ارشيف من : 2005-2008
قمة المعلومات في تونس:رفض شعبي للحضور الأميركي والإسرائيلي

الانتقاد/زوايا ـ العدد 1137 ـ 25 /11/2005
مسؤولون من 170 بلداً، بينهم الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة كوفي آنان وخمسون رئيس دولة، التقوا في تونس بين 16 و18 تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي في إطار "القمة العالمية الثانية لمجتمع المعلومات" التي أشرف على تنظيمها "الاتحاد الدولي للمعلومات" التابع للأمم المتحدة. كما استقبلت القمة التي تأتي كاستكمال للقمة الأولى التي عقدت في جنيف في كانون الأول/ ديسمبر 2003، أكثر من 11 ألف مشارك مثلوا، إضافة إلى الجهات الرسمية، مئات المنظمات غير الحكومية وكبريات الشركات العابرة للقارات في مجال الاتصالات. وكان الحضور الأميركي لافتاً من خلال مشاركة مستشاري الرئيس بوش في مجال الاتصالات والعلوم، وممثلي الوزارات الأساسية والعديد من الوكالات الحكومية والمؤسسات الخاصة والشركات الكبرى، إضافة إلى أكثر من مئة منظمة غير حكومية.
ويعكس حجم المشاركة الأميركية مدى تفرد الولايات المتحدة بإدارة شبكة الانترنت العالمية، وهو الموضوع الذي أثار، قبل وخلال القمة، خلافات حادة في ظل المطالبة بإدارة هذا القطاع بمشاركة كاملة، شفافة وديموقراطية ومتعددة الأطراف، من قبل الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني والمنظمات الدولية. لكن هذه المطالب اصطدمت بالرفض الأميركي الذي عكس إصرار واشنطن على الاحتفاظ بسلطة تنظيم الانترنت عبر هيئات خاصة.
وإلى جانب الرفض الأميركي، لم تلتزم البلدان الغنية بتمويل مشروع سبق وطرحته قمة جنيف بهدف إطلاق استراتيجية عالمية لتطوير تقنيات الإعلام والاتصال في البلدان الفقيرة، ما يعني فشل شعار القمة الأساسي المتمثل بمطلب الحد من الهوة الرقمية بين الشمال والجنوب. وبالتوازي مع ذلك، لم يحظ مطلب حماية البعد الأخلاقي في استعمال تكنولوجيا المعلومات بالعناية الكافية، حيث تعرضت مراقبة الانترنت للإدانة من قبل ممثلة منظمات المجتمع المدني شيرين عبادي. ومن هنا، كرس مبدأ حرية نقل المعلومات للجهة الأقوى، وجاءت الوثيقة الختامية التي أصدرتها القمة لتتجاهل مبدأ التنمية الشاملة والمتكافئة لمواطني العالم، ولتشدد على إجراءات تهدف إلى المحافظة على سير أنظمة الانترنت في وضعها الحالي من خلال إعلان الحرب على مخترقي الشبكات وغيرهم من "المتطفلين" ومرتكبي الجرائم في المجال الشبكي، وما يقتضيه ذلك من تحقيقات وملاحقات جنائية.
وكما جرت العادة في كل مرة تنعقد فيها إحدى قمم العولمة، قوطعت قمة المعلومات الثانية من قبل مئات المنظمات غير الحكومية التي حاولت عقد قمة موازية ومضادة تحت عنوان "قمة المواطن". لكن المحاولة منيت بالفشل في ظل الحرب التي أعلنتها السلطات التونسية على هذه المنظمات حيث تعرض العديد من أفرادها لمضايقات من قبل أفراد يرتدون ثياباً مدنية، ويعتقد المراقبون بأنهم على صلة بأجهزة الأمن التونسية. ومن جملة هذه المضايقات تعرض صحافي فرنسي يعمل في صحيفة ليبراسيون للطعن بسكين في ظهره، الأمر الذي أثار استياءً واسعاً في فرنسا، وكان في أساس دعوات وجهت إلى الحكومة الفرنسية مطالبة بمقاطعة قمة المعلومات ومعاقبة الرئيس زين العابدين بن علي. لكن الإجراء الذي كان الأكثر إسهاماً في إعاقة القمة المضادة تمثل بلجوء السلطات التونسية إلى منح الطلاب إجازة إضافية للحيلولة دون وجود أكثر من مليوني طالب في أماكن الدراسة خلال فترة انعقاد القمة.
لكن هذا الإجراء لم يمنع احتشاد عشرات الألوف من الطلبة الذي نظموا اعتصامات وتظاهرات داخل حرم المدارس والاجتماعات لإدانة انتهاك الحريات في تونس، وللمطالبة بإصلاحات سياسية في وقت كان عشرات الناشطين السياسيين التونسيين يواصلون إضرابهم عن الطعام منذ 18 تشرين الأول/أكتوبر الماضي لأسباب تتعلق بالانتهاكات المذكورة.
ولم تقتصر تحركات الطلاب والمحامين والنشطاء السياسيين وممثلي النقابات التونسية على الاعتراض على قمة المعلومات والمطالبة بالاصلاح السياسي في تونس، بل تجاوزت ذلك، في ظل كثافة الحضور والنفوذ الأميركيين في القمة، وخصوصاً في ظل المشاركة في اجتماعاتها من قبل وفد إسرائيلي برئاسة وزير الخارجية سيلفان شالوم، إلى إدانة التطبيع مع "إسرائيل"، ورفعت الأعلام الفلسطينية والعراقية في تظاهرات الاحتجاج التي نظمت بالمناسبة، وبرزت شعارات نددت بالصهاينة والأميركيين، ونادت بـ"الموت لبوش وشارون".
ع.ح