ارشيف من : 2005-2008
الاستفتاء على الدستور العراقي … أرقام وشواهد وحقائق

الانتقاد/ تحقيقات ـ العدد 1132 ـ 21 تشرين الاول/اكتوبر 2005
بغداد ـ عادل الجبوري
منذ ساعات الصباح الاولى ليوم السبت، الخامس عشر من شهر تشرين الأول/ أكتوبر الجاري تقاطر أكثر من تسعة ملايين عراقي في مختلف محافظات العراق الثماني عشرة ليدلوا برأيهم حول مسودة الدستور العراقي الدائم إما إيجابا أو سلبا.
واذا كان عدد الذين يحق لهم التصويت خمسة عشر مليون مواطن فهذا يعني أن نسبة المشاركة في هذا الاستفتاء تجاوزت الـ(60%)، وهي نسبة تكاد تكون مقاربة لنسبة المشاركة في انتخابات الثلاثين من كانون الثاني/ يناير الماضي إن لم تزِد عنها بقليل.
والشيء المهم أن عملية الاستفتاء التي بدأت رسميا من الساعة السابعة صباحا وانتهت بإقفال مراكز الاقتراع في الساعة الخامسة عصرا مرت بسلام، ولم تشهد أي أعمال عنف اللهمّ إلا حوادث متفرقة هنا وهناك لم تفلح في تعطيل مجمل عملية الاستفتاء أو عرقلتها، وكانت النسبة الأكبر من حوادث العنف قد شهدتها محافظة الأنبار(الرمادي)، والتي تمثّلت بمواجهات بين جماعات مسلحة من جهة والجيش والشرطة العراقيين والقوات الاميركية من جهة أخرى، وقصف بمدافع الهاون لبعض مراكز الاقتراع، الأمر الذي تسبّب بحسب الدكتور عبد الحسين الهنداوي عضو مجلس المفوضين في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بإغلاق ستين مركز اقتراع من بين مئتين وسبعة مراكز في عموم المحافظة.
وما لوحظ هذه المرة ان المحافظات والمدن ذات الاغلبية السنية مثل الموصل وتكريت وديالى وتوابعها وكذلك الرمادي شهدت اقبالا كبيرا على صناديق الاقتراع على العكس من انتخابات مطلع هذا العام، حيث انه وفقا لاحصاءات غير رسمية بلغت نسبة المشاركة في تلك المناطق 60% بينما لم تتعدّ في انتخابات كانون الثاني الماضي نسبة 29%.
ويعلّل هذا التوجه بعدة اسباب من بينها، قيام القوى والتيارات السياسية والدينية السنية بدفع أبناء تلك المناطق الى المشاركة في الاستفتاء والتصويت بـ"لا" وذلك لإفشال الدستور.
ومن بين تلك الأسباب هو أنه في مقابل التوجه الآنف الذكر، فإن القوى والتيارات السياسية والدينية الشيعية بذلت جهودا كبيرة لحث ودفع الوجودات الشيعية في المناطق ذات الاغلبية السنية للمشاركة في الاستفتاء والتصويت بنعم للدستور للحؤول دون رفضه من أغلبية الثلثين لمحافظات الموصل وتكريت والرمادي.
وحتى كتابة هذه السطور تشير الأرقام الأولية إلى أن نسبة كبيرة من المصوّتين في محافظتي تكريت والرمادي قد صوّتوا سلبا لمسودة الدستور.
فقد أشار أحد المسؤولين في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات إلى أن 71% من المقترعين في محافظة تكريت، مسقط رأس الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين، صوتوا بـ"لا"، مؤكداً أن نسبة المشاركين بلغت 88% ممن يحق لهم التصويت.
اما في مدينة سامراء (130 كم شمال العاصمة) فقد صوت 95% من المشاركين ضد الدستور، وفي قضاء الفلوجة التابع لمحافظة الرمادي، التي تعرضت العام الماضي لعمليات عسكرية واسعة اعلن مسؤول مكتب مفوضية الانتخابات هناك ان نسبة المشاركة بلغت 90%، والذين صوتوا بـ"لا" بلغت نسبتهم 99%.
ويؤكد هؤلاء المسؤولون ومسؤولون آخرون في مقر المفوضية بالعاصمة بغداد ان كل الارقام التي تتداولها وسائل الاعلام او التي ترد على ألسنة موظفين في المفوضية أو سياسيين من احزاب وقوى سياسية مختلفة، هي إما أرقام أولية غير دقيقة، أو أرقام افتراضية ـ تخمينية ليس الا.
وبينما تتجه التحليلات والاستقراءات الاولية الى فكرة أن ثلثي أو أكثر من ثلثي المصوّتين في محافظتي تكريت والرمادي قد رفضوا مسودة الدستور، يترقب الجميع ما ستسفر عنه عمليات الفرز في محافظة الموصل التي تعوّل الأطراف الساعية لرفض الدستور عليها الى حد كبير.
