ارشيف من : 2005-2008

بوش في آسيا: بين المصالح والتناقضات

بوش في آسيا: بين المصالح والتناقضات

الانتقاد/مقالات ـ العدد 1137 ـ 25/11/2005‏

في أول زيارة يقوم بها رئيس أميركي إلى منغوليا، تلك الجمهورية الصغيرة بسكانها (أقل من ثلاثة ملايين نسمة) والهائلة بمساحتها (أكثر من مليون ونصف مليون كلم مربع) وبمواردها الطبيعية، والمحشورة إلى ذلك بين العملاقين الروسي والصيني، أشاد الرئيس بوش بهذا البلد الذي اعتمد الخيار الديموقراطي بعد عقود من الخضوع للنفوذ السوفياتي، قبل أن يتحول إلى حليف للولايات المتحدة ويرسل نحو مئتي جندي إلى العراق للعمل ضمن القوة الدولية التي تشرف عليها القيادة الأميركية.‏

وقد استغل الرئيس بوش المناسبة ليهيب بشجاعة المحاربين المنغول وليذكر بأمجاد جنكيزخان الذي أقام امبراطورية امتدت من شواطئ المحيط الباسيفيكي إلى أواسط أوروبا! وبغض النظر عن مغزى هذه اللفتة إلى تاريخ رجل تجمع بينه وبين الرئيس بوش هواجس إمبراطورية ودموية متشابهة، كان من الواضح اندراج الزيارة في سياق الجهود الأميركية الهادفة إلى الزعزعة، وإثارة الشقاق بين بلدان الشمال الشرقي لآسيا التي جال عليها طيلة الأسبوع الفائت.‏

ففي اليابان التي وصل إليها في بداية جولته، والتي يتهمها الصينيون، إضافة إلى حلفائها الكوريين الجنوبيين، بالعمل على إحياء تاريخها الشوفيني، وما تخلله من اضطهاد لشعوب آسيا الشرقية خلال فترة الاحتلال الياباني، حرص الرئيس بوش على تصنيف بلدان المنطقة في ثلاث مجموعات: ديموقراطية كاليابان وكوريا الجنوبية وتايوان، وكسولة في تطبيق الديموقراطية كالصين، وديكتاتورية ككوريا الشمالية... وفي كلام واضح لجهة هز العصا في وجه الصين التي كثر حديث الأميركيين مؤخراً عن تعاظم قوتها العسكرية والاقتصادية، حرص الرئيس بوش على توجيه امتداح خاص لتايوان، منوهاً بأنها قادت شعبها إلى الرفاه، وأقامت مجتمعاً صينياً حراً وديموقراطياً. لكنه أمسك العصا من الوسط عندما شدد على وجود كيان صيني واحد، وحذر من إحداث أي تغيير في التوازن القائم. وقد جاء ذلك تعبيراً عن الموقف الأميركي التقليدي المعروف بازدواجيته في حماية استقلال تايوان مع التأكيد في الوقت نفسه على وحدة الصين بشكل لا يوحي بوحدتها وفقاً للمفهوم السائد في الصين الشعبية. وبالطبع يثير هذا الموقف حنق الصينيين الذين ردوا، على الفور، بلسان وزير خارجيتهم مؤكدين موقفهم التقليدي في رفض التدخل في الشأن الصيني الداخلي باعتبار تايوان جزءاً لا يتجزأ من الصين.‏

ولم يكتف الرئيس الأميركي بهذا القدر من التحرش بالصينيين من خلال إثارة الملف التايواني، بل عمد أيضاً إلى التحرش نفسه عبر فتح الملف الخاص بالتيبت. وكان بوش قد استقبل الدالاي لاما في البيت الأبيض قبل الشروع بجولته الآسيوية، وطالب المسؤولين الصينيين بدعوته لزيارة الصين للتباحث معه بشأن صيغة لحل المشكلة في التيبت. كما طالبهم بإشاعة الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان في الصين، معتبراً أن الشعب الصيني يرغب في التعبير الحر وفي ممارسة حقوقه الدينية وإقامة الصلوات وطباعة التوراة والإنجيل وغيرهما من النصوص الدينية دون خوف من السلطات. والواضح أن طريقة بوش في التحريض الديني داخل بلد يشكل فيه المسيحيون أقلية ضئيلة، مستوحاة بشكل غير ناجح، من البروباغندا الغربية التي أسهم العزف فيها على الوتر الديني في تقويض النظم الشيوعية في شرق أوروبا.‏

وإذا كان الرئيس بوش قد مهد لمباحثاته مع القادة الصينيين بكل هذه الإثارات الهادفة إلى إرباكهم، فإن الهدف الرئيسي لزيارته إلى الصين ظل متمثلاً بشكل رئيسي بمحاولة تحسين صورته لدى الرأي العام الأميركي بعد الهبوط الحاد في شعبيته لأسباب في مقدمتها الحرب على العراق. فالواقع أن بوش قد جاء إلى الصين للظهور بمظهر المدافع عن الاقتصاد الأميركي في ظل العجز التجاري الذي بلغ في أيلول/ سبتمبر الماضي نحو 70 مليار دولار يعود ثلثها إلى خلل المبادلات التجارية لمصلحة الصين التي يطالبها الأميركيون برفع سعر صرف اليوآن مقابل الدولار، وبوقف أعمال التزوير والتقليد في مجال الصناعات الالكترونية وتكنولوجيا المعلومات. لكن جميع هذه التوترات بين الصين والولايات المتحدة لا تمنع هذه الأخيرة من مواصلة جهودها الهادفة إلى دمج الصين في السوق الدولية الخاضعة بنسبة كبيرة إلى هيمنة الأميركيين، وهو الأمر الذي وجد تعبيراً عنه في تعمق الشراكة بين البلدين من خلال توقيع الصينيين على عقد لشراء 70 نسخة من طائرة بوينغ 737س، مع كل ما يعنيه ذلك من تحدّ لأوروبا في ظل التنافس الحاد بين "بوينغ" و"إير باص"، كما في ظل الأزمة الناشبة بين الصين وأوروبا حول الصادرات الصينية في مجال الأنسجة. تحدّ مماثل شكلته زيارة بوش للصين، وشعرت به روسيا أيضاً، حيث خفّ رئيسها فلاديمير بوتين إلى زيارة اليابان التي تبدو مستعدة، في ظل تراجعها الاقتصادي الحالي، لتجاوز الخلاف حول جزر الكوريل بعقود مغرية للاستثمار في الشرق الأقصى الروسي.‏

عقيل الشيخ حسين‏

2006-10-28