ارشيف من : 2005-2008
بوش وموسم الهزائم:أميركا اللاتينية أخيراً وليس آخراً

الانتقاد/ دوليات ـ العدد 1135 ـ 11/11/2005
قمة الأميركتين والأمل بتوصلها إلى اتفاق إنشاء منطقة حرة على مستوى القارة حلم قديم عمل على تحقيقه كل من الجمهوري بوش الأب والديمقراطي كلينتون، وهو أيضاً حلم راود بوش الإبن، وإن كان سقف الأمل في القمة الرابعة التي عقدت في مار ديل بلاتا يومي الجمعة والسبت الماضيين (4و5/11/2005)، لا يتجاوز النجاح في استئناف المفاوضات المجمدة حول الموضوع منذ سنتين، ليس فقط من أجل المفاوضات بذاتها، بل لتسجيل مكسب ولو شكلياً بعد كل الخسائر التي منيت بها سياساته الخارجية، في حروبه المفتوحة على العالم، والداخلية، في مسلسلات الفضائح المرتبطة باجتياح المحافظين الجدد لمواقع القرار في الولايات المتحدة.
لكن القمة انفرجت عن خسارة إضافية ستسهم بالتأكيد في دفع الرئيس بوش نحو المزيد من التراجع وفقدان الشعبية وصولاً إلى العجز المحتمل عن الحكم، ومما زاد في ألم الخسارة أن الرئيس بوش كان على يقين من أن حلفاءه المرتبطين مع واشنطن بمعاهدات ثنائية، أو الموعودين بتوقيع مثل هذه المعاهدات معها، سيوفرون فرصاً حقيقية لنجاح القمة التي انعقدت تحت شعار جذاب جداً: توفير فرص عمل تساعد في مكافحة الفقر وفي ترسيخ الحكم الديموقراطي. إلا أن يقينه اصطدم برفض فنزويلا لفكرة المنطقة الحرة جملة وتفصيلاً لأنها تعتبرها "أداة استعمارية للامساك بالقارة"، ثم بإصرار مجموعة "مركوسور"، وخصوصاً البرازيل والأرجنتين، على عدم استئناف المفاوضات قبل استجابة الولايات المتحدة لمطالب البلدان الفقيرة في فتح أسواقها أمام المنتجات الزراعية لهذه البلدان، وهو المطلب المرتبط بوقف المساعدات الحكومية التي تقدمها الإدارة الأميركية للمزارعين الأميركيين لتمكينهم من كسر السعر العالمي لهذه المنتجات، الأمر الذي يؤدي إلى إفلاس مزارعي العالم الثالث وإفقارهم.
ومن المفترض أن يصار إلى حسم هذه المسألة في اجتماعات منظمة التجارة العالمية الشهر القادم في هونغ كونغ، بعد أن عطل عدم حسمها أعمال المنظمة وهدد بانهيارها خلال العامين الماضيين.
وإذا كانت قمة مار ديل بلاتا قد تحولت فعلاً إلى مقبرة لـ"آلكا" (مشروع المنطقة الحرة في الأميركتين) على ما أراده الرئيس الفنزويلي هيغو شافيز، الذي أطلق بالمقابل فكرة تدامج شعوب أميركا اللاتينية تحت إسم "المبادرة البوليفارية من أجل أميركا اللاتينية"، فإن الرئيس بوش ووزيرة خارجيته كوندوليزا رايس قد شاهدا الملصقات التي طالبت باعتقالهما، وسمعا كل الشتائم التي لا يحبان سماعها من قبل التظاهرات التي استقبلتهما في الأرجنتين والبرازيل وبنما، ومنها على سبيل المثال "عد إلى بلادك!" و"بوش الفاشي أنت الإرهاب!"، إضافة إلى وصفه من قبل دييغو مارادونا بأنه "قمامة بشرية"، ناهيكم عن إحراق الأعلام الأميركية بالجملة.
أما الضربة التي لا تقل نكاية فتمثلت بقمة الشعوب التي عقدت في أحد الملاعب الرياضية في مار ديل بلاتا بحضور عشرات الألوف من الأرجنتينيين الذين اجتمعوا تحت صورة ضخمة لتشي غيفارا، وصفقوا طويلاً للرئيس الفنزويلي هيغو شافيز الذي برز محاطاً بوجوه لا يحبها الرئيس بوش، بينها سيندي شيهان الأميركية التي قتل ابنها في العراق وأصبحت رمزاً للحركة الأميركية المطالبة بالانسحاب من العراق، والمرشح اليساري والزعيم الهندي إيفو موراليس المنتظر فوزه بانتخابات الرئاسة في بوليفيا. وقد خطب شافيز طيلة ساعتين ونصف، وتعمد أكثر من مرة ذكر الرئيس الكوبي فيديل كاسترو الذي لم يدع لحضور قمة الأميركتين لعدم "وجود مؤسسات ديموقراطية" في بلاده، ما دفعه إلى إرسال نحو 300 فنان ورياضي للمشاركة في قمة الشعوب المضادة.
وعلى ضوء الفشل الذي مني به الرئيس الأميركي في أميركا اللاتينية وما قابله من صعود نجم شافيز وعودة غيفارا وكاسترو لاحتلال موقعهما القديم في وعي شعوب نصف القارة الجنوبي، ووصول أحزاب يسارية إلى قمة الحكم في أغلب بلدانها، يسجل المراقبون انتهاء الحقبة التي شكلت خلالها بلدان أميركا اللاتينية حديقة خلفية للولايات المتحدة، وبروزها كثاني أكبر خزان لمعاداة الولايات المتحدة بعد العالم العربي. والحقيقة أن سياسات بوش تحديداً هي التي أساءت، في أميركا اللاتينية، إلى صورة الولايات المتحدة التي ستجد نفسها عاجلاً مطالبة بإعادة النظر في إدارتها التي حولتها إلى عدو للشعوب، وأوصلت حالة العداء هذه حتى إلى قلب الولايات المتحدة.
عقيل الشيخ حسين