ارشيف من : 2005-2008

دمشق: استنفار رسمي وشعبي لاستيعاب الاندفاع الأميركي

دمشق: استنفار رسمي وشعبي لاستيعاب الاندفاع الأميركي

الانتقاد/مقالات ـ العدد 1135 ـ 11/11/2005‏

خورشيد دلي ـ دمشق/ خاص ـ الانتقاد‏

مع صدور قرار مجلس الأمن الدولي 1636 وتضمين القرار التهديد باللجوء إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، أي القوة في حال لم يكن التعاون السوري كاملا مع لجنة التحقيق الدولية برئاسة القاضي الألماني ديتلف ميليس، يحس الشارع السوري يوما بعد آخر بأن البلاد باتت مستهدفة بشكل مباشر، وأن قضية التحقيق في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري تحولت إلى نوع من الابتزاز السياسي لدمشق من أجل دفع النظام إلى اتخاذ قطيعة مع سياسته الوطنية بعد اجراء عملية جراحية في عمق بنيان هذا النظام، وإلا فإن البلاد قد تتعرض لمرحلة قاسية من العقوبات، وربما الاستهداف العسكري في ظل تصاعد التهديدات الأميركية وحديث بعض صقور الإدارة الأميركية عن الخيار العسكري ضد دمشق بحجة عدم التعاون ودعم "الإرهاب".‏

وإذا كانت أجواء الداخل السوري تسوده حالة من الغضب والاحتقان والترقب لما قد يحدث في الأيام والأسابيع المقبلة، فإن ردود الشارع السوري وعلى المستويين الرسمي والشعبي تمثلت في مجموعة من التحركات والخطوات والإجراءات التي هدفت إلى خلق حالة من التعبئة في الداخل والتحرك دبلوماسياً على المستوى الإقليمي والدولي لشرح الموقف السوري وإيجاد نوع من الدعم له في مواجهة التحالف الأميركي ـ البريطاني ـ الفرنسي, ولعل من أهم الردود:‏

1ـ بعد التظاهرة الضخمة التي شهدتها دمشق بدأ آلاف السوريين بتنظيم من الجمعية السورية للعلاقات العامة اعتصاما مفتوحا في ساحة الروضة بالقرب من السفارة الأميركية بدمشق, وقد انضم إلى الاعتصام العديد من الفعاليات السورية من جمعيات واتحادات نقابية وطلابية وعمالية وحزبية، فضلا عن بعض ممثلي البعثات الأجنبية في دمشق, ولسان حال هؤلاء يقول: "نعم لكشف الحقيقة لا لاستهداف سورية"، مؤكدين انهم يريدون من وراء هذا الاعتصام إيجاد رسالة تضامن مع سورية في مواجهة الضغوط والتهديدات.‏

2 ـ تخصيص السلطات التنفيذية (الحكومة) والتشريعية (مجلس النواب) والحزبية (الجبهة الوطنية) معظم جلساتها لمتابعة المستجدات المتعلقة بتقرير ميليس والقرار 1636، وبحث هذه السلطات في كيفية التعامل مع هذه المستجدات وتداعياتها على سورية.‏

3 ـ بموازاة جهود هذه السلطات يواصل الفريق السوري (مجموعة من الخبراء الأمنيين والقانونيين والسياسيين) الذي شكل منذ فترة لمتابعة التحقيق في قضية اغتيال الحريري، يواصل اجتماعاته وبشكل يومي تقريباً من أجل وضع آلية عملية للتعامل مع لجنة التحقيق الدولية برئاسة ميليس، واتخاذ الخطوات المناسبة لتقوية الموقف السوري في الداخل والخارج.‏

4 ـ محاولة اللجنة القضائية السورية الخاصة بالتحقيق في قضية اغتيال الحريري والتي تشكلت بمرسوم رئاسي إيجاد أرضية قانونية وآلية ممكنة في مسألة التعامل مع طلبات ميليس، وخاصة في مسألة التحقيق مع الشخصيات السورية المطلوبة للتحقيق, وترى اللجنة ان هذا الأمر ممكن من خلال قيام آلية تعاون بينها وبين كل من لجنة التحقيق الدولية والقضاء اللبناني.‏

