ارشيف من : 2005-2008
أزمة الطالباني والجعفري بين التصعيد والاحتواء: ما هي انعكاساتها على المرحلة المقبلة؟

الانتقاد/ عربيات ـ العدد 1130 ـ 7 تشرين الاول/ اوكتوبر 2005
بغداد ـ عادل الجبوري
هل كان متوقعاً ان تصل الخلافات – او الاختلافات – بين رئيس الجمهورية في العراق جلال الطالباني ورئيس الحكومة ابراهيم الجعفري، الى المستوى الذي لم يعد ممكناً بحث تلك الخلافات والاختلافات بعيداً عن عدسات القنوات التلفزيونية وصفحات الجرائد؟ ومن ثم هل كان مبرراً ان تصل الامور الى ما وصلت اليه من سوء، وفي مرحلة حساسة وخطيرة جداً؟
مثل تلك التساؤلات راحت تطرح نفسها بقوة في الشارع العراقي، وكذلك في داخل اوساط ومحافل سياسية عديدة، الى جانب حالة الشد والجذب التي تلقي بظلالها على كل مظاهر الحياة السياسية مع اقتراب العد التنازلي للاستفتاء على مسودة الدستور الدائم بعد حوالى أسبوع، وتحديداً في منتصف شهر تشرين الاول/ أكتوبر الجاري.
ولعل جزءاً من بوادر او ملامح ومؤشرات الاختلاف برزت بشكل او بآخر خلال المفاوضات بين كتلتي الائتلاف العراقي الموحد والتحالف الكردستاني بعد الانتخابات السابقة بشأن تشكيل الحكومة وتحديد هوية من يتولى رئاستها، اذ انه في ذلك الحين لم يبد التحالف الكردستاني تفاعلاً كبيراً مع فكرة اختيار الجعفري لرئاسة الوزراء، مفضلاً بحث الخيارات الاخرى المطروحة الى جانب ذلك الخيار. علماً بأن الاسماء التي كانت مرشحة من قبل الائتلاف العراقي الموحد لشغل المنصب هي: القيادي في المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق الدكتور عادل عبد المهدي، وزعيم المؤتمر الوطني الدكتور أحمد الجلبي.
ولكن بما ان حسم امر اختيار رئيس الوزراء لم يكن منفصلاً عن امور اخرى، بل كان يشكل وحدة واحدة معها، او ما عُرف في حينه صفقة واحدة (ONE PACKAGE)، لذا فإن الاكراد ربما يكونون قد قبلوا على مضض بخيار الجعفري لرئاسة الحكومة، وهذا ما سربته اوساط كردية بصورة او بأخرى مؤخراً لبعض وسائل الاعلام على خلفية الازمة الاخيرة.
ويبدو ان مشاركة العراق في اجتماعات الدورة الستين للجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي دفعت بجانب من الخلاف والاختلاف بين الطرفين الى السطح، عندما برزت اشكالية من يمثل العراق ومن يلقي الكلمة الرسمية أمام الجمعية العمومية للمنظمة الدولية.
وبرغم ان الرئيسين ذهبا الى نيويورك، الا انه كان واضحاً ان لكل واحد منهما برنامجاً لا يمت بصلة الى برنامج الآخر، ما انعكس سلباً على تلك المشاركة، ولمسته الاوساط السياسية والدبلوماسية في داخل أروقة وكواليس الامم المتحدة. وهذا ما عاد ليلقي مزيداً من السحب الداكنة على اجواء التقاطعات بينهما في بغداد.
وفي الوقت الذي حاول الجعفري التقليل من أهمية ما راحت تروج له وسائل الاعلام، قرر الطالباني فتح الباب على مصراعيه للحديث بإسهاب عن الاشكاليات التي يطرحها التحالف الكردستاني على رئيس الوزراء، مع حرصه على تأكيد ان الخلاف هو مع الجعفري وليس مع كتلة الائتلاف العراقي الموحد.
ولإعطاء زخم اكبر للموضوع وجه جلال الطالباني باعتباره رئيساً للدولة، مع مسعود البارزاني باعتباره رئيساً لإقليم كردستان، مذكرة الى الجعفري يطالبانه فيها الالتزام بتنفيذ الميثاق المبرم بين كتلتي الائتلاف والتحالف، الذي على ضوئه شُكلت الحكومة، والذي يعتبران ـ أي الطالباني والبارزاني ـ ان الجعفري أخل به عندما انتهج اسلوباً انفرادياً في ادارة الامور، وطالباه بجملة مسائل منها:
ـ اشراك الكتلة الوزارية الكردستانية كشريك ند في اتخاذ القرارات المهمة السياسية والاقتصادية والإدارية والأمنية وعلى أساس مبدأ التوافق (الفقرة 2 من اتفاق الائتلاف والتحالف).
ـ الإسراع في انجاز النظام الداخلي لمجلس الوزراء
الفقرة (5) من اتفاق الكتلتين وعدم درجه فقط في كل جدول أعمال وتأجيله في كل مرة كما هو جارٍ الآن، بل مناقشته مع مكملي كتلتنا الوزارية قبل طرحه على مجلس الوزراء، وعلى ان يتضمن:
ـ مبدأ التوافق في اتخاذ القرارات بين ممثلي الكتلتين في المجلس.
ـ التسلسل الإداري الصحيح.
ـ توزيع الصلاحيات بالشكل الذي يعكس الشراكة والتحالف بين الكتلتين.
