ارشيف من : 2005-2008

الانتخابات الألمانية ونهاية احتكار الحزبين للسلطة

الانتخابات الألمانية ونهاية احتكار الحزبين للسلطة

برغم الاتفاق المعلن بين الحزبين الرئيسيين الألمانيين، الاتحاد المسيحي الديمقراطي والحزب الاشتراكي الديمقراطي، على تولي رئيسة الأول انجيلا ميركل منصب المستشار في ألمانيا خلفاً للرئيس الثاني غيرهارد شرودر، من المبكر القول بأن ميركل وحزبها قد انتصرا وباتت ألمانيا في قبضتهما، فالأمور لا تزال في بداية الطريق، وشد الحبال بدأ على كيفية تشكيل حكومة الائتلاف وسياساته بين هذين الحزبين الكبيرين، وهو أمر يثير الكثير من الشكوك حول مستقبل الحكومة القادمة وقدرتها على مواجهة تحديات المرحلة.‏

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‏

ما تم زرعه في الحقل لم يكن على قدر ما حصد من البيدر، إذ أن كلا الحزبين كان يأمل من الانتخابات أن تفوضه قيادة ألمانيا، إلا أن ما خرجت به صناديق الاقتراع جعل من المتعذر على أي منهما الامساك بزمام الأمور، فالنتائج جاءت متقاربة لكلا الحزبين، ولو كان الاتحاد المسيحي الديمقراطي قد نال مقاعد أكثر من الاشتراكي (226 للأول و222 للثاني) من أصل 614 مقعداً هي عدد مقاعد البوندستاغ (البرلمان الألماني) ما يعني ان أحدا لم يحصل على الغالبية التي تمكّنه من تقرير السياسة الألمانية في السنوات الأربع القادمة.‏

ويمكن ملاحظة أن النتائج أفرزت واقعا جديدا في ألمانيا قد يكون مقدمة لأفول عصر احتكار هذين الحزبين للسلطة مع صعود نجم أكثر من حزب كالحزب الليبرالي الديمقراطي الذي حل ثالثا بواحد وستين مقعدا، وحزب اليسار الجديد (أربعة وخمسين مقعدا)، وهذا يدلل على أن أياً من الحزبين لا يملك الأغلبية المطلوبة لتشكيل الحكومة، لكن كلاً منهما يملك من الأصوات ما يمكنه من عرقلة خطط الآخر.‏

وبما أن كلاً منهما لا يملك الغالبية اللازمة لاتخاذ القرارات دون اللجوء إلى الحلول الوسط والمفاوضات، كان لزاماً على الحزبين الرئيسيين الدخول في عملية مفاوضات صعبة تخللتها تنازلات متبادلة أفضت إلى الاتفاق على تشكيل ائتلاف بينهما، وإعطاء منصب المستشارية إلى ميركل.‏

ومع أن الاتصالات تجري للاتفاق على تشكيل الحكومة وكيفية توزيع الحقائب الوزارية فيها، حيث ذكر أن الحزب المسيحي سيحظى بست حقائب إضافة إلى منصب المستشار في حين يحصل الحزب الاشتراكي على ثماني حقائب، إلا أن الثابت هو دخول ألمانيا في ظرف لم تختبره سوى مرة واحدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وربما يكون بداية تغيير حقيقي في نهج الحكم.‏

وتشكيل الائتلاف سيعني غياب المعارضة الفعّالة في البرلمان أولا، وتعقيداً في تقرير السياسات وتنفيذها ثانياً، إذ سيصبح لزاما على الطرفين الدخول في مفاوضات كلما أراد أحدهما اتخاذ قرار بخصوص قضية ما من الاقتصاد والقضايا الاجتماعية إلى السياسة والعلاقات الخارجية والدولية.‏

فالحزب الاشتراكي الديمقراطي عبر عن ذلك صراحة على لسان وزيرة الأسرة في حكومة شرودر ريناتا شميدت بالقول "لن نقبل بأن نكون شريكا صغيرا تمرر من خلاله سياسات المستشارة ميركل". أي أن ألمانيا ستضطر للتعايش أربع سنوات (إن لم يحصل ما يغيّر في الوضع القائم) مع ائتلاف يضم حزبين ـ ليسا غير متجانسين فقط ـ بل وإنما أيضا متناقضان في توجهاتهما السياسية، فالمسيحيون الديمقراطيون بقيادة ميركل لا يخفون مثلا تأييدهم للسياسة الأميركية الخارجية، ولا سيما الحرب على العراق، وهم يستعدون لإعادة إعطاء الحرارة اللازمة للعلاقات مع واشنطن، كما يرفضون بشدة انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي من منطلقات دينية، عدا عن نظرتهم الداخلية للدولة الألمانية، وعزمهم على تغيير الذهنية الألمانية، وتجاوز مفهوم الدولة الاجتماعية التي تضمن للمواطنين حياة مادية آمنة، وهذه توجهات يناقضها تماما الاشتراكيون بقيادة شرودر.‏

لقد كانت غاية المستشار الألماني غيرهارد شرودر من إجراء الانتخابات الحصول على تفويض جديد من الشعب الألماني، كي يمضي قدما في تنفيذ سياساته الاصلاحية، وكانت غاية انجيلا ميركل الحصول على تكليف صريح من الشعب الألماني لقيادة البلاد، لكن كلا الجانبين اخفق، والنتائج الرسمية للانتخابات أظهرت حقيقتين لا يمكن إغفالهما: أولاً أن ألمانيا ليست على استعداد كاف لإجراء تغيير حكومي جذري وحقيقي، وثانياً أن الحزبين الكبيرين فقدا مكانتهما الخاصة كقطبين محوريين في خريطة الأحزاب السياسية الألمانية.‏

وما تكريس وجود حزب اليسار الجديد الذي يتبنى مواقف سياسية تبتعد كثيرا عن وسطية الطيف السياسي الألماني إلا مقدمة لبروز حزب يميني يوازيه حسب رأي اللورد رالف دارين دورف، استاذ السياسة والاقتصاد السابق في جامعة لندن، ما يعني شرخا كبيرا في التكتلات الحزبية، وهو شرخ ربما لن يقتصر على ألمانيا وحدها، فبوادره بانت في أكثر من دولة قائمة على احتكار الحزبين للسلطة.‏

محمد يونس‏

الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1131 ـ 14 تشرين الاول/ اكتوبر 2005‏

2006-10-28