ارشيف من : 2005-2008

العراقيون في القاهرة: جبل الجليد بدأ بالذوبان

العراقيون في القاهرة: جبل الجليد بدأ بالذوبان

الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1137 ـ 25/11/2005‏

بغداد ـ عادل الجبوري‏

بعد جهد جاهد أفلحت مساء يوم الأحد الماضي (20/11/2005) في الاتصال هاتفيا مع أحد الذين رافقوا الوفود التي شاركت في الاجتماع التحضيري لمؤتمر الحوار الوطني الذي رعته واستضافته جامعة الدول العربية في مقرها العام في العاصمة المصرية القاهرة.‏

ولم ينتظر محدثي حتى أسأله عما أبتغي معرفته، بل بادرني بدون مقدمات بالقول: "ان ما تحقق من انجازات تحت سقف جامعة الدول العربية هنا في القاهرة فاق التوقعات كثيرا، وإن الاجواء المشحونة بالتوجس والقلق التي سبقت انعقاد المؤتمر، وكذلك ساعاته الاولى، تبددت لتحل محلها اجواء حوارات ونقاشات ودية بين الذين بقي بعضهم بعيداً عن بعض طيلة الأعوام الثلاثة الماضية".‏

واسترسل المتحدث يقول بحماس: "ان خريف القاهرة نجح في تذويب جزءا من جبل الجليد الفاصل بين الفرقاء السياسيين العراقيين، ويتطلع الجميع الى ان يتكفل شتاء بغداد بإذابة الجزء المتبقي، حيث موعد انعقاد المؤتمر الموسع للحوار الوطني في أواخر شهر شباط/ فبراير، أو مطلع شهر آذار/ مارس المقبلين، والذي لا بد من ان يسبقه الكثير من الجهد والعمل.‏

ومع ان تعبير "جبل الجليد الفاصل بين الفرقاء السياسيين العراقيين" لم يرق لي كثيرا، الا ان الصورة المتفائلة التي رسمها محدثي من القاهرة دفعتني الى عدم التوقف طويلا عند ذلك التعبير بقدر الاهتمام بالمعطيات والوقائع والنتائج.‏

وإذا كانت كلمة كل من رئيس الوزراء العراقي الدكتور ابراهيم الجعفري في الجلسة الافتتاحية صباح يوم السبت، وبعدها كلمة الشيخ حارث الضاري الأمين العام لهيئة علماء المسلمين في العراق في الجلسة المغلقة التي تبعت الجلسة الافتتاحية قد بدتا كأنهما نوع من السجال الكلامي الخطير الذي ينذر بعلامات فشل المؤتمر منذ ساعاته الاولى، فإن كلمة السيد عبد العزيز الحكيم رئيس المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق وزعيم كتلة الاغلبية في الجمعية الوطنية العراقية (البرلمان) التي ألقاها ممثله الشخصي الشيخ همام حمودي، وكذلك التحرك الدبلوماسي الناجح للأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى قد ساهما في تلطيف الاجواء.. وإلى جانب ذلك فقد حرصه على توضيح ما بدا انه غير واضح في كلمته، فضلا عن ذلك أنه بادر الى الحديث المباشر مع الشيخ الضاري.‏

وبرأي الكثير من المراقبين السياسيين فإن الشيء الاكثر أهمية الذي يؤمل ان تترتب عليه آثار ونتائج ايجابية، هو اللقاءات التي جرت بين كل من الشيخ حارث الضاري والشيخ همام حمودي وهادي العامري الأمين العام لمنظمة بدر، والتي شهدت ـ بحسب مقربين ـ طرح الكثير من الأمور بصراحة وشفافية وهدوء.‏

ولعل ملامح ومؤشرات الآثار والنتائج الايجابية لتلك اللقاءات ظهرت من خلال المؤتمرات الصحافية المشتركة والتصريحات التي أدلى بها عدد من الشخصيات السياسية من كلا الطرفين.‏

ويبدو وفقا لمصادر مطلعة ان الاجتماعات واللقاءات بين المجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق ومنظمة بدر من جهة، وهيئة علماء المسلمين وأطراف سنية اخرى من جهة ثانية، ستتواصل في العاصمة العراقية بغداد. وترجح اوساط سياسية ان تشهد الأسابيع القليلة المقبلة لقاءً يمكن وصفه بـ"التاريخي" بين السيد عبد العزيز الحكيم والشيخ حارث الضاري.‏

وبينما توقعت بعض الأوساط ان يجري اللقاء قبل الانتخابات المقررة في منتصف شهر كانون الأول/ ديسمبر المقبل، ذهبت أوساط اخرى الى ان اللقاء سيُعقد بعد "انفضاض عرس الانتخابات" على حد تعبيرها.‏

والمهم في الامر ان شخصيات من كلا الطرفين سارعت بعد عودتها من القاهرة لبغداد، الى عقد اجتماعات للتنسيق والتداول وتفعيل ما أُقر واتُفق عليه.‏

وفي مقابل أجواء التفاؤل والارتياح التي سادت أوساطاً رسمية وشعبية في العراق على ضوء النتائج التي تحققت في الاجتماع التحضيري لمؤتمر الحوار الوطني في القاهرة، برزت تحفظات عديدة على السطح حيال بعض المسائل التي وردت في البيان الختامي للاجتماع، وحيال ما جاء من مواقف على لسان شخصيات سياسية عراقية رفيعة المستوى.‏

ولعل أبرز المتحفظين هو مسعود البارزاني رئيس إقليم كردستان الذي نقلت عنه وسائل اعلام عراقية وعربية قوله أمام أعضاء المجلس الوطني الكردستاني: "لحد الآن لا أعرف بالتحديد ما هي مقررات مؤتمر الوفاق الوطني في القاهرة، لكنني سمعت عن جدول زمني لانسحاب القوات الأجنبية من العراق والتفاوض مع المقاومة". وقال: "نحن لا نسمي ما يحدث في العراق مقاومة، إرهاباً، وليست هناك اي مقاومة، لأن المقاومة تحصل عندما تعارض أحدا، وبالنسبة لنا فإن القوات الاميركية قوات تحرير وليست قوات احتلال".‏

وجاءت تحفظات البارزاني متوافقة مع تحفظات للإدارة الاميركية وردت على لسان المتحدث الرسمي باسم السفارة الاميركية في بغداد، اذ رفض البند الذي يجيز مقاومة القوات الأجنبية في العراق ويصفها بأنها قوات محتلة، معتبرا "ان القوات الموجودة في العراق هي قوات لحفظ الأمن والاستقرار فيه، ولديها مشروعية في البقاء من قبل الحكومة العراقية ومجلس الأمن".‏

وبينما اعتبر اكثر من طرف سياسي عراقي في العاصمة بغداد ان مؤتمر القاهرة ساهم الى حد كبير في إحداث تقارب شيعي ـ سني على الصعيد السياسي يمكن ان يدفع بالأمور إلى قدر من الاستقرار والهدوء في العراق، قلّلت أطراف أخرى من أهمية وتأثير التحفظات الواردة، سيما انها اقترنت بتقييمات ايجابية على وجه العموم للمؤتمر.‏

وأيا تكن النظرة النهائية لما حصل وتحقق كحصيلة لاجتماعات متواصلة في القاهرة على مدى ثلاثة أيام متواصلة، تبقى النقطة الأهم هي تلك التي يفترض ان يصل اليها الجميع بعد أكثر من ثلاثة أشهر من الآن، وقد بلوروا رؤى وطروحات وتصورات متوافقة ومنسجمة لرسم صورة عراق الغد.‏

2006-10-28