ارشيف من : 2005-2008
الدستور الجديد .. وتفعيل الدور العربي:العراق: تحركات للخروج من النفق

الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1133 ـ 28/10/2005
بغداد ـ عادل الجبوري
اعتبر اكثر من مسؤول سياسي عراقي رفيع المستوى ان العراق شهد خلال الأسبوعين الماضيين احداثاً مهمة عديدة، من بينها انجاز عملية الاستفتاء الشعبي العام على مسودة الدستور العراقي في الخامس عشر من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، وزيارة الامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى للعراق، وهي الزيارة الاولى من نوعها منذ الاطاحة بنظام صدام قبل عامين ونصف العام.
معظم الأوساط والمحافل السياسية العراقية وكذلك مكونات الشارع العراقي كانت منشغلة ومهتمة الى حد كبير بتلك الاحداث، لا سيما الحدثين المشار اليهما، لأهميتهما من جانب، ومن جانب آخر لأنه بدا ان هناك نوعاً من الترابط فيما بينهما، حتى ان بعض التحليلات ذهبت الى ان توقيت زيارة عمرو موسى تم وفق ترتيبات وحسابات مسبقة، حيث اريد ان تتم الزيارة في ظل اجواء ومناخات الجدل والنقاش والحراك السياسي حول مشروع الدستور الدائم.
ويبدو ان الاحاديث التي دارت في بعض كواليس وأروقة السياسة العراقية حول الظروف التي احاطت بالزيارة كانت في جانب كبير منها صحيحة، فما تضمنته تلك الاحاديث هو ان موسى تلقى عبر قنوات عديدة رسائل عراقية مفادها انه "اذا اردت ان تزور العراق فينبغي عليك ان لا تضع شروطا وتطرح مطالب استفزازية تعجيزية، وان تسارع في القيام بالزيارة لان هذا هو الوقت الافضل لها من نواح مختلفة، ومزيد من التأخير قد لا يأتي بنتائج طيبة".
الى جانب ذلك وبحسب ما دار في تلك الكواليس والاروقة هو ان "اطرافا عربية عديدة، وفي مقدمتها مصر والمملكة العربية السعودية، حثت عمرو موسى على الاسراع بالذهاب الى العراق للوقوف عن كثب على مجريات الامور هناك، وبالتالي محاولة الاضطلاع بدور عربي مؤثر من خلال جامعة الدول العربية، ووضع حد للانتقادات الموجهة للاخيرة ولمجمل المواقف العربية السلبية حيال الوضع العراقي".
ويبدو ان جزءا غير قليل من ذلك الحث للامين العام كان مرتبطا بإلحاح من اطراف عراقية ـ اختارت أن تكون خارج المعادلة السياسية او انها ازيحت رغما عنها على ضوء نتائج الانتخابات السابقة ـ على الاطراف العربية المؤثرة مثل القاهرة والرياض وكذلك عمان وربما غيرها.
واذا كانت معظم التقويمات لحصيلة ونتائج مباحثات عمرو موسى مع الفرقاء السياسيين العراقيين التي امتدت اربعة ايام نحت منحى ايجابيا، واتسمت بقدر كبير من التفاؤل، فإنه ما زال هناك من يرى ان جامعة الدول العربية لا يمكنها ان تلعب ادواراً مؤثرة وفاعلة في العراق من دون التنسيق مع اللاعب الاقوى في المشهد العراقي، ألا وهو الولايات المتحدة الاميركية، او بعبارة اخرى ان أي تحرك للجامعة ينبغي ان لا يتعارض مع مجمل الرؤية الاميركية والسياسة المتبعة من قبل واشنطن لإدارة الملف العراقي.
