ارشيف من : 2005-2008
مبادرة الجامعة العربية أسيرة مواقفها السلبية والمواقف العراقية المتقاطعة

بغداد ـ عادل الجبوري
من غير الواضح ما إذا كانت جامعة الدولة العربية عندما قررت الاقتراب من الوضع العراقي بعد وقت طويل، مدركة عسر وصعوبة مهمتها أم لا..
ولكن عدم قيام الامين العام للجامعة عمرو موسى بزيارة العراق مباشرة، وإرسال وفد خاص برئاسة مساعده أحمد بن حلي للتمهيد لزيارةه، يشير الى حقيقة ان جامعة الدول العربية وأمينها العام تدرك ان اقترابها من الوضع العراقي ينطوي على عدد غير قليل من الصعوبات والمحاذير والتعقيدات، ترتبط بعضها بالجامعة ومنهجها في التعاطي مع عموم الشأن العراقي قبل الإطاحة بنظام صدام وبعده، وبعضها الآخر يرتبط بتعقيدات الخارطة السياسية العراقية وتداخلات وتشابكات المشهد السياسي العراقي التي ربما تجعل بعض الأطراف العربية وغير العربية تتردد كثيراً قبل ان تقدم على اي خطوة من شأنها الدخول على الخط تحت أي عنوان من العناوين.
ولعل الصعوبات والتعقيدات والمحاذير تبدت واضحة وأطلت برأسها حتى قبل وصول وفد الجامعة الى بغداد، وبصورة أوضح وعلى نطاق أوسع بعدما شرع الوفد باتصالاته ومباحثاته مع الفرقاء السياسيين.
وما وسع مساحة الجدل والسجالات هو المبادرة التي طرحتها الجامعة تحت عنوان "المصالحة الوطنية"، لأنها في واقع الأمر قوبلت من جانب بانتقادات متفاوتة اتسعت الى درجة توجيه انتقادات حادة ولاذعة لمجمل مواقف الجامعة العربية ازاء الشأن العراقي خلال عهد النظام السابق وبعده من قبل الأطراف المعارضة او المتحفظة على فكرة المصالحة بالشكل الذي طُرحت فيه، او المراد ان تتم وفق سياقاته. ومن جانب ثانٍ قوبلت بارتياح وترحيب فريق آخر، ولكن بشروط ومطالب بدت تعجيزية وغير واقعية، فضلاً عن كونها مرفوضة من الفريق الاول.
الموقف الرسمي ـ الحكومي الذي عبر عنه الدكتور ليث كبّه المتحدث باسم رئيس الحكومة العراقية في مؤتمر صحافي موسع عشية زيارة وفد الجامعة العربية، ومفاده "ان العراقيين ليسوا بحاجة الى المصالحة الوطنية، بل هم بحاجة الى مواقف وفتاوى عربية توقف هدر الدم العراقي وتساهم في وضع حد لمسلسل العنف والإرهاب والقتل"، هذا الموقف مثل ـ او عكس ـ بصورة او بأخرى مواقف مجمل القوى السياسية المساهمة في الحكومة او القريبة منها والداعمة لها.
وحتى بعض الأطراف المتحفظة في الكثير من مواقفها على مجمل العملية السياسية، تبنت موقفاً يتطابق وينسجم الى حد كبير مع الموقف الحكومي ـ الرسمي. فزعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر أصدر بياناً طالب فيه الجامعة العربية بأمرين: الاول استنكار الجرائم المرتكبة بحق أبناء الشعب العراقي من قبل أبي مصعب الزرقاوي وقوات الاحتلال أو أي طرف آخر، والأمر الثاني إصدار استنكار ضد أفعال صدام والمطالبة بإعدامه.
ووفق مصادر مطلعة فإن وفد الجامعة العربية سمع مواقف حازمة تجاه القضايا المطروحة من قبل زعامات سياسية ودينية لها ثقلها الكبير، مثل رئيس المجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق السيد عبد العزيز الحكيم ورئيس الجمهورية ونائبه، وكذلك سمع انتقادات وعتباً ولوماً لمواقف الجامعة، وكذلك للشروط التي طرحها عمرو موسى لكي يزور العراق، ومنها زيارته صدام في سجنه، فضلاً عن تحذيراته ومخاوفه المبالغ فيها من اندلاع حرب أهلية طائفية في العراق.
