ارشيف من : 2005-2008

بعد ظهور الفيروس في تركيا ورومانيا واليونان:استنفار أوروبي لمواجهة انفلونزا الطيور ومخاوف من توسع التهديد الوبائي

بعد ظهور الفيروس في تركيا ورومانيا واليونان:استنفار أوروبي لمواجهة انفلونزا الطيور ومخاوف من توسع التهديد الوبائي

الانتقاد/ ملفات ـ العدد 1132 ـ 21 تشرين الاول/ اكتوبر 2005‏

إضافة إلى الكثير من الويلات التي يعاني منها عالم اليوم، وفي الوقت الذي تتواصل فيه أعمال الإغاثة ورفع الأنقاض بعد زلزال باكستان وأعاصير خليج المكسيك، خيّم على العالم في الأيام القليلة الماضية شبح تهديد جديد، إنه انفلونزا الطيور، أو بتعبير أكثر دقة "الفيروس هـ5 ن1"، الذي ظهر في تركيا ثم في رومانيا وأخيراً في اليونان، بسرعة يخشى معها أن تظهر قريباً أسماء بلدان أخرى في نشرات الأخبار. هذه الخشية هي بلا شك ما يفسر احتلال المرض مستوى الاهتمام الأول على الصعيدين الرسمي والشعبي في أوروبا التي يطالها التهديد بشكل مباشر، بعد أن كان مقتصراً خلال السنوات الماضية على منطقة جنوب شرق آسيا وحدها، حيث انتقلت العدوى من الطيور إلى حوالى 120 شخصاً تُوفي نصفهم منذ العام 2003.‏

وقد برز الاهتمام من خلال تحركات منظمة الصحة العالمية والمفوضية الأوروبية ورئاسة الاتحاد الأوروبي ورؤساء الحكومات، إضافة إلى العديد من اللقاءات بين وزراء الخارجية والصحة في بلدان الاتحاد، وكذلك بين الخبراء الأوروبيين في مجالي الصحة البشرية والحيوانية. كما أن خبراء أوروبيين انتقلوا إلى كل من رومانيا وتركيا للمشاركة في التحقيق الدولي حول ظهور بؤر للمرض في عدد من البؤر في البلدين اللذين عمدا إلى قتل أعداد كبيرة من الدجاج وطيور الحبش وغيرها، في محاولة للقضاء على فرص توسعه، وأيضاً من أجل إنقاذ صورة البلدين المرشحين للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، واللذين يصدران كميات كبيرة من الدجاج ومنتجاته نحو بلدان الاتحاد.‏

ولكن هذا المسعى الأخير ـ وهنا يبدأ أول التداعيات الخطرة للمشكلة على المستوى الاقتصادي ـ لم يكن مثمراً، حيث سارعت جميع بلدان الاتحاد إلى وقف استيراد الدجاج الحي وسلع أخرى كالريش وغيره من تركيا ورومانيا، وذلك مع تشديد المراقبة على الحدود لمنع تسرب أي من هذه المواد. وقد أعلنت المفوضية الأوروبية اتخاذ سلسلة من الإجراءات الوقائية، وطلبت إلى الحكومات الأوروبية العمل على تطبيقها بحسب الظروف الخاصة بكل بلد. وتهدف هذه الإجراءات إلى منع أشكال الاتصال بين طيور المزارع والطيور البرية المهاجرة التي يعتقد بمسؤوليتها عن حمل الفيروس ونقله. وقد حددت المفوضية جملة من الأماكن المعرضة لالتقاط الفيروس، كالمزارع القريبة من خطوط عبور الطيور المهاجرة، وقرب المسافة بين المزارع والمناطق المائية التي تتجمع فيها تلك الطيور، ووجود الطيور الداجنة في أمكنة مكشوفة تساعد على الاحتكاك بالطيور المهاجرة. كما حددت المفوضية الأعراض الخطرة التي ينبغي إعلام السلطات المختصة بها فور ظهورها، وهذه الأعراض هي ارتفاع نسبة الطيور النافقة وانخفاض إنتاج البيوض.. كما حددت الإجراءات الفورية الواجب اتخاذها عند اكتشاف أي بؤرة من بؤر المرض، وهي تتراوح بين تحليل الطيور وعزلها وإحراقها.‏

