ارشيف من : 2005-2008
المشهد الانتخابي العراقي..قوى وتحالفات جديدة

الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1135 ـ 11/11/2005
بغداد ـ عادل الجبوري
لم يتبقَ لموعد الانتخابات البرلمانية العامة في العراق سوى خمسة أسابيع فقط، وهي بلا شك فترة قليلة تحتم على المتنافسين التحرك بوتائر متسارعة جدا لاستكمال التحضيرات والاستعدادات كافة لخوض المرحلة الاخيرة من المعركة الانتخابية في الخامس عشر من شهر كانون الأول/ ديسمبر المقبل.
المفوضية العليا المستقلة للانتخابات أعلنت ـ باعتبارها الجهة المسؤولة عن اجراء الانتخابات ـ بصورة رسمية أسماء الكيانات السياسية ـ المنفردة والائتلافية ـ التي ستتنافس على مقاعد مجلس النواب البالغة مئتين وخمسة وسبعين مقعدا، والتي بلغت مئتين وثمانية وعشرين، واحد وعشرون منها ائتلافية، والباقي قوائم حزبية ومنفردة. ولعل هذه الزيادة الكبيرة في عدد الكيانات قد يوحي للوهلة الاولى بأن تغيرا على قدر كبير من الأهمية قد طرأ على خارطة المشهد الانتخابي، مع الأخذ بعين الاعتبار ان العناصر او الكيانات السياسية التي سترسم وتحدد ملامح ومعالم وخطوط وألوان مرحلة ما بعد الانتخابات هي ذاتها ـ مع بعض التغيير ـ التي حققت نتائج يعتد بها في الانتخابات السابقة.
والكتل الائتلافية التي يفترض ان يكون لها مثل ذلك الدور هي: الائتلاف العراقي الموحد، والتحالف الوطني الكردستاني، وجبهة التوافق العراقية، والقائمة العراقية الوطنية، وقائمة تحالف المؤتمر الوطني العراقي.
وبالنسبة الى الكتلة الأولى الائتلاف العراقي الموحد، فهي تمثل امتدادا واضحا للكتلة القائمة حاليا التي تحتل غالبية مقاعد الجمعية الوطنية، فزعامتها بقيت للسيد عبد العزيز الحكيم رئيس المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق، ومكوناتها الاساسية لم تتبدل، مثل المجلس الاعلى وحزب الدعوة الاسلامية بشقيه: المقر العام وتنظيم العراق، وحزب الفضيلة بزعامة آية الله الشيخ محمد اليعقوبي، ومنظمة بدر التي كانت سابقا تعد الجناح العسكري للمجلس الاعلى.
ولعل التبدل المهم الذي طرأ على كتلة الائتلاف هو دخول التيار الصدري بزعامة السيد مقتدى الصدر بكل ثقله، حيث منح نسبة 25% من المقاعد التي يفترض ان يحصدها الائتلاف، اذ من المتوقع ان يمثل دخول التيار الصدري عاملا مهما في تحديد طبيعة نتائج الانتخابات المقبلة.
في مقابل ذلك فضل زعيم المؤتمر الوطني العراقي أحمد الجلبي ومعه شخصيات سياسية أخرى الخروج من الائتلاف بسبب خلافات حول حصص التمثيل، وقام بتشكيل قائمة ائتلافية من قوى وتيارات وشخصيات ذات انتماءات واتجاهات سياسية وأيديولوجية وقومية مختلفة، من بينها الحركة الملكية الدستورية بزعامة الشريف علي بن الحسين، وحزب القرار التركماني (قومي علماني) بزعامة فاروق عبد الله الرئيس السابق للجبهة القومية التركمانية القريبة من أنقرة، ووزير العدل الحالي عبد الحسين شندل، والدكتورة سلامة الخفاجي (اتجاه إسلامي مستقل)، وتتوقع أوساط سياسية ان لا يحرز أحمد الجلبي الذي يسعى للحصول على منصب رئيس الوزراء أكثر من ثمانية مقاعد في أقصى تقدير.
وإذا كانت كتلة الائتلاف العراقي الموحد قد شهدت دخول أطراف اليها وخروج أخرى منها، فإن كتلة التحالف الكردستاني شهدت خروج الاتحاد الاسلامي الكردستاني الذي يأتي من حيث القاعدة الجماهيرية في كردستان العراق في المرتبة الثالثة بعد الحزبين الرئيسيين: الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطالباني والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني، هذا اضافة الى خروج ثلاثة أحزاب صغيرة في وقت لاحق من الكتلة هي: حزب الاتحاد القومي الديمقراطي الكردستاني، وحزب بيت نهرين (آشوري)، وحركة مضطهَدي وفلاحي كردستان.