هذا جانب، وهناك جانب آخر وهو أن الخيار الديمقراطي في العراق، الذي لم تترك واشنطن مناسبة او فرصة الا وأكدت عليه لفرز حقائق ومعطيات سياسية قد لا تكون موضع سرور وارتياح ورضى من قبل صناع القرار السياسي الاميركي، ولا سيما ان التيار السياسي الاسلامي الذي يعتبر قريباً نوعا ما من ايران، العدو اللدود للولايات المتحدة الاميركية، نجح في ان يشغل حيزا سياسيا مهما في مختلف المستويات بعد النتائج التي تمخضت عنها الانتخابات البرلمانية وانتخابات مجالس المحافظات مطلع العام الجاري.
واذا كان هناك من يرى ان نجاح الاستفتاء الشعبي العام على مسودة الدستور العراقي يعد مكسبا حقيقيا للقوى السياسية الاسلامية، فإنه حينذاك يمكن ان يدرك المرء ان الامور في العراق لا تسير بالكامل مثلما تريد واشنطن وحلفاؤها.
وربما تكون جامعة الدول العربية ـ وأمينها العام ـ قد أصابت كثيرا حينما اختارت ان يأتي تحركها السياسي والدبلوماسي الفعلي تجاه العراق متزامنا مع نقطة تحول تاريخية مهمة، تتمثل في اقرار اول دستور عراقي دائم عبر استفتاء شعبي عام، وعلى الارجح ان الجامعة كانت قد استنتجت مسبقا ان مشروع الدستور العراقي سيحظى بقبول اغلبية العراقيين، وان مراهنة بعض الاطراف على رفضه من قبل ثلثي سكان ثلاث محافظات مراهنة خاسرة وغير مجدية، ولو كانت ـ أي الجامعة ـ تفترض ان النتائج ستأتي على العكس مما اعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات ظهر يوم الثلاثاء الماضي، لربما تكون قد آثرت التريث قليلا حتى تتبلور صورة المشهد السياسي الجديد.
نسبة المشاركة في الاستفتاء الشعبي العام على مسودة الدستور التي بلغت اكثر من 63% بقليل تحمل دلالات مهمة، من بينها انه لا يمكن بأي حال من الاحوال الطعن بشرعية الاستفتاء، خصوصا اذا قارنا تلك النسبة مع نسبة المشاركة في الانتخابات بكثير من الدول، ولعل آخرها الانتخابات الرئاسية المصرية التي لم تتجاوز نسبة المشاركة فيها 30%.
والشيء الآخر أن نسبة الذين صوتوا لمصلحة مسودة الدستور بلغت أكثر من 78%، أي ما يزيد على ثلاثة أرباع المصوتين. ولا شك ان هذه نسبة كبيرة.
الى جانب ذلك أن الطعون والاعتراضات التي وردت الى المفوضية العليا المستقلة للانتخابات والتي بلغت بحسب المتحدث باسمها عز الدين المحمدي 129 طعنا وشكوى تمحورت حول مسائل فنية من قبيل عدم تحديث سجل الناخبين في بعض المناطق، وعدم ترتيب الاسماء على ضوء الحروف الابجدية، وبُعد بعض مراكز الاستفتاء. ناهيك عن ان محافظتين فقط من مجموع ثماني عشرة محافظة رفضتا الدستور بنسبة كبيرة، وهما الرمادي (الانبار)، وتكريت (صلاح الدين).
هذه الصورة العامة للاستفتاء التي تبلورت وتكاملت معالمها وملامحها بإعلان المفوضية العليا المستقلة للانتخابات النتائج النهائية بصورة رسمية ظهر الثلاثاء الماضي (25/10/2005) لا بد أن تدفع القوى والتيارات السياسية العراقية التي كانت معارضة لمسودة الدستور الى مراجعة مواقفها واعادة ترتيب اوراقها السياسية حتى لا تقع في نفس الاخطاء السابقة، وكذلك فإن اطرافا غير عراقية ـ عربية وإقليمية ـ من الطبيعي ان تتوقف طويلا عند اهم خطوة في العملية السياسية العراقية، التي سيكون اول معطياتها على الارض هو انتخابات الخامس عشر من كانون الاول/ ديسمبر المقبل لتشكيل مجلس نواب عمره اربعة اعوام، ومن ثم حكومة جديدة وكذلك رئاسة دولة.