ارشيف من : 2005-2008
صدام في قفص الاتهام..أي مصير؟

الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1132 ـ 21 تشرين الاول / اكتوبر 2005
بغداد ـ عادل الجبوري
بينما كان الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين وسبعة من اتباعه يمثلون ظهر يوم الاربعاء الماضي، التاسع عشر من تشرين الاول/ اكتوبر الجاري امام المحكمة، كانت مدينة الدجيل تشهد تظاهرات جماهيرية عارمة تطالب بتنفيذ حكم الاعدام به بأسرع وقت، وفي نفس الوقت كانت مدينة تكريت تشهد هي الاخرى تظاهرات تندد بمحاكمته، وتعتبر ان ذلك يمثل اهانة للعرب السنة.
وهذان الموقفان المتناقضان يعكسان حالة الاختلاف والتناقض الكبيرين بين هاتين المدينتين اللتين لا تبعد الواحدة منهما عن الاخرى كثيرا، بل ان احداهما وهي الدجيل تعد من الاقضية التابعة اداريا لمحافظة تكريت (صلاح الدين) مسقط رأس الرئيس العراقي المخلوع.
ففي الوقت الذي تحولت فيه الدجيل ذات الاغلبية الشيعية الى اطلال وركام من الانقاض بعد ان امر صدام بتدميرها اثر تعرضه عندما كان عائدا من تكريت الى بغداد في العام 1982 الى هجوم مسلح في الدجيل كاد ان يطيح به، كانت تكريت شيئا آخر مختلفاً تمام الاختلاف عن اية مدينة عراقية اخرى، حتى ان الداخل اليها يشعر انه في مكان ما خارج العراق، وخصوصا ابان سنوات الحصار التي القت بظلالها الثقيلة والقاتمة على كل العراقيين الا اهالي تكريت والقلة القليلة الحاكمة.
واذا كانت تكريت ومعها منطقة او اكثر من مناطق العراق قد شهدت تظاهرات منددة بالمحاكمة ومشيدة بصدام، فإن عددا اكبر بكثير من مدن العراق وجدت في الشروع بمحاكمة صدام وأعوانه فرصة ومناسبة للمطالبة على اوسع نطاق بإعدامه ومن معه جراء تاريخه الحافل بالجرائم البشعة ضد العراقيين في الجنوب والوسط والشمال بلا استثناء.
ويبدو ان الرئيس العراقي المخلوع البالغ من العمر ثمانية وستين عاما سيواجه ملفات كثيرة لجرائم ارتكبها او ارتكبت من مقربين له خلال فترة حكمه الطويلة، وسيكون وجها لوجه مع ضحايا وشهود لتلك الجرائم، ولعل ملف قضية الدجيل يشكل غيضا من فيض، فمن العناوين البارزة لجرائمه:
- عمليات القتل والتصفيات الجسدية بأساليب وحشية مختلفة لسياسيين ورجال دين واكاديميين ومثقفين وتجار خلال الفترة الواقعة بين عامي 1974 و1983، ومن ابرز الذين تمت تصفيتهم خلال تلك الفترة، اية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر وأخته آمنة الصدر (بنت الهدى) في ربيع عام 1980.
- عمليات التهجير الجماعي لعشرات الالاف من الكرد الشيعة الى ايران بعد مصادرة كافة ممتلكاتهم بحجة اصولهم الفارسية.
- عمليات تجفيف مناطق الاهوار خلال عقد الثمانينات وما ترتب عليها من عمليات تهجير وتصفيات جسدية وتدمير للبيئة.
- عمليات الابادة والتطهير العرقي في اواخر عقد الثمانينات للالاف من الاكراد، وضرب مدينة حلبجة الكردية بالاسلحة الكيمياوية، الى جانب تدمير اعداد كبيرة من القرى الكردية في اطار ما عرف في حينه بعمليات الانفال.
- غزو دولة الكويت صيف عام 1990، ومن ثم قمع الانتفاضة الشعبية في العراق عام 1991 بطريقة وحشية، ودفن الالاف من العراقيين الابرياء في مقابر جماعية، تم اكتشاف العشرات منها بعد سقوط النظام في التاسع من نيسان/ ابريل 2003 وما زالت هناك اعداد منها لم يتم العثور عليها الى الان.
هذا اضافة الى الملفات التي يمكن ان تفتح من الخارج ضد صدام، علماً ان طهران ارسلت قرارها الاتهامي بحق الاخير إلى السلطات العراقية عشية الشروع بمحاكمته.
وطبيعي ان فتح كل تلك الملفات، او اي واحد منها يعني فتح الباب واسعا لمحاكمات قد تطول كثيرا، ولا سيما اذا اتبعت الاجراءات والمعايير والضوابط القانونية السليمة.
فالمحاكمة بشأن قضية الدجيل وحدها، من المتوقع ان تستغرق وقتا غير قصير، ولم يتعدّ ما جرى في الجلسة الاولى يوم الاربعاء الماضي التعريف بهويات المتهمين السبعة الى جانب المتهم الرئيسي صدام، وتلاوة التهم من قبل رئيس المحكمة القاضي الكردي رزكار محمد امين، والاستماع الى شهادة المدعي العام، هذا الى جانب ما تضمنته الجلسة التي دامت ما يقارب اربع ساعات من جدل وسجال بين رئيس المحكمة والمدعي العام من جهة، والمحامين الموكلين للدفاع عن المتهمين من جهة اخرى، وانتهت بإعلان رئيس المحكمة يوم الثامن والعشرين من شهر تشرين الثاني/نوفمبر القادم موعداً لعقد الجلسة الثانية.
ويتوقع خبراء في القانون والقضاء ان يواجه المتهمون الثمانية بمجزرة الدجيل، وهم صدام حسين ونائبه طه ياسين رمضان، وأخوه غير الشقيق برزان التكريتي، ورئيس محكمة الثورة السيئة الصيت حينذاك عواد البندر، واربعة اخرون من الكوادر المتقدمة في حزب البعث في الدجيل، وهم عبد الله كاظم عويد، ومظهر عبد الله عويد، وعلي دايح، ومحمد عزام العلي، عقوبة الاعدام شنقاً، لكن في نفس الوقت يستبعدون ان تنفذ تلك العقوبة خلال وقت قصير ولا سيما ان اربعة من المتهمين يواجهون تهماً اخرى، وكذلك فإن مراحل التحقيق والمسارات التي تمر بها الاحكام هي طويلة ومعقدة وشائكة، فضلا عن ذلك فإن الظروف والعوامل السياسية لها حضور وتأثير على طبيعة ونوعية الاحكام وآليات تنفيذها.