وكل هذه الإجراءات تهدف إلى منع انتشار الفيروس بين الطيور الداجنة وطيور المزارع في خطوة ضرورية لمنع انتقال الفيروس إلى البشر. وفي هذا الإطار طلبت المفوضية تهيئة مخزونات كافية من الطعوم والأدوية مع تعميم التطعيم المكثف للبشر ضد أصناف الانفلوزا التقليدية للحيلولة دون تمكين الفيروس القاتل من الاجتماع بالفيروس العادي، حيث يمكنه في هذه الحال أن يتعرض لتحولات جينية تعطيه القدرة على التسبب بنشر وباء حقيقي مثير للذعر، خصوصاً أن أوروبا سبق لها أن عاشت تجربة مريرة في هذا المجال مع الانفلونزا الإسبانية ـ وهي من متفرعات انفلوزا الطيور ـ التي قتلت ما بين 40 و50 مليون شخص بين العامين 1918 و 1919 من القرن الماضي. وفي هذا الإطار صرح وليام دونالدسون وزير الصحة البريطاني، أن الفيروس يمكنه بطريقة غير مباشرة أن يقتل 50 ألف شخص في بريطانيا. كما أن وزير الصحة الأميركي مايك لافيت، قد أعرب من فيتنام، إحدى أكبر بؤر الوباء في جنوب شرق آسيا، عن تخوفه إزاء ظهور الفيروس في أوروبا، وعن خشيته من أن يواصل التوسع جغرافياً عن طريق الطيور المهاجرة. ومع الدعوات المتكررة الى تخزين الأدوية المضادة واللجوء إلى التطعيم المكثف، عمت أوروبا حال من الهلع، فهرع الناس إلى الصيدليات ـ وهنا البعد الاقتصادي الثالث للمشكلة بعد عمليات الحرق التي تخضع لها الطيور المصابة أو المشبوهة ـ لشراء كل ما فيها من حقن "تاميفلو" والأدوية المضادة للانفلونزا العادية، مع ظهور أحاديث عن لجوء أصحاب الصيدليات إلى إخفاء هذه الأدوية لغرض الربح الاحتكاري. أما البعد الاقتصادي الرابع، فقد تمثل بإعراض المستهلكين عن الإقبال على شراء الدجاج، مع ما يشكله ذلك من تهديد لهذا القطاع الإنتاجي المهم، ما حدا مثلاً بكل من رئيس الوزراء التركي طيب رجب أردوغان ونظيره الفرنسي دومينيك دو فيلبان، إلى إطلاق تصريحات رسمية أعلنا فيها أنهما لم يتوقفا عن تناول الدجاج، وذلك في مسعى لكبح جماح حال الذعر السائدة.‏

مساعٍ أخرى بُذلت في هذا الاتجاه عبر تطمين الناس من خلال تأكيد صعوبة انتقال المرض من الطيور إلى البشر إلا اذا اقترن الفيروس القاتل بفيروسات الانفلونزا العادية التي تصيب بني الإنسان، ومن خلال تأكيد قدرة تركيا وأوروبا على احتواء المرض بإجراءات المراقبة والوقاية.. في وقت يؤكد فيه المختصون أن اللقاح المعروف باسم "تاميفلو" هو الوحيد الذي يُفترض به أن يكون فعالاً ضد الفيروس، ولكن بعد الإصابة به، وأن إنتاج لقاحات أكثر ناجعية يتطلب شهوراً من العمل بعد التحديد الدقيق للجذر الجيني للفيروس القاتل بين حوالى مئة جذر اكتُشفت حتى الآن. وبالطبع فإن ما يزيد حال الهلع من تحول المرض إلى وباء، بعد أن أصبحت منطقة جنوب شرق آسيا التي يعيش فيها ثلثا سكان العالم في موقع التهديد المباشر، إسراع بعض الأشخاص في تركيا إلى المستشفيات بعد إصابتهم بأنفلونزا عادية في منطقة نفقت فيها بشكل مثير للشبهة، أعداد من طيور الحمام.‏

عقيل الشيخ حسين‏

2006-10-28