ارشيف من : 2005-2008

من خليج المكسيك إلى سفوح الهملايا:أعاصير وزلازل ودمار وضحايا بعشرات الألوف

من خليج المكسيك إلى سفوح الهملايا:أعاصير وزلازل ودمار وضحايا بعشرات الألوف

بعد التسونامي الذي ضرب جنوب آسيا مطلع العام الحالي، وموجات الحر المترادفة مع الفيضانات، التي ضربت المناطق الغربية والوسطى من أوروبا في تموز/ يوليو، وإعصاري كاترينا وريتا اللذين ضربا جنوب شرق الولايات المتحدة قبل ثلاثة أسابيع، وجهت الطبيعة ضرباتها القاسية هذه المرة، وفي وقت واحد، إلى كل من أميركا الوسطى، وخصوصاً إلى غواتيمالا، مع الإعصار ستان، والسفوح الغربية لجبال الهملايا حيث دمر زلزال بلغت قوته 7،6 درجات على مقياس ريختر عشرات المدن والقرى في الهند وباكستان وخصوصاً في الشطر الباكستاني من كشمير.‏

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‏

بالنسبة لإعصار أميركا الوسطى، سجل مقتل ما يزيد عن مئة شخص في المكسيك وسلفادور ونيكاراغوا. لكن هذا العدد تضاعف مئات المرات في غواتيمالا حيث تم إحصاء أكثر من 300 ضحية في مناطق متفرقة من البلاد، مع الإشارة إلى انعدام أية معلومات عن نحو 120 قرية عزلت تماماً عن العالم الخارجي بفعل انقطاع الطرق الناجم عن الأمطار والانزلاقات الأرضية التي تسبب بها إعصار ستان. إلا أن الحدث الأكثر مأساوية هو الذي شهدته مدينة باناباج الصغيرة الواقعة على ضفاف بحيرة آتاتلان"، والتي طمرها سيل من الوحول والحجارة والأشجار التي جرفتها الأمطار من سفوح جبل بركاني مجاور لتشكل فوق المدينة التي تحولت إلى مقبرة جماعية طبقة من الوحل بارتفاع 12 متراً. وذكرت المصادر أن سيل الوحول قد غمر المدينة بينما كان سكانها يغطون في النوم ساعة الفجر، ما أدى إلى مقتل 1400 شخص هم معظم سكان المدينة. وقد تم انتشال نحو مئة جثة في ظروف لا تسمح فيها الانزلاقات لرجال الإنقاذ بمزاولة عملهم، كما أن الأمطار الغزيرة حالت دون هبوط طائرة تقل مئة طبيب كوبي في مطار غواتيمالا سيتي. ويذكر أن سكان المناطق المنكوبة هم بأكثريتهم من السكان الأصليين الفقراء المنتمين إلى هنود المايا الذين شاركوا خلال العقود الماضية بانتفاضات عديدة ضد نظام الحكم القائم، الذي يوجهون إليه الآن تهمة العنصرية، بسبب تهاونه في إرسال المساعدات للمنكوبين، لا لشيء إلا لأنهم من الهنود.‏

أما في باكستان، فالضربة أشد بما لا يقاس، حيث تشير الأرقام إلى مقتل 40 ألف شخص في الجزء الباكستاني من كشمير الذي دمرت عاصمته، مظفر آباد، بنسبة 70 في المئة، في حين يتوقع ارتفاع أعداد الضحايا بعد رفع الأنقاض في عشرات المدن والقرى المنكوبة، ولا سيما تلك التي لا يمكن الوصول إليها إلا بواسطة الطائرات المروحية بعد انقطاع الكثير من طرق المواصلات المؤدية إليها. وتقول المصادر الباكستانية إن جيلاً بكامله قد أباده الزلزال في إشارة إلى العدد الكبير من المدارس التي سقطت على تلامذتها الذين لا يطالب أحد بجثثهم بعد أن مات ذووهم تحت الأنقاض. أما الذين نجوا مما وصفه الرئيس برويز مشرف بأنه "أكبر مأساة في تاريخ باكستان" فيقدر عددهم بأكثر من ثلاثة ملايين تحولوا إلى مشردين بلا مأوى، ويعانون في العراء حيث يتعرضون للموت من الجوع والعطش والبرد القارس غير بعيد عن ثلوج الهملايا. وقد وجه مشرف نداءات لطلب المساعدات، مع التركيز على المساعدات المالية والمروحيات بسبب عدم حاجة باكستان إلى المساعدة البشرية. وبالفعل حصلت باكستان حتى الآن على مساعدات مالية وعينية في حدود الستين مليون دولار، في وقت يبدو فيه أن الخسائر وتكاليف الإنقاذ تزيد على المليارات.‏

وقد عرضت الهند التي تعرضت هي الأخرى لموجات الزلزال الذي قتل نحو 2000 شخص في القسم الذي تحتله من كشمير، عرضت تقديم مساعدات لباكستان. إلا أنه من المتوقع ألا يحظى هذا العرض بقبول السلطات الباكستانية التي تخشى أن تشتمل المساعدة على دخول قوات هندية إلى الإقليم الباكستاني من كشمير. والواضح أن الزلزال لم يطمس حالة التوتر التي تسود منطقة كشمير جامو التي تحتلها الهند حيث تشير المعلومات إلى أن السلطات الهندية تعطي الأولية في أعمال الإسعاف والإغاثة لجنودها الذين يتراوح عددهم بين 600 و700 ألف جندي يقيمون بشكل دائم في الإقليم، والذين سقط منهم نحو 60 جندياً في اشتباكات قيل إنها قد اندلعت بينهم وبين الثوار المسلمين بعد حدوث الزلزال.‏

وسواء تعلق الأمر بلويزيانا أو غواتيمالا أو كشمير، يبدو أن ضخامة الكوارث الطبيعة تظل قاصرة عن منع السياسة من أن تطل برأسها البشع من خلال أعمال التمييز العنصري أو الإتني أو الديني، لكنها تطل برأسها أيضاً من خلال ما وصفه الرئيس الفنزويلي هيغو شافيز بـ"مسؤولية الرأسمالية" عن الكوارث الطبيعية غير المعهودة، والتي يتواتر حدوثها في هذه الأيام. وإذا كان من الصحيح أن هذه المسؤولية قد أصبحت واضحة تماماً في علاقة الأعاصير والجفاف بالانحباس الحراري الناجم عن الأنشطة الصناعية ووسائل النقل، فإنها واضحة أيضاً في أشكال العيش والتجمع المكثف وبناء المساكن الهشة التي تجعل أحداثاً طبيعية كالزلازل أكثر قدرة على التدمير، خصوصاً في ضواحي البؤس المكتظة بالسكان الهاربين من الأرياف إلى أطراف المدن. وخصوصاً أن الأبنية التي تتحكم بمواصفاتها اعتبارات الربح على حساب اعتبارات السلامة تتحالف مع الزلازل في تضخيم الخسائر بنسب غير معقولة. ولا بد أيضاً ـ طالما أن أكثر الناس باتوا يوافقون على أن الطبيعة ليست مجرد مادة صماء بلا روح ـ من كلمة أخيرة: ألا يمكن للطبيعة أن تكلم البشر بهذه اللغة القاسية... لعلهم يرجعون عن إسهاماتهم الكبيرة والصغيرة في بناء صرح هذا الشقاء المريع الذي يتخبط فيه عالم اليوم؟‏

عقيل الشيخ حسين‏

الانتقاد/ مقالات/ العدد 1131 ـ 14 تشرين الاول/اكتوبر 2005‏

2006-10-28