ـ التوافق في تعيين كبار الموظفين وعدم الاقتصار على كتلة أو حزب السيد رئيس الوزراء، مثل الأمين العام للمجلس ونائبه، والناطق الرسمي، والمديرين العامين والمستشارين في أمانة مجلس الوزراء، وكبار موظفي الوزارات.
ـ مراعاة التوازن في تشكيل الوفود، الأمر الذي لم يجر لحد الآن.
ـ اجراء اللقاءات الدورية مع ممثلي الكتلة الكردستانية وعدم تهميش الكتلة.
ـ اجراء اجتماعات دورية ومنظمة لهيئة رئاسة الوزراء (رئيس الوزراء ونوابه).
ـ الالتزام بمواعيد الاجتماعات الدورية لرئاسة الحكومة العراقية الانتقالية (رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ورئاسة الجمعية).
ـ التوافق والمشاركة في كل الهيئات المستقلة وغير المستقلة المهمة (هيئة النزاهة، واجتثاث البعث، وديوان الرقابة المالية، ومنازعات ملكية.. إلخ).
ـ عدم الفصل أو الطرد أو الإحالة على التقاعد بصورة كيفية وعلى نطاق الوزارات كافة.
ـ عدم التمييز في اقرار المشاريع وإطلاق التخصيصات بين المناطق المختلفة في البلاد.
ـ عدم تشكيل دوائر وإدارات متوازية للوزارات أو الهيئات المهمة، وعدم الالتفاف على المديريات العامة والهيئات المختصة.
ـ اطلاع الكتلة الكردستانية في مجلس الوزراء على كيفية تخصيص المبالغ الهائلة (بليون دولار) لمجلس الإعمار وأوجه صرفها، وضرورة تحديد حصة إقليم كردستان من هذه المبالغ.
ـ عدم ارسال مشاريع القوانين الى الجمعية الوطنية من دون موافقة مجلس الوزراء.
ـ وضع حد من خلال اجراءات رادعة، للجرائم الكيفية بحق العرب السنّة، وهذا لا يعني عدم مكافحة الإرهاب بكل حزم.
ـ تنفيذ الالتزام بقانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية (الفقرة 1) من اتفاق الكتلتين.
ـ تنفيذ الالتزامات القانونية والتزامات الحكومة المؤقتة في ما يخص المناطق المختلف عليها، ومن ضمنها كركوك، وتنفيذ اجراءات التطبيع فيها وتأمين التمويل الكافي للجان المشكلة لهذا الغرض.
والشيء اللافت في هذا السياق ان مسؤولاً بارزاً في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني هو آزاد جندياني طالب في تصريحات لوسائل الاعلام بإقالة الجعفري من منصبه، وعاد في وقت لاحق ليؤكد ان ما طرحه يعبر عن وجهة نظره الشخصية لا وجهة نظر الحزب الذي يتزعمه رئيس الجمهورية. لكن مع ذلك التأكيد صرح الطالباني أنه يرفض إقالة الجعفري، لأن المرحلة الحالية لا تحتمل تغيير الحكومة.. علماً بأن حل الحكومة وفقاً لقانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية (الدستور المؤقت) ليس بيد رئيس الجمهورية، وإنما بيد الجمعية الوطنية (البرلمان).
أطراف من الائتلاف العراقي الموحد مقربة من الجعفري وحزب الدعوة الاسلامية الذي يتزعمه الاخير، اعتبرت ان الطالباني من خلال تصعيده ضد رئيس الوزراء انما شرع بالدعاية الانتخابية للانتخابات المقبلة قبل الاعلان رسمياً عن بدئها.
فقد بادر بهاء الأعرجي النائب في البرلمان العراقي عن كتلة الائتلاف الموحد الى شن هجوم لاذع على جلال الطالباني، معتبراً أنه يعمل على إفشال حكومة الجعفري وإبعاد العراق الجديد عن الإسلام.
وفي مقابل هذا التصعيد الذي رآه البعض خطيراً للغاية، سيما انه جاء من حيث التوقيت قبل فترة قصيرة جداً من موعد الاستفتاء على الدستور، تحركت شخصيات وأوساط سياسية فاعلة ومؤثرة لاحتواء الازمة. فقد التقى زعيم كتلة الائتلاف العراقي الموحد يوم الاثنين الماضي وفداً من التحالف الكردستاني لبحث المسائل التي تتسبب في انحدار الامور الى هذا المستوى، ووفقاً لمصادر مسؤولة في المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق هناك حلحلة في الازمة، وما يشير الى ذلك ان الوفد الكردستاني التقى في اليوم التالي رئيس الوزراء الذي أدلى بعد الاجتماع بتصريحات مشجعة قائلاً: "ان التحالف بين الكتلتين سيظل قوياً بل أقوى من السابق، ونحن كلانا طرف واحد، وبيننا قواسم مشتركة امتدت منذ ربع قرن".
وفي الوقت الذي ترى فيه اوساط سياسية مختلفة ان الازمة بين الرئيسين او بين الكتلتين تكاد تكون انحسرت، وهي لن تكون مرشحة للاتساع اكثر مما وصلت اليه، تذهب تلك الاوساط نفسها وغيرها في اطار قراءتها المبكرة لخريطة التحالفات السياسية المقبلة، لما بعد انتخابات منتصف كانون الأول/ ديسمبر القادم، ان تلك الازمة ستكون حاضرة في ذلك الوقت، خصوصاً ان احتمالات التحالف بين الشيعة والأكراد كبيرة في المرحلة القادمة، لكن وفق حقائق ومعطيات قد لا تكون هي ذاتها القائمة الآن.