5 ـ مواصلة الدبلوماسية السورية إرسال رسائل إلى عدد من قادة دول العالم لشرح الموقف السوري، وتأكيد عزم سورية على التعاون مع كل جهد دولي يفضي إلى الكشف عن حقيقة جريمة اغتيال الحريري على أمل ان يؤدي ذلك إلى موقف متفهم ومتضامن معها، ويبدو ان هذه الحملة نجحت في قدوم موفدين عرب فضلا عن زيارات تقررت لوزراء خارجية كل من إيران وروسيا والصين وماليزيا، عدا عن زيارة الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى إلى دمشق وسط حديث عن اتفاق على عقد قمة ثلاثية مصرية سورية سعودية في شرم الشيخ في منتصف الشهر الجاري لإعلان نوع من التضامن مع سورية, بينما على مستوى آخر تتواصل المساعي التي تبذلها بعض الدول العربية لدى كل من واشنطن وباريس ولندن للحد من الضغوط ضد دمشق.‏

6 ـ مواصلة الحكومة السورية في اتخاذ المزيد من الإجراءات الاقتصادية وخاصة في مجال القطع الأجنبي (الدولار) كي لا تتأثر الليرة السورية سلباً، وكذلك الاستثمارات، تجنباً لحدوث تداعيات اقتصادية قد تكون لها سلبيات خطيرة على الداخل السوري.‏

هذه الردود التي باتت تأخذ شكل التعبئة والاستنفار على المستوى الداخلي قابلتها دعوات من العديد من القوى والأحزاب السورية وأوساط المجتمع المدني إلى عقد مؤتمر وطني بهدف التأسيس لصيغة تسمح لكل القوى السورية المشاركة في العملية السياسية، وذلك في إطار خطوات إصلاحية عميقة, وفي إشارات إلى نية القيادة السورية اتخاذ المزيد من الخطوات الإصلاحية صدر عفو عام عن قرابة مئتي سجين سياسي، بينما تتحدث المصادر السياسية السورية عن ان الأيام القليلة المقبلة ستشهد صدور قانون عصري للأحزاب، ومنح الجنسية لعشرات آلاف الأكراد الذين تم تجريدهم منها بموجب الإحصاء الذي جرى في عام 1962 إذ تأمل القيادة من هذه الخطوات وغيرها إيجاد حالة من الالتحام الداخلي في مواجهة التهديدات الخارجية بعد ان أصبحت ماثلة.‏

وأمام هذه الحالة بدأ الشارع السوري وعلى جميع المستويات الرسمية والشعبية ينشدُّ أكثر فأكثر إلى كل مستجد يتعلق بمسار التحقيق في قضية اغتيال الحريري، وكذلك إلى سلوك قيادته في كيفية التعامل مع المستجدات والضغوط بعد ان بات التحقيق يتهم ويتناول عدداً غير قليل من الشخصيات المهمة والأساسية في بنية النظام والدولة.‏

في الواقع, مع ان سورية وعلى كل المستويات ترى ان تقرير ميليس والقرار 1636 والطلبات المتتالية منها باسم التعاون... ترى ان كل هذا مرسوم في إطار خطة استراتيجية أميركية مسبقة الصنع بهدف إعادة ترتيب منطقة الشرق الأوسط، إلا انه برغم كل هذا لا ترى القيادة السورية خياراً آخر سوى التعاون تحت أمر الواقع على أمل ان يخلق هذا التعاون في الأيام المقبلة معطيات وحقائق ومواقف جديدة تحد من الاندفاع الأميركي لاستغلال قضية اغتيال الحريري كمحطة لاستهداف سورية ليس من أجل كشف الحقيقة، وإنما للنيل من سورية ولبنان والمنطقة بشكل عام، وذلك في إطار الأهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة و"إسرائيل".‏

2006-10-28