ولكن حتى الآن تشير المعلومات إلى أن كفة نسبة الـ"نعم" راجحة على كفة نسبة الـ"لا"، حيث ان تلك المحافظة التي تأتي من ناحية حجم السكان بالمرتبة الثانية بعد العاصمة بغداد تضم أغلبية نسبية من السنة، الى جانب وجود شيعي غير قليل في عدد من المدن التابعة لها، فضلاً عن ذلك فإن الحزب الاسلامي العراقي الذي غيّر موقفه قبل أيام قلائل من موعد الاستفتاء ودعا الى تأييد الدستور يمتلك ثقلاً جماهيرياً لا بأس به في الموصل، ربما يساهم بقدر ما في حسم النتائج بصورة إيجابية. فوفقاً لمصادر من المفوضية المستقلة للانتخابات ومصادر سياسية كردية فإن مسودة الدستور تجاوزت قطوع ثلثي ثلاث محافظات بعد ان بلغ عدد المصوتين بـ"لا" في محافظة الموصل 55%، أي اقل من ثلثين، وهذا ما اكدته مصادر المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وأوساط سياسية كردية.
وبالنسبة الى محافظة ديالى ذات النسيج الاجتماعي المتنوع (سنة وشيعة وعرب وأكراد) فإنه يبدو ان الاطراف الرافضة للدستور لم تعد تعوّل عليها إذ حسب ما هو ظاهر إلى الآن هو أن نسبة الذين صوتوا لمصلحة الدستور فاقت الذين صوتوا ضده. وفي هذا السياق يشير مدير مكتب المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في ديالى
إلى أن المشاركة كانت كبيرة والنتائج الأولية تشير إلى موقف ايجابي، وفي تقديره ان تلك المحافظة لن تكون ضمن المحافظات الثلاث التي قد ترفض مسودة الدستور.
واذا كان الحال مع المحافظات الثلاث ذات الاغلبية السنية لم يتبلور ويتضح بما فيه الكفاية، وما زالت تتجاذبه الأرقام الافتراضية والتخمينات والتحليلات غير الدقيقة، فإن الأمر مع المحافظات الشمالية الثلاث (اربيل ودهوك والسليمانية)، وكذلك محافظات الجنوب والفرات الأوسط (البصرة والناصرية والعمارة والسماوة والكوت وبابل والنجف وكربلاء والديوانية) الى جانب العاصمة بغداد، كل تلك المحافظات تبدو الصورة العامة للموقف فيها واضحة لأنها ببساطة لا تمثل محوراً للجدل حول القبول أو الرفض لمسودة الدستور، ارتباطا بجملة عوامل لعل من بينها انها ذات تركيبة سكانية شيعية أو كردية في الاطار العام، واتجاهاتها السياسية العامة تمثل انعكاسا لمواقف وتوجهات الزعامات الدينية (المرجعية) والزعامات السياسية سواء في الجنوب والفرات الأوسط أو الشمال، ومعروف أن المرجعيات الدينية دعت بوضوح وصراحة الى المشاركة في الاستفتاء والتصويت بنعم لمصلحة الدستور، وكذلك الزعامات والقوى السياسية صاحبة الثقل الجماهيري الكبير، وخصوصا ذات الاتجاه الاسلامي، ونفس الشيء بالنسبة للزعامات السياسية الكردية المتمثلة بقيادات الحزبين الكرديين الرئيسيين، الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة رئيس الجمهورية جلال الطالباني، والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة رئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني.
ولكن نسب التصويت العالية لمصلحة مسودة الدستور في المحافظات المشار اليها قابلها انخفاض في نسبة المشاركة مقارنة بالمحافظات ذات الاغلبية السنية، ومقارنة بحجم المشاركة في انتخابات كانون الثاني/ يناير الماضي.
وغير واضحة حقيقة الاسباب التي تقف وراء هذه الحالة، لكن قد يكون ذلك بسبب ضعف الحملات الدعائية، وعدم ايلاء الاحزاب والقوى السياسية اهتماما كبيرا في حث الناس ودفعهم للمشاركة، لقناعتها بأنه اياً كان حجم المشاركة فإن النتيجة في نهاية المطاف محسومة لمصلحة مسودة الدستور في تلك المحافظات.
وبالنسبة للخروقات والتجاوزات فإنه لم تسجل سوى حالات قليلة، يرى المختصون أنها طبيعية ومتوقعة بهذا المقدار في أية عملية انتخابية على نطاق واسع.
ولكن يبقى الأمر الذي أثار كثيرا من اللغط والجدل في داخل الاوساط السياسية العراقية وفي خارج العراق، هو التصريحات الغريبة التي أدلت بها وزيرة الخارجية الاميركية كوندليزا رايس بشأن الاستفتاء، حينما صرحت من العاصمة البريطانية لندن أنها تفترض أو تتوقع أن مسودة الدستور العراقي قد اقرت، وتحدثت رايس عن أرقام ونسبة المشاركة. هذه التصريحات مثلت مادة اعلامية مهمة للاطراف المعارضة لمسودة الدستور وكذلك الرافضة من الأساس لعملية الاستفتاء، حيث استبقت الامور واعتبرت ان تصريحات الوزيرة الاميركية تعني ان نتيجة الاستفتاء مقررة مسبقا بصرف النظر عما تقرره صناديق الاقتراع.
في مقابل ذلك فإن أطرافاً سياسية أخرى قللت من اهمية ما ذهبت به اليه الاطراف الرافضة، معتبرة ان ما قالته كوندليزا رايس لا يتعدى كونه افتراضات وتخمينات مثل تلك التي يتداولها الشارع العراقي والمحافل السياسية العراقية ليس الا.