ارشيف من : 2005-2008
بعد كاترينا وريتا والعراق: أشباح الإفلاس المالي تتراقص فوق أميركا

الانتقاد/ دوليات- 1129- 30 ايلول/ سبتمبر 2005
لا توجد بعدُ أرقام دقيقة عن الخسائر المادية التي ألحقها إعصارا "كاترينا" و"ريتا" بالمنطقة الجنوبية الشرقية من الولايات المتحدة، مع أن التخمينات الأولية تتحدث عن مئات المليارات من الدولارات. كما لا توجد أرقام أيضاً عن أكلاف إعادة الإعمار، مع إمكان التكهن بأن المشكلة حقيقية في هذا المجال. بالطبع هنالك من يتفاءل بقوة الاقتصاد الأميركي وبقدرته على تجاوز الأزمة، ويعتبر ـ كما في حالة جون سنو وزير الخزانة الأميركية ـ بأن إعادة الإعمار في الولايات المنكوبة من شأنها أن تؤدي إلى الانتعاش في العام 2006. إلا أنه يظل من غير الواضح ما إذا كان الانتعاش المقصود هو انتعاشاً للاقتصاد الأميركي بالمعنى الذي تستفيد منه الخزانة الأميركية، أم أنه انتعاش للشركات التي هرعت بدعم وإغراء مسؤولين كبار من أمثال نائب الرئيس ديك تشيني، للاستثمار في الكارثة على حساب الخزانة الأميركية ودافعي الضرائب الأميركيين. والأكيد أن الاحتمال الثاني هو الأكثر ترجيحاً، بدليل أن الحديث قد بدأ منذ الآن عن فرض ضرائب جديدة لتغطية الخسائر وأعمال الإعمار. فقد اقترحت مجموعة من البرلمانيين الجمهوريين فرض ضرائب كبيرة على قطاعات الخدمات العامة والمواصلات وعدد من المؤسسات الصحية. كما طالبت باقتطاع قسم من الإسهام المالي الأميركي في دعم قوات السلام العاملة في إطار الأمم المتحدة، مع ما يشكله ذلك من ارتباكات للسياستين الداخلية والخارجية لإدارة الرئيس بوش. ويأتي الحديث عن فرض الضرائب الجديدة كحل وحيد في الإطار المنظور وفي ظل العجز الذي تعاني منه الخزانة الأميركية، والذي بلغ حالياً أكبر مستوى له خلال العقود الأخيرة، اذ ارتفع من 3.5% من الناتج القومي الخام عام 1987 إلى 6% من هذا الناتج في العام 2004.
هذا الواقع يسهم في رفع منسوب التذمر من سياسات الرئيس بوش حتى في أوساط الجمهوريين الذين انتقدوه مؤخراً، مشددين على أنه الرئيس الأميركي الأكثر إنفاقاً منذ عهد الرئيس ليندون جونسون في أوائل السبعينيات. وقد أثارت استغراب الكثيرين من الأميركيين تصريحات بوش التي أعلن فيها أن نيو أورليانز سيعاد إعمارها "مهما كان الثمن". ومرد الاستغراب أن الإنفاق العادي ـ من دون حساب الإنفاق على الحرب في العراق ـ قد ازداد بنسبة الضعفين عما كان عليه أيام الرئيس كلينتون. وإذا ما نظرنا في أوجه الإنفاق في ظل إدارة بوش، نجد في طليعتها أكلاف الحرب على العراق، وهي الأكلاف التي يؤيد خفضها 54% من الأميركيين في آخر استطلاعات الرأي، والتي أعلن بوش رفضه القطعي المساس بها في تصريح أدلى به يوم الخميس الماضي (23-9-2005). وما هو أكثر إثارة للاستغراب، أن الحديث عن تجاوز الأزمة يتجاهل واقع أن الاقتصاد الأميركي المتخبط في العجز والهدر قبل الأعاصير الأخيرة، سيكون بعدها أقل قدرة على الحركة، ليس فقط بسبب أكلاف الحرب وإعادة الإعمار، بل أيضاً بسبب الدمار الذي تسبب بشلل الولايات الجنوبية الشرقية التي تتمركز فيها معظم الصناعات النفطية وكثير من الأنشطة الزراعية في الولايات المتحدة، من دون الحديث عن تأثيرات ذلك في ارتفاع أسعار النفط في السوق الدولية والتداعيات السلبية لذلك الارتفاع على مجمل الاقتصاد الأميركي، وخصوصاً على موازنات الأسر الأميركية التي تضعها مستلزمات الحرب وإعادة الإعمار تحت تهديد العقوبات الضرائبية التي لا يبدو أن في أفق الولايات المتحدة حلاً غيرها للتعامل مع الخسائر الناجمة عن الكارثتين، الطبيعية والسياسية.
لكن المشكلة في الحل الضرائبي أن من شأنه أن يفتح الولايات المتحدة على كارثة أكبر وأبعد أثراً، هي الكارثة الاجتماعية التي بدأت تطل برأسها ـ بين مظاهر أخرى ـ من خلال حركة النزوح واسعة النطاق عن الولايات المنكوبة، ومن خلال عودة المشكلة العنصرية إلى البروز بشكل قد يؤدي إلى تفاعلات غير منتظرة.
عقيل الشيخ حسين