ويرى سياسيون وأصحاب رأي أكراد انه من المستبعد جدا ان تحصل كتلة التحالف الكردستاني على نفس او أكثر من المقاعد التي حصلت عليها في الانتخابات السابقة، لأن الخارطة الانتخابية تبدلت بدخول قوى وأطراف جديدة، وخصوصا التيارات السنية العربية، فضلاً عن خروج الاتحاد الاسلامي الكردستاني من التحالف.
أما كتلة العراقية التي يتزعمها رئيس الوزراء العراقي السابق إياد علاوي، فقد توسعت لتستوعب قوى وشخصيات دخلت المعركة الانتخابية السابقة بقوائم مستقلة، مثل الحزب الشيوعي العراقي بزعامة حميد مجيد موسى الذي أحرزت قائمته (اتحاد الشعب) في الانتخابات السابقة مقعدين فقط، وتجمع الديمقراطيين المستقلين بزعامة السياسي المخضرم عدنان الباججي، الذي فشل سابقا في إحراز أي مقعد، وكذلك فشلت مساعيه المحمومة في الحصول على أي منصب رفيع المستوى مثل نائب رئيس الجمهورية الذي شغله عن السنة الشيخ غازي إلياور.. وهذا الأخير الذي كان قد خاض الانتخابات السابقة في قائمة مستقلة باسم "عراقيون" وأحرز خمسة مقاعد، تحالف هذه المرة مع علاوي.
وما يلاحظ على قائمة علاوي الجديدة هو أنها تضم قوى وتيارات وشخصيات ليبرالية وماركسية وقومية عربية وعشائرية، يبلغ عددها خمسة عشر، وهي تقترب في تكوينها العام من قائمة الجلبي الخصم اللدود لعلاوي وابن خالته، التي تتألف من عشرة عناوين سياسية.
وبرغم ذلك يبدو انه لن يكون بإمكان علاوي إحراز أربعين مقعداً مثلما حصل في انتخابات كانون الثاني/ يناير الماضي، حينما كان يشغل منصب رئيس الوزراء.
العنصر الأهم في المشهد الانتخابي الحالي الذي كان غائباً في المشهد السابق، هو العنصر السني الذي تمثل بجبهة التوافق العراقية المؤلفة من ثلاث قوى تعد الأساسية في الشارع السني، وهي الحزب الاسلامي العراقي بزعامة محسن عبد الحميد، والمؤتمر العام لأهل العراق بزعامة عدنان محمد الدليمي الرئيس السابق لديوان الوقف السني، ومجلس الحوار الوطني العراقي بزعامة الشيخ خلف العليان، الذي خرج منه الناطق باسمه صالح المطلك بعد أن رفضت مطالبه وشروطه، الأمر الذي دفعه الى تشكيل قائمة أخرى باسم القائمة العربية مع شخصيات سنية أخرى لا تمتلك ثقلا أو حضورا مؤثرا في الساحة السياسية السنية.
ومن المرجح أن تحرز قائمة جبهة التوافق العراقية بالدرجة الأولى ومعها القوائم السنية الاخرى او ذات الطابع السني، معظم المقاعد في محافظات الرمادي (الأنبار)، وتكريت (صلاح الدين)، وبدرجة أقل الموصل (نينوى)، وديالى (بعقوبة)، وكذلك تحرز عدداً لا بأس به من مقاعد محافظة بغداد، أي يمكنها أن تكسب ما بين خمسة وعشرين وثلاثين مقعدا في مجلس النواب المقبل.
وإلى الآن فإن معظم القراءات التحليلية تذهب الى ان القوائم الخمسة المشار اليها آنفاً قد تحرز ثلاثة أرباع مقاعد البرلمان العراقي المقبل، ليتوزع الربع المتبقي على كتل وكيانات تمتلك حضورا وثقلا جماهيريا في هذه الدائرة الانتخابية او تلك، بينما سيخرج عدد كبير من القوائم الانتخابية من "المراتون" الانتخابي خالي الوفاض، ليقرر بعد ذلك إما الانزواء بعيدا عن المسرح او إعادة ترتيب أوراقه وتنظيم صفوفه، عله يحصل على شيء يذكر بعد أربعة أعوام.