ارشيف من : 2005-2008
"منتدى المستقبل" الأميركي في المنامة:ضربة لمشروع الشرق الأوسط الكبير وفشل إضافي لطموحات بوش

بعد أيام من حصول الإسرائيليين على منحة أميركية بقيمة ثلاثة مليارات و200 مليون دولار مخصصة لتعزيز تسلح الجيش الإسرائيلي، تبرعت الولايات المتحدة بنحو 85 مليون دولار مخصصة لإنشاء "صندوق المستقبل" و "مؤسسة المستقبل" اللذين سيعملان، فيما لو كتب لهما النهوض والاستمرار، على نشر الديموقراطية في العالم العربي والإسلامي، وذلك ضمن إطار المشروع الأميركي للشرق الأوسط الكبير.
تقرر ذلك خلال مندى المستقبل الذي عقد السبت الماضي (12/11/2005) في المنامة، عاصمة البحرين، وحضره وزراء خارجية مجموعة البلدان الصناعية الثمانية والبلدان الأوروبية والعربية والإسلامية برئاسة كوندوليزا رايس وجاك سترو ووزير الخارجية البحراني خالد بن أحمد آل خليفة.
والجدير بالذكر أن منتدى المنامة هو الثاني بعد منتدى الرباط الذي أطلق بمبادرة من الدول الثماني في كانون الأول/ديسمبر الماضي وشهد مشاحنات سببها ربط بعض مندوبي البلدان العربية بين ضرورة حل النزاع "الفلسطيني ـ الإسرائيلي"، وفي صيغة أخرى "العربي ـ الإسرائيلي"، وبين نشر الديموقراطية.
وبعد أن ذكرت رايس في افتتاح المنتدى الثاني بأن مهمتها ليست فرض الديموقراطية، حددت مهمات المؤسسة العتيدة بأنها "مساعدة المجتمع المدني على تعزيز وحماية الحريات الأساسية" المشتملة على تعزيز دور المرأة وحقوق الإنسان والشفافية ومكافحة الفساد ودولة الحقوق.
كما شدد وزير الخارجية البريطاني جاك سترو على أن أهمية المؤتمر تكمن في كونه دليلاً على أن الإصلاحات تنبع من الداخل ولا يمكن فرضها من الخارج، متناسياً إطلاق الفكرة المحرجة للأنظمة من قبل مجموعة الثماني.
وبدلاً من الحديث عن عقدة سلام الشرق الأوسط، شنت رايس هجوماً على سوريا بتهمة انتهاك حقوق الإنسان وعدم إطلاق مساجين سياسيين، في وقت تفوح فيه في أجواء الولايات المتحدة روائح تحقيقات جارية أو مطلوبة حول التعذيب في معتقلات غوانتانامو وغيره من المعتقلات التي يديرها الأميركيون في العراق وبلدان عربية وإسلامية، إضافة إلى معتقلات سرية في أوروبا الشرقية تسربت حولها معلومات تم كشفها مؤخراً من قبل واشنطن بوست.
المهم أن السبب في فشل منتدى المستقبل في إصدار بيان ختامي عن أعماله لم ينشأ عن هجوم رايس على سوريا ولا عن الاعتبارات المرتبطة بتراجع سلام الشرق الأوسط بل، تحديدا، عن الدور المتعاظم للمنظمات غير الحكومية التي يشدد الأميركيون على إشراكها في الإشراف على قيادة عملية الإصلاح ونشر الديموقراطية، الأمر الذي يعتبر نوعاً من إضعاف سلطة الدول لمصلحة هيئات هي عبارة عن جماعات ضغط تتبنى وجهة النظر الأميركية في موضوع الإصلاح.
وقد برزت التوجهات المذكورة في اجتماع عقدته نحو 300 منظمة عربية غير حكومية في المنامة قبيل انعقاد المنتدى، وأصدرت فيه توصيات تطالب الدول العربية والإسلامية بوضع روزنامة للإصلاحات التي تعتزم تنفيذها.
وقد تفجرت الخلافات عندما تحفظ مندوبو عدد من الدول العربية، وخاصة وزير الخارجية المصري، على بعض فقرات وثيقة المنتدى، مطالباً بأن تكون المنظمات المخولة استلام وإنفاق المساعدات التي سيقدمها صندوق المستقبل معترفاً بها من قبل السلطات في البلدان المعنية. وبالطبع لم تحل الخلافات دون تحديد موعد لاجتماع إضافي تقرر عقده في عمان في كانون الأول/ ديسمبر القادم لمواصلة البحث في إنشاء "مؤسسة المستقبل"، لكن المراقبين أجمعوا على أن الفشل في إصدار ما كان سيسمى بـ"بيان البحرين" بعد الفشل، قبل أيام قليلة، في إصدار بيان مشترك عن قمة الأميركتين بخصوص المنطقة الحرة القارية، هو ضربة قاسية لمحاولات الرئيس بوش الهادفة إلى صرف النظر عن تدهور شعبيته في الداخل عبر البحث عن تحقيق مكاسب ممكنة في الخارج.
ويبدو، بعد الفشلين الخارجيين المذكورين أن معالم الفشل الثالث قد بدأت تلوح في الأفق مع الخطوات الأولى من جولة بوش الآسيوية حيث استقبل في سيول بتظاهرات عارمة نددت بسياسات العولمة الأميركية.
عقيل الشيخ حسين
الانتقاد/ عربيات ودوليات ـ العدد 1136 ـ 18 تشرين الثاني/ نوفمبر 2005