ارشيف من : 2005-2008
الانتخابات التشريعية المصرية:الجماهير اقترعت للإسلام وأسقطت شعار "البلطجة هي الحل"

الانتقاد/ تقرير ـ العدد 1137 ـ 25/11/2005
القاهرة ـ عصام حنفي
من المفترض أن تؤدي الانتخابات التشريعية الجارية في مصر ـ وفق رؤى الحزب الحاكم ـ الى برلمان "العبور للمستقبل"، والتي صاحبتها ظواهر بلطجة ورشى انتخابية وانحسار الإشراف القضائي والتدخل المفضوح في إعلان بعض النتائج.. كل هذه الظواهر وما صاحبها من سلبيات لا تخفي أن هناك واقعاً جديداً يخط على أرض الحياة السياسية المصرية, وأن الحزب الوطنى ـ حزب الأغلبية المفترضة ـ يمر بلحظات لا يُحسد عليها، ويفقد من رصيد الشرعية الكثير. وقد أبرزت المعركة عمق الشقاق بين حرسه القديم والجديد وصراعات خرجت الى العلن حول دعم بعض المرشحين.
222 دائرة انتخابية من المفترض أن تفرز 444 نائباً، إضافة إلى عشرة يعينون بقرار جمهوري.. دفع الوطني بمرشحيه في كل الدوائر، وأعلن الإخوان المسلمون عن الترشح لـ150 دائرة ثم تنازلوا قبيل المرحلة الأولى لمصلحة الوطني عن 30 دائرة، وقد جرت المرحلتان الأولى والثانية، وبانتظار الإعادة والمرحلة الثالثة، تمخضت النتائج عن فوز الاخوان بـ46 مقعداً وقرابة أربعين في جولة الاعادة والوطني بـ114 مقعدا.
التعامل الرسمي مع الإخوان في الدعاية التمهيدية كان لافتا للأنظار، فللمرة الأولى يخرج الاخوان بمسيرات يوافق عليها الأمن ويرفعون شعاراتهم علانية بعد أن كانوا يكتفون باسم التيار الاسلامي.. كذلك لا تحدث تعديات على ملصقاتهم، ولم ينفذ الاجراء المعتاد باعتقال القيادات الوسيطة لشل فاعلية الجهاز الانتخابى على نطاق واسع.
ويرجح البعض حدوث نوع من التفاهم لا يرقى لمرتبة الصفقة ربما لا تفرضها منافع متبادلة قدر ما تمليها ضرورات المرحلة، فمصر على أجندة الإصلاح الأميركية والإخوان صوتوا فى انتخابات الرئاسة لأيمن نور مرشح الليبرالية الجديدة, لكن ربما لم يتوقع الحزب الوطني اكتساح الاخوان بهذه الدرجة وفي معاقل للحكومة وذات دلالة، كالمنوفية دائرة كمال الشاذلى أمين التنظيم والبرلماني العتيق، ومسقط رأس الرئيس مبارك، حيث فاز الاخوان بـ11 مقعدا والوطنى بـ6 فقط!! وكان ضمن الراسبين أمين مبارك ابن عم الرئيس. كذلك فاز الاخوان بمقعد من أصل اثنين في دائرة سكن الرئيس.
وإضافة للاخوان هناك ما يعرف بالجبهة الوطنية للاصلاح التي يترأسها د. عزيز صدقي، وقد دفعت بـ400 مرشح فاز منهم واحد فقط. وحصل حزب التجمع على ثلاثة مقاعد، والوفد على ثلاثة، والأحرار على مقعد واحد.
هذا الحضور الهزيل لقوى المعارضة مجتمعة يعمّد الاخوان لاعباً رئيساً على الساحة، بعد أن كان البعض يخشى التنسيق معهم بحجة عدم شرعيتهم، ويلفت النظر الى الوجدان الإسلامى العميق للشارع المصرى الذي اقترع للاسلام ومن يرفعون لافتته من دون الدخول بالتفاصيل.
"الإسلام هو الحل", يمتلك الاخوان شروطاً موضوعية للحضور، منها كثافة العمل الاجتماعى مع التنظيم الجيد والتمويل. وساعد على ذلك ظروف اللحظة، فالاتجاهات الاسلامية الأخرى (الجماعة الاسلامية, الجهاد) غائبة عن الساحة، معتقلة أو مفككة, اضافة الى ظرف الشحن الطائفي المتصاعد الذي كان آخره تسرب فيلم صُوّر في الكنيسة يهاجم العقيدة.
وبرزت على السطح ظاهرة الأصوات المحمولة جواً، حيث سُجل ناخبون من خارج الدوائر وظاهرة الرشى الإلكترونية، فاستخدمت كاميرات الموبايل للتأكد من التصويت لمرشح بعينه وتقاضي الرشوة, وقد أصدر الأزهر للمرة الأولى فتوى تحرم الرشوة.
البلطجة
التعامل الخشن سمح به بداية ضد مرشحين بعينهم كأيمن نور منافس الرئيس مبارك الانتخابي وجمال حشمت مرشح الاخوان في البحيرة، فلجأ بعض أنصار الحزب الحاكم لاستئجار بلطجية يمنعون الناخبين من التصويت. ورصد المراقبون تناغماً بين الوطني والشرطة في هذا المجال، كانت ذروته نجاح البلطجية في إحدى دوائر بور سعيد، في اقتحام أربع لجان، وعرض الأمن تأمين خروج القضاة سالمين فى عربات مصفحة من دون صناديق الاقتراع، وتطور الأمر الى إحراق البلطجية للصناديق أمام القضاة, ما دعا بنادي القضاة الى اصدار بيان شديد اللهجة للمرة الأولى ندد فيه بالحياد السلبي لجهاز الشرطة، ودمغها بالتواطؤ وهدد بإلغاء نتائج الدائرة كلها، وطالب بأن يحل الجيش محل الشرطة في تأمين اللجان.
على أي حال اكتساح الاخوان يضعهم أمام تحديات حقيقية، فبعض المراقبين يرى أن النظام يستفيد من السماح بخروج فزاعة الاسلاميين كي تتراجع الضغوط الأميركية حول الاصلاح والديمقراطية. والبعض يرى أن البرلمان القادم سيكون على عاتقه انجاز حزمة من قوانين تسريع الخصخصة وإيجارات المساكن، ما يضير قطاعاً كبيراً من الطبقة المتوسطة، ويحتاج الى شرعية وغطاء ديني لها سبق أن كفله الاخوان لقانون الإيجارات الزراعية فى دورة سابقة.