ارشيف من : 2005-2008

تصريحات البارزاني والخطوط الحمر في العلاقات مع "إسرائيل"

تصريحات البارزاني والخطوط الحمر في العلاقات مع "إسرائيل"

بغداد ـ "الانتقاد"‏

مرة أخرى يحتدم الجدل والسجال في في الاوساط السياسية والشعبية العراقية حول موضوع شائك ومعقد يتمثل بإقامة علاقات مع الكيان الصهيوني بعد التصريحات التي أدلى بها رئيس اقليم كردستان ـ العراق مسعود البارزاني من الكويت، وقال فيها "ان العلاقات مع اسرائيل ليست جريمة، وإذا ما أقيمت علاقة بين اسرائيل والدولة العراقية فسوف نقيم معها، وإذا ما فتحت سفارة اسرائيلية في بغداد فسنفتح قنصلية في أربيل".‏

ويبدو ان البارزاني كان يرد على سؤال "مزعج" لأحد الصحافيين بشأن التغلغل الإسرائيلي في شمال العراق، وبنبرة استياء وضجر كان قد قال: "لا أدري الى متى سوف أُسأل عن التغلغل الاسرائيلي في الاقليم، فذلك غير صحيح، واسرائيل متغلغلة في كل الدول العربية"!.‏

وأيا يكن المعنى الذي قصده الزعيم الكردي من كلامه، فإن مجرد ورود عبارة "ان العلاقات مع اسرائيل ليست جريمة" كانت كافية لأن تولد ردود فعل حادة على اكثر من صعيد، لم تكن اقل حدة ووضوحا من ردود الافعال التي أثيرت حول خطوات ومبادرات سابقة من قبل سياسيين عراقيين تجاه كيان العدو، ان لم تكن اكثر منها.‏

ففي يوم الثلاثاء الحادي والعشرين من ايلول/ سبتمبر من عام 2004، التقى رئيس الوزراء العراقي الأسبق اياد علاوي على هامش اجتماعات الدورة التاسعة والخمسين لمنظمة الأمم المتحدة في مقرها بنيويورك وزير الخارجية الاسرائيلي سيلفان شالوم وتصافحا داخل احد الاروقة، ولم تمر تلك المصافحة مرور الكرام، سيما انها جرت على مرأى ومسمع عشرات السياسيين والدبلوماسيين والاعلاميين.‏

ولم يمر الا وقت قليل حتى تصدرت قائمة القضايا السياسية المهمة في العاصمة بغداد.. ومع ان علاوي ـ المعروف بعلاقاته الوثيقة بمراكز القرار السياسي في واشنطن التي يوجد فيها الكثيرون ممن لديهم ارتباطات وعلاقات مصالح مع اللوبي الاسرائيلي في الولايات المتحدة ـ نفى ردا على التكنهات بشأن مصافحته وزير الخارجية الاسرائيلي ان تكون هناك أي ضغوط لإقامة علاقات مع اسرائيل، قائلا بالنص: "إن اسرائيل ليست في بالنا"، لكن كلامه هذا لم يكن مقنعا بالمرة بالنسبة لأوساط سياسية ودينية وثقافية في العراق وخارجه، ناهيك عن الشارع العراقي الذي يعتقد ان جزءا غير قليل من التصفيات الجسدية وعمليات تفجيرات السيارات المفخخة واستهداف البنى التحتية للبلد هو من تخطيط وتنفيذ جهاز المخابرات الاسرائيلي (الموساد) او جهات متعاونة معه ومدعومة منه.‏

في الوقت ذاته اعتبرت اطراف سياسية عربية ان الخطوة المشينة التي أقدم عليها رئيس الوزراء العراقي المؤقت اياد علاوي بمصافحة وزير خارجية الكيان الصهيوني سيلفان شالوم تعتبر مؤشرا صارخا الى أحد اهم الاهداف الاميركية للحرب على العراق.‏

