ارشيف من : 2005-2008

باكستان بين مطرقة الزلزال وسندان المساعدات

باكستان بين مطرقة الزلزال وسندان المساعدات

الانتقاد/ تحقيق ـ العدد 1133 ـ 28/10/2005‏‏

79 ألف قتيل وعدد أكبر من الجرحى و3 ملايين بلا مأوى، وجوع وأوبئة وبرد قارس مع أن ثلوج الشتاء لم تبدأ بعد بالتساقط على السفوح الباكستانية لجبال الهملايا التي ضربتها أكثر من مئة هزة أرضية كان أضخمها زلزال الثامن من تشرين الأول/أكتوبر الجاري. رجال الإنقاذ يرفعون الأنقاض حجراً حجراً ولبنة لبنة لا بحثاً عن ناجين، بعد مضي ثلاثة أسابيع على الزلزال، بل لإخراج الجثث. لكن المشكلة الأكبر تطال الذين ظلوا على قيد الحياة، وتختصر اليوم بكلمة واحدة: المساعدات. الحكومة الباكستانية تطلق النداءات من أجل إرسال المساعدات للمنكوبين، والأمين العام للأمم المتحدة جدد دعوة حكومات العالم ومنظماته إلى مد يد العون لباكستان. جمعيات وأحزاب وشخصيات في العالم الإسلامي وغير الإسلامي تطلق دعوات مماثلة، وهنالك استجابات عديدة قد سجلت على مستوى إرسال المروحيات والمؤن والأعتدة والأدوية والخبراء والأموال. لكن كل ذلك لا يبدو كافياً لأسباب منها حجم الكارثة والصعوبات اللوجستية و... قلة الاهتمام.‏‏

الطلب يتركز بشكل خاص على الطائرات المروحية لنقل الأعتدة المتوافرة والجرحى بسبب انقطاع الكثير من الطرق. لكن وبرغم وجود ما بين 60 و80 مروحية تعمل بشكل دائم في هذا المجال، فإن نحو 20 في المئة من القرى المنكوبة لم تتسلم حتى الآن أية مساعدات، والمساعدات التي تم ايصالها تظل، باعتراف المراقبين، نقطة في بحر الاحتياجات. صعوبة التضاريس والمسالك في المناطق الجبلية المنكوبة لا تسمح بهبوط المروحيات، لذا يتزايد اللجوء إلى استخدام البغال في تنفيذ أعمال الإغاثة البطيئة لملايين المشردين والمرضى والمقرورين الجائعين المفتقرين إلى مياه الشرب في وقت يقول فيه المراقبون بأن تنقية المياه هي بين أبرز التحديات في ظل تكاثر الوفيات وحالات الإسهال. أمراض أخرى كالغنغرينا والكزاز تجبر المسعفين على بتر الأعضاء وإعطاء الأولوية لمعالجة الجروح الملتهبة... ويمكن تخيل بقية فصول المأساة، على وقع الدعوات والنداءات المتكررة في طلب المساعدات.‏‏

الصعوبات اللوجستية ليست وحدها المسؤولة عن تردي الوضع، وتصريحات بعض الجهات المعنية بالمساعدات بدأت تكشف عما يمكن تصنيفه على لائحة المواقف السلبية ذات الخلفيات السياسية والإيديولوجية. فالحلف الأطلسي الذي توجد قواته في أفغانستان المجاورة، والذي أرسل عدداً من المروحيات وطائرات الشحن للإسهام في أعمال الاغائة وعدداً آخر من أفراده العاملين في قوات الهندسة للاسهام في إصلاح الطرقات، "ليس جمعية خيرية"، وفق تصريح أدلى به أمينه العام جآب دو هوب شيفر، في بادرة يستفاد منها بأن المساعدة من قبل الحلف لن تتعدى الحدود المذكورة. أما البنك الدولي الذي وعد بتقديم مساعدة بقيمة 20 مليون دولار، فقد وعد ـ على لسان مديره المعروف بول وولفوويتز ـ بتقديم المزيد لأعمال الإعمار، شرط تحديد الاحتياجات بدقة، معللاً وجهة نظره بأن عدم تحديد الاحتياجات من شأنه أن يفضي إلى إرسال مؤن قد تبقى خارج الاستعمال!‏‏

ولا يخفى أن إعطاء الأولوية للمساعدة في مجال الإعمار المرهون بالمستقبل، في وقت يتطلب فيه الراهن رفع الجثث ومساعدة المشردين والمرضى والجائعين، يكشف عن طبيعة التفكير الاستثماري الربحي التي تحكم أخلاقيات البنك الدولي ومديره الجديد الذي تخرّج من أروقة البنتاغون ليدير مرفقاً هاماً من مرافق الإجهاز الاقتصادي على العالم الثالث.‏‏

أما الأمين العام للأمم المتحدة، كوفي أنان، فقد دعا إلى عقد منتدى للدول المانحة بعد أن فشلت نداءاته المتكررة في طلب المساعدة في تحصيل أكثر من 43 مليون دولار عينية و43 مليون دولار على شكل وعود من أصل الـ312 مليوناً التي طالب الأسرة الدولية بتقديمها إلى باكستان. واللافت في هذا المجال، أن بعض الدول الإسلامية قد جادت بعشرات أضعاف هذا المبلغ لإعانة الولايات المتحدة على تجاوز كارثة الأعاصير. وفي ظل هذه الأجواء المفعمة بالانحياز وبالبخل حتى من جانب ذوي القربى، يلاحظ المراقبون أن إسهام المنظمات الدولية في مساعدة باكستان لا يرقى إلى مستوى إسهاماتها في الرد على كوارث مماثلة شهدتها مناطق أخرى من العالم.‏‏

وبالطبع، فإن الفساد الحكومي والخاص لا يمكن أن يغيب عن ساحة التلاعب بالمساعدات، ولكن ذلك لا يبرر لمنظمة دولية مثل "هيومان رايتس ووتش" محاولة خلق قضية فضائحية عبر الحديث عن قيام الجيش الباكستاني بتخزين بعض المؤن والخيم بدلاً من توزيعها على المنكوبين، اللهم إلا إذا كان هنالك من يسعى إلى شرعنة وقف المساعدة لاعتبارات جيوسياسية وحضارية ليس أقلها الاستثمار في الكارثة لإغلاق ملف كشمير لمصلحة الهند، وربما أيضاً لإجبار باكستان على المزيد من التنازلات الاستراتيجية لمصلحة الهند وغير الهند.‏‏

عقيل الشيخ حسين‏‏

2006-10-28