الى جانب ذلك، فإن المتحفظين والرافضين لمبادرة الجامعة يعتبرون انه لا توجد مشكلات وأزمات حقيقية بين مكوّنات الشعب العراقي حتى يصار الى عقد مؤتمرات للمصالحة، بل ان المشكلة الحقيقية تتمثل في الإرهاب وعرقلة قوى معينة داخلية وخارجية للعملية السياسية في العراق، انطلاقاً من أجندتها المحكومة بحسابات ومصالح خاصة.
بعبارة أخرى يمكن القول إن المصطلح الذي استخدمته الجامعة وهو "المصالحة الوطنية"، لم يكن موفقاً بما فيه الكفاية، وعكس عدم فهم حقيقي من قبل صناع القرار والسياسات في المنظمة العربية الرئيسية لواقع الوضع العراقي.
في مقابل ذلك، فإن الأطراف العراقية المعارضة للعملية السياسية وللحكومة، وهي في معظمها تمثل الكيان السني وتمتاز بكونها غير بعيدة نوعاً ما عن الأوساط البعثية والسلفية ـ التكفيرية التي توجه اليها أصابع الاتهام بما يشهده الشارع العراقي من عنف وإرهاب، هذه الأطراف وجدت في زيارة وفد جامعة الدول العربية فرصة ملائمة لطرح مظالمها ـ إذا صح التعبير ـ ومطالبها، وإعادة طرح بعض من تصوراتها على طاولة البحث والنقاش، وانطلاقاً من ذلك فإنها في كل الاحوال تعاطت مع زيارة أحمد بن حلي بقدر كبير من الايجابية.. بيد انها وضعت شروطاً لأي مشروع للمصالحة الوطنية بدت تعجيزية بالنسبة للجامعة، ومحكومة بالرفض من قبل الفريق الاول.
فهيئة علماء المسلمين ـ تيار سلفي متشدد وقريب نوعاً من تنظيم الجهاد في بلاد الرافدين ـ تبنت وضع شروط المشاركة في أي مؤتمر للمصالحة الوطنية، وأعلنت عنها على لسان أمين عام الهيئة الشيخ حارث الضاري بعد لقائه وفد الجامعة مساء يوم الاثنين الماضي، وتمثلت تلك الشروط بأن يعقد المؤتمر في داخل العراق، او تحت مظلة الجامعة العربية، وضرورة تسمية المحتل باسمه وتحديد جدول زمني لانسحابه، ووضع تعريف محدد للإرهاب، والاعتراف بالمقاومة الوطنية، والعمل على اعادة بناء الجيش العراقي باستثناء المجرمين، اضافة الى حل كل الميليشيات المسلحة".
وطبيعي ان بعضاً من تلك الشروط والمطالب تحتمل جدلاً ونقاشاً وسجالاً واسعاً، مثل الاعتراف بالمقاومة الوطنية التي يرى الكثيرون أنها غير مشخّصة الهوية والمنهج والرموز، ومن الصعب تمييزها وفرزها عن الإرهاب.
وربما كان الاعتداء الذي تعرض له موكب وفد الجامعة العربية في منطق الغزالية غرب العاصمة بغداد في اليوم الثاني لوجوده فيها، قد مثل اشارة لها دلالاتها التي ينبغي قراءتها بدقة، وخصوصاً من قبل الجامعة ذاتها، سيما ان المنطقة المذكورة هي ذات أغلبية سنية وتنشط فيها الجماعات الإرهابية المسلحة.. وفضلاً عن ذلك فإن الوفد كان في طريقه للقاء فاعليات سياسية ودينية سنية هناك.
وإذا كان هناك من لا يرى كثير جدوى لاقتراب الجامعة العربية من الوضع العراقي من خلال مجيء أمينها العام المساعد، فإن الأكثر من ذلك ان معظم الاستقراءات تذهب الى ان فرص مجيء عمرو موسى الى بغداد بعد الانتهاء من الاستفتاء على الدستور تبدو ضئيلة، وربما معدومة، لاسيما بعد النتائج غير المشجعة او الضبابية التي خرج بها مساعده ومبعوثه الخاص.
الانتقاد/ مقالات / العدد 1131 ـ 14 تشرين الاول/اكتوبر2005