنه لم يسمع شيئاً عن وجود معتقلات سرية في كوسوفو، معللاً ذلك بأن بعثة الأمم المتحدة فيها لا تراقب القواعد العسكرية العاملة في إطار قوة "كفور" العاملة تحت الإشراف المباشر لبلدان الأطلسي!!‏

عقيل الشيخ حسين‏

2006-10-28