ارشيف من : 2005-2008

المهاجرون غير الشرعيين: بين مطرقة إسبانيا وسندان المغرب

المهاجرون غير الشرعيين: بين مطرقة إسبانيا وسندان المغرب

إلى جانب الأعاصير والزلازل، تفجرت في الأيام القليلة الماضية مشكلة قديمة جديدة لا تقل إيلاماً عن مشكلة الضربات الطبيعية.. إنها تلك المشكلة المتمثلة بالطوفان البشري الذي ينطلق تحت أسماء الهجرة الشرعية أو غير الشرعية، من بلدان الفقر في الجنوب نحو بلدان الغنى والوفرة في الشمال الأوروبي والأميركي، إضافة إلى أوستراليا ونيوزيلندا وغيرها من البلدان التي أَثْرت بفعل نظم السلب والنهب والتخريب المقصود لاقتصاديات بلدان العالم الثالث.‏

ملخص المشكلة في ما يخص الأزمة الناشبة حالياً في إسبانيا والمغرب، أن أوروبا التي دخلت مرحلة شيخوختها الاجتماعية المتمثلة بتزايد أعداد المسنين وتضاؤل أعداد القوى الفتية والشابّة بفعل نظم "ترشيد" الأسرة والحد من التناسل، قد شجعت خلال العقود المنصرمة عشرات الملايين من الأجانب، كالأتراك والعرب والأفارقة والهنود وغيرهم، على الهجرة الشرعية إليها بهدف تمكين الدورة الاقتصادية فيها من الاستمرار.‏

كما أن الكثير من المؤسسات الخاصة تشجع الهجرة والعمل السريّين بهدف التملص من دفع الضرائب وتقليص النفقات بفعل الأجور المتدنية التي يقبل بها المهاجرون غير الشرعيين.‏

وخلال السنوات الأخيرة أسهمت التطورات السياسية المرتبطة بصراع الحضارات، ولكن أيضاً بالأزمة الاقتصادية التي تضرب أوروبا في ظل توسع الاتحاد الأوروبي شرقاً، في العثور على مصادر "أفضل" للأيدي العاملة من جميع النواحي التقنية والدينية والعرقية.‏

وبالتوازي مع ذلك، وفي ظل إقفال القنصليات الغربية أمام مئات الألوف من طالبي الهجرة الشرعية، برزت ظاهرة الهجرة غير الشرعية، وصرنا نسمع يومياً أخبار الزوارق التي تتسلل بركابها الهاربين من فقر العالم الثالث نحو شواطئ فرنسا وإسبانيا وإيطاليا واليونان وقبرص وغيرها. كما صرنا نسمع بأخبار أولئك الأشخاص الذين يموتون غرقاً وهم يحاولون التسلل سباحة إلى الشواطئ الأوروبية.‏

أما أبرز الوسائل المعتمدة من قبل الأفارقة الراغبين في الوصول إلى إسبانيا، فتكمن في اجتياز الصحارى الجزائرية والمغربية للتسلل إلى مدينتي سبتة ومليلة الواقعتين على الشاطئ الشمالي للمغرب، والخاضعتين للحكم الإسباني.‏

وقد قتل خلال الأسبوعين الماضيين 14 شخصاً برصاص الشرطة الإسبانية، بينما كان مئات الأفارقة يحاولون اجتياز الأسلاك الشائكة عنوة إلى المدينتين المذكورتين. كما سلمت السلطات الإسبانية مئات المبعدين من أراضيها إلى السلطات المغربية التي أضافتهم إلى مئات أخرى من الأفارقة الذين اعتُقلوا في المغرب، وشرعت في نقلهم بالشاحنات والحافلات إلى المناطق الصحراوية المتاخمة للحدود مع موريتانيا والجزائر، حيث تركوا في العراء من دون ماء أو غذاء، وكل ذلك أمام عدسات المصورين، على أمل أن يثبت المغرب عن طريق هذه الصور، بأنه أسدى جميلاً الى إسبانيا وقام بمهمة الإبعاد على أفضل وجه.‏

ولكن السحر انقلب على الساحر، لأن الصور نفسها أظهرت أمام العالم المعاملة غير الإنسانية التي يتعرض لها المتسللون على أيدي السلطات المغربية، التي اضطرت من أجل التخفيف من حدة الانتقادات التي وُجهت إليها من جهات دولية ومنظمات غير حكومية، إلى البدء بتنفيذ أعمال الطرد نحو السنغال ومالي بواسطة الرحلات الجوية. كما تعرضت إسبانيا لانتقادات مماثلة شملت الجزائر أيضاً، الأمر الذي يدفع المعنيين إلى البحث عن وسائل ناجعة لإدارة الملف في بلدان المصدر وبلدان العبور والبلدان المقصودة.‏

وقد طالب كوفي أنان بعدم الاكتفاء بأعمال الطرد كوسيلة وحيدة لحل المشكلة، وتجاوز ذلك إلى البحث في جذورها، لأن الظاهرة تتعلق بأكثر من مليوني شخص يعيشون خارج بلادهم في ظروف غير شرعية في أماكن وجودهم، ناهيكم عن أن أعدادهم تتزايد بنسب ملحوظة. ويذكر أن بين المهاجرين الذين غالباً ما يعيشون أشهراً أو سنوات في تجمعات على الحدود أو يهيمون في الصحارى، أعداداً من النساء والنساء الحوامل والأطفال، وأن الكثيرين منهم يموتون من الجوع والعطش والحرّ اللاهب، في وقت يعلن فيه المغرب عجزه عن إدارة الظاهرة بمفرده، ويطالب بمبادرة من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي لحل المشكلة.‏

نموذج من مئات النماذج الصارخة باستحالة استمرار أوضاع العالم في ظل النظم السياسية والاقتصادية المفروضة من قبل الشركات والدول الكبرى.‏

ع.ح‏

الانتقاد/ مقالات/ العدد 1131 ـ 14 تشرين الاول/اكتوبر 2005‏

2006-10-28