ارشيف من : 2005-2008

"هيوز" وتحسين صورة أميركا: مهمة أكثر من مستحيلة

"هيوز" وتحسين صورة أميركا: مهمة أكثر من مستحيلة

الانتقاد/ دوليات ـ العدد 1130 ـ 7 تشرين الاول/ اوكتوبر 2005‏‏

ل يس هناك سبب أكثر مدعاة للسخرية من إيفاد الرئيس الأميركي جورج بوش مساعدة وزيرة خارجيته لشؤون "الدبلوماسية العامة" كارين هيوز الى الشرق الأوسط لتحسين صورة بلاده لدى العرب والمسلمين.‏‏

مصدر السخرية ليس فقط ما أبرزته "سيدة العلاقات العامة" من "مهارات" خلال جولتها في كل من مصر والسعودية وتركيا، بل إنه يبدأ من انتداب شخص لمهمة كهذه يقوم للمرة الاولى بزيارة الى هذه المنطقة الأكثر تفجراً في العالم حالياً.‏‏

وكأن النقاش "الاستراتيجي" الذي شارك فيه كبار المنظرين والخبراء الأميركيين والمستمر منذ ما قبل 11 أيلول/ سبتمبر 2001، وما بعده للإجابة عن السؤال "الأخطر": لماذا هم ـ العرب والمسلمون ـ يكرهوننا ـ نحن الأميركيين ـ قد تمخض عن هذه النتيجة والاقتناع بأن امرأة بمواصفات هيوز وبإشراف امرأة أخرى هي مسؤولتها كوندليزا رايس، وبمساعدة امرأة أخرى عربية متزوّجة من أميركي هي دينا حبيب باول، هن من يملكن العصا التي يمكن ان "تسحر" عقول سكان الشرق الأوسط الكارهين لأميركا وتحول قناعاتهم، وذلك عبر حملة اعلانية على طريقة تسويق مرشحي الرئاسة الأميركيين وتلميع صورتهم، أو أي سلعة أخرى.‏‏

هكذا بدت هيوز ومساعدتها باول كمن يروّج لمنتج غذائي أو تجميلي من تلك التي تتولى فتيات الإعلان التسويق لها، فأظهرت ـ هيوز ـ أكبر قدر ممكن من الابتسامات على الحضور، وملأت الشوارع جيئة وذهاباً، وحيّت الكبار والصغار، واستخدمت عبارات بسيطة واجتهدت لتقديم نفسها كـ"أم نشيطة"، "تثق بالعلاقات بين الأفراد"، لتختصر وتتجاوز محطات دموية سابقة وحالية كان لبلادها الولايات المتحدة، دور رئيس في ارتكابها أو المسؤولية عنها.‏‏

وكأن "فضيلة" الاستماع التي مارستها هيوز لمآخذ العالم العربي والإسلامي على سياسة بلادها والنقاشات التي أجرتها خصوصاً مع النساء من اتجاهات ومستويات مختلفة، كافية لتقديم حصيلة إيجابية لمن اعتقد بأنها يمكن ان تساعده ـ أي بوش ـ في تعزيز رصيده الشعبي وتمرير ولايته الثانية بسلام، بعدما ساعدته في تبوّؤ منصب الرئاسة!‏‏

لكن حوار الطرشان بين هيوز ومن التقتهن في الدول الثلاث كان سيّد الموقف! فهي تتحدث عن حقوق المرأة وفرصها في الولايات المتحدة، وقيم الديمقراطية وغيرها من "المستحضرات التجميلية" لإدارة بوش، فيما المضيفون يسألونها عن سبب الدعم الأميركي المطلق لـ"إسرائيل"، وغزو أفغانستان ثم العراق.. وقبلهما دعم أنظمة الاستبداد في المنطقة، والضغوط التي تمارسها حالياً ضد إيران وسوريا، وصولاً الى صور الاستبداد الأميركي من سجن "أبو غريب" الى "غوانتانامو"، وهي لا تجد سوى جواب واحد، هو أن "بوش هو أول رئيس أميركي يوافق على إقامة دولة فلسطينية".. لم تبصر النور حتى الآن ولا يتوقع لها ذلك!!‏‏

كما لم يسعف المندوبة الأميركية في حملتها الخبر الذي واجهتها به ناشطات تركيات عن اعتقال شرطة بوش لسيندي شيهان المحتجة سلمياً على حرب العراق التي أفقدتها ابنها، في الوقت الذي كانت هي تحدثهنّ عن حريات بلدها وضرورة الاقتداء بها! وأنها سبب كاف لكي يحبوا الولايات المتحدة ويكفوا عن كراهيتها!‏‏

لقد كانت حصيلة جولة هيوز على ثلاث دول مصنفة "حليفة"، وحوارها مع نخب المجتمع المدني على مستوى عالٍ من الإخفاق الموزع بين سعوديات يعبّرن عن سعادتهن بنظامهن الاجتماعي وحياتهن الخاصة برغم الانتقادات الأميركية الشرسة، وتركيات واجهنها بمآثر إدارتها في حرب العراق، وبشّرنها بأن صورة الولايات المتحدة لا يمكن ان تتحسن فيما "هناك أشخاص يموتون كل يوم" بسببها.. ويبدو ان هيوز لم تطرح على نفسها السؤال التالي: كيف ستنجح في "وظيفتها" الجديدة وتدر عليها أمولاً طائلة، وهي ترد على هذه الانتقادات بالدفاع عن مشروعية عدوان بلادها على العراق، وتطلق المزيد من المواقف العدائية ضد دول عربية وإسلامية، وتستعين بابتسامات تجارية فيما عيون العالم العربي والإسلامي غارقة في الدموع والأسى على ما يحصل فيه يومياً، بسبب السياسة الأميركية.‏‏

ربما تعتبر تجربة سيدة "الدبلوماسية العامة" إخفاقاً جديداً لإدارة بوش في فهم الأسباب الحقيقية لكراهيتها التي يزداد منسوبها، ليس خارج الولايات المتحدة فحسب، بل داخلها أيضاً، وأن هذه الكراهية ليست للنموذج الأميركي في الحياة، لأن لكل شعب شأنه، وإنما بسبب السياسة الأميركية التي تعجز الأوصاف عن نعت قبحها.‏‏

عبد الحسين شبيب‏‏

2006-10-28