ارشيف من : 2005-2008
بعد "لاءات" فرنسا وهولندا، هنالك أيضاً "لا" تركية!

الانتقاد/ دوليات ـ العدد 1130 ـ 7 تشرين الاول/ اوكتوبر 2005
إذا كانت تركيا الرسمية بقيادة حزب العدالة والتنمية وما سبقه من أحزاب، تصر على الاستمرار في رؤية جانب أساسي من جوانب مستقبلها داخل أوروبا، فما هو موقف تركيا غير الرسمية والشارع التركي من هذا الموضوع؟
أحد عناصر الإجابة تقدمه استطلاعات الرأي الأخيرة التي بيّنت قبل أيام قليلة، أن 57 في المئة من الأتراك يؤيدون فكرة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. أكثرية واضحة بالمنظور الانتخابي العددي، لكنها أكثرية متراجعة بالمنظور الواقعي: نسبة الأتراك الذين كانوا يؤيدون الانضمام في الفترة نفسها من العام الماضي كانت تزيد على 67 في المئة. ويبدو أن شعور الأتراك بالإذلال الذي رافق مسيرة النظر الأوروبي في الملف التركي، من العزف الدائم على أوتار الفوارق الثقافية، أي الدينية، إلى التذكير الدائم بفقر تركيا وإمكانية تحولها إلى عالة على أوروبا، هو الذي يؤدي الدور الرئيسي في تراجع الرغبة في "التأورب"، خصوصاً أن الثمن الذي دفعته تركيا حتى الآن بانتظار حلم قد يبدأ بالتحقق في أحسن الأحوال بعد عشر سنوات أو أكثر، يبدو فادحاً، وخصوصاً بالنسبة الى ذلك القسم من الأتراك المعتزين بتركيتهم التي أسهمت في جعلهم أسياد العالم طيلة قرون لا تزال ذكريات حية متقدة، ولا سيما عند بعض من لم يدركهم الموت ممن سبق لهم أن شاركوا في الحرب ضد التحالف الأوروبي الأميركي خلال الحرب العالمية الأولى. ذلك الثمن أو الدفعات الأولى من ذلك الثمن، تمثلت في ما يتعلق بالجانب الحساس من الشعور القومي التركي، بما يعتبر تراجعاًً تحت الضغط الأوروبي من قبل النظام لمصلحة الأكراد. إذ حتى في صفوف حزب العدالة والتنمية ـ دون الحديث عن أحزاب المعارضة ـ سُجلت اعتراضات ملحوظة على الزيارة التي قام بها أردوغان الى المناطق الجنوبية الشرقية من البلاد، حيث التقى أحزاباً كردية كان بعضها يوصف بالإرهابي حتى عهد قريب، واعترف بواقع المسألة الكردية وبأخطاء تركيا تجاه الأكراد. اعتراضات أخرى برزت داخل الحزب نفسه على السماح مؤخراً بعقد مؤتمر للمؤرخين الأتراك الذين لا يلتزمون بالإنكار الرسمي التقليدي لتهمة إبادة الأرمن.
الأحزاب الأخرى وفي طليعتها حزب العمل القومي ذو الأصول اليمينية المتطرفة، الذي يبدو مهيئاً للبروز في تشريعيات العام 2007، وصف مسألة الانضمام برمتها بعملية خداع، وطالب رئيس الوزراء بعدم الذهاب إلى لوكسمبورغ للمشاركة بافتتاح المفاوضات، بعد أن أسمعه كلاماً من نوع "تنازلاتكم أغرقت البلاد في الظلام". أما المظاهرات التي خرجت في المدن التركية لرفض الانضمام، فقد سُمعت فيها إضافة إلى ما تقدم، شعارات تحدثت عن تقطيع أوصال تركيا كشرط للانضمام، ودعت إلى تشكيل "جبهة وطنية تركية ضد أوروبا الرأسمال والنهب". كلام ذو مغزى كبير عندما نعلم أيضاً أن 57 في المئة من الأوروبيين هم ضد استيعاب تركيا "الفقر والاختلاف". وتبقى الإشارة مفيدة إلى أن البورصات في أوروبا وتركيا قد انتعشت مساء الاثنين الماضي عند حل الإشكال النمساوي، ما عزز الاعتقاد مرة أخرى بأن التوسع الأوروبي هو رهان عزيز بالدرجة الأولى على البورصات وما خلفها من شركات.
ع.ح.