ارشيف من : 2005-2008
هل ينجح ريغان في إعادة الحياة إلى بوش؟

الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1133 ـ 28/10/2005
"ليس من مصلحة الولايات المتحدة أن يحكمها رئيس معاق لمدة ثلاث سنوات"، أي حتى نهاية الفترة الرئاسية الثانية للرئيس بوش. هذه العبارة قالها دافيد غيرغن، المستشار السابق لكل من الرؤساء الأميركيين نيكسون وريغان وبوش الأب وكلينتون، في معرض التعليق على إسراع الرئيس بوش في الذهاب إلى سيمي فالي في كاليفورنيا لافتتاح معرض في مكتبة رونالد ريغان الرئاسية.
والظاهر أن الهدف الرئيسي لرحلة بوش إلى كاليفورنيا لم يكن افتتاح المكتبة، بل التماهي بصورة رونالد ريغان، واستخدام نجاحاته في تجربة الرئاسة كرافعة تعينه على تعويم نفسه، بعد التضاؤل السريع في شعبيته، من 70% من المؤيدين لسياساته، في بدايات عهده، إلى 39 %، بعد الفضائح التي أحاطت بإدارته من جراء الحرب الأميركية على العراق وحرب الطبيعة على أميركا، ومن جراء الفساد المالي والإداري الذي يتورط فيه كبار معاونيه والمقربين إليه.
فإلى القاسم المشترك بين ريغان وبوش الذي يتمثل بكون كل منهما قد فاز بحكم الولايات المتحدة لفترتين رئاسيتين متتاليتين، حاول بوش أن يضيف قواسم أخرى أهمها أن كلاً منهما قد تمكن من قيادة الولايات المتحدة نحو انتصارات كبرى. فريغان شهد عهده انهيار الإتحاد السوفياتي الذي اعتبر، بشكل أو بآخر نصراً كبيراً للولايات المتحدة ولرئيسها بعد أربعين عاماً من التنافس الثنائي وتوازنات الرعب التي خيمت على العالم في ظل الحرب الباردة وما رافقها من حروب إقليمية ساخنة. أما بوش، فقد شهد عهده، في أعقاب الهجمات على نيويورك وواشنطن في 11 أيلول/ سبتمبر 2001، فتح جبهة الحرب الطويلة الأمد على النظم الديكتاتورية و"الإرهاب الإسلامي" الذي وصفه بوش، في خطابه في سيمي فالي، بالتطرف والجذرية وقتل الأبرياء والوقوف في وجه رياح الديموقراطية الأميركية التي تهب على العالم.
وقد حرص بوش في خطابه على إظهار أوجه الشبه بين العدوين، الشيوعي والإسلامي المتطرف، على محاور الكلانية والعداء للحرية والديموقراطية والعالم الحديث، ليخلص من ذلك إلى نتيجة مفادها أن الولايات المتحدة التي انتصرت، في ظل ريغان، على العدو الأول، ستنتصر في ظل بوش، على العدو الثاني.
ولما كانت المقولة الأولى قد أصبحت في حكم المسلّمات التاريخية المثبتة بالوقائع، في حين أن المقولة الثانية قد كذّبتها الوقائع المتمثلة بورطة الأميركيين في العراق على مستوى الخسائر البشرية والسياسية غير المتوقعة، وفي غير العراق على مستوى الفشل الأميركي المتحقق في إدارة الملف النووي الإيراني، أو السائر نحو عدم التحقق في إدارة الملف السوري اللبناني، فإن الرئيس بوش لم يجد وسيلة يقنع بها الأميركيين بصحة تنبؤاته غير أن يحلف لهم بأن أميركا ستنتصر على الإرهاب الإسلامي المتطرف مثلما انتصرت على الشيوعية. والواضح أن الرأي العام الأميركي لم يعد يصدق وعود بوش الانتصارية التي دأب على تكرارها منذ أكثر من أربع سنوات دون أن يتمخض الواقع إلا عن تراكمات الفشل، بدليل هبوط شعبية بوش وتصاعد الانتقادات الموجهة إلى إدارته.
وإذا كان بوش قد فشل في تقمص ريغان في مجال الإنتصارات، فإنه فشل أيضاً، في محاولة استعارة شيء من "سحر" ريغان الناجح في مجال التواصل، على ما قاله غيرغن، في إشارة مبطنة إلى ذكاء خريج هوليود وقدرته على التمثيل، وربما أيضاً إلى ما يقال عن افتقار بوش إلى العديد من صفات الألمعية. وبذلك، لا يبقى من القواسم المشتركة بين الرجلين غير الولايتين الرئاسيتين، مع فارق أن الأول قد أنهى ولايته الثانية وهو يتمتع بتأييد 63 في المئة من الأميركيين، في حين أن الثاني لا يبدو قادراً، في ظل انهيار شعبيته، و"سياساته الانتحارية"، بحسب تعبير زبغنيو بريجنسكي، على إكمال ولايته الثانية.
ع.ح