ليست مصادفة ان تكون مصافحة علاوي ـ شالوم هي المؤشر "الايجابي" الثاني من ساسة عراقيين تجاه تل ابيب خلال شهر ايلول/ سبتمبر 2004، فقبل ذلك بقليل كان مثال الألوسي القيادي السابق في حزب المؤتمر الوطني العراقي بزعامة احمد الجلبي قد زار تل أبيب وحل ضيفا على رئيس أركان الجيش الاسرائيلي الجنرال موشي يعلون للمشاركة في مؤتمر حول مكافحة الارهاب هناك، وربما كان الألوسي الذي كان يشغل في حينه مدير عام هيئة اجتثاث البعث اكثر جرأة وصراحة من غيره حينما برر ما قام به بالقول: "إن مسؤولين وقياديين في الدولة العراقية حاليا قاموا بزيارات سرية لإسرائيل، وإن هناك ايضا قياديين في المؤتمر الوطني العراقي قاموا بزيارات سرية لإسرائيل، وأنا أترفع عن ذكر الأسماء".‏

وإشارة الألوسي الى ان هناك سياسيين عراقيين زاروا اسرائيل سرا او اتصلوا بمسؤولين فيها تعني امورا كثيرة، لعل من بينها ان التغلغل الاسرائيلي في العراق انطلق من القمة وليس من القاعدة وبمساعدة ومباركة ودعم اميركي، وبالاستفادة من ظروف ما بعد تغيير النظام السياسي في التاسع من نيسان/ أبريل 2003.‏

وبعد ما يقارب عامين فإن الزعيم الكردي مسعود البارزاني لم يأتِ بجديد، على الاقل في ما يتعلق بالمواقف والرؤى الكردية العراقية من موضوعة اسرائيل والعلاقات معها، خصوصا ان العلاقات بين الجانبين تمتد الى أيام الزعيم الكردي الراحل الملا مصطفى البارزاني.‏

أما ردود الفعل الحادة والعنيفة فإنها جاءت لتعبر عن الموقف الحقيقي والمزاج العام للشعب العراقي تجاه قضية خطيرة وحساسة من قبيل العلاقات مع العدو الصهيوني، سيما انه تبنتها أطراف من خارج دائرة الحكومة والسلطة.‏

فزعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر الذي يتمتع بشعبية واسعة لدى فئات وشرائح من المجتمع العراقي قال بوضوح: "ان العلاقات مع اسرائيل جريمة كبرى وعظمى، فهم أعداؤنا بنص القرآن الكريم والسنة"، مؤكدا ضرورة تراجع الزعيم الكردي البارزاني عن قوله ان العلاقات مع اسرائيل ليست جريمة، لأن مثل هذا القول فيه مفسدة كبيرة حتى على الأكراد أنفسهم".‏

ولاحتواء تداعيات المواقف المتقاطعة سارع رئيس الجمهورية جلال الطالباني الذي يعد الشريك الرئيسي للبارزاني الى الاتصال بالصدر وتوضيح او "تبرير" موقف البارزاني، ودعوته الى تشكيل لجنة لتعزيز العلاقات بين التيار الصدري والتحالف الكردستاني".‏

ولم يختلف موقف هيئة علماء المسلمين (تيار سني) من تصريحات البارزاني عن موقف التيار الصدري، فقد أصدرت بيانا اعتبرت فيه ان ما جاء على لسان الزعيم الكردي تصريحات جدا خطيرة، وهي تمثل اساءة لمشاعر مليار ونصف مليار مسلم، وهي تجرح مشاعر الشعب، وتجرح مشاعر الشعب الفلسطيني الذي تعرض للظلم والاضطهاد.. وهذه التصريحات لا تمثل موقف الشعب العراقي.‏

من جانب آخر رأى مصدر مسؤول في المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق طلب عدم الكشف عن هويته، أنه كان من الافضل للبارزاني ان يتناول الموضوع بطريقة اخرى، لأن موضوع العلاقات مع الكيان الصهيوني امر غير مستساغ لدى العراقيين، حتى لو كان في سياق الفرضيات.‏

وبنفس المعنى فإن جهات سياسية ودينية عبرت عن مواقفها وردود أفعالها ازاء أقوال الزعيم الكردي.. وكل ذلك يعني أن هناك في العراق خطا أحمر في هذا الموضوع لا يمكن لأي كان ان يقفز عليه او يتجاوزه، ليس الآن فحسب، بل وفي المستقبل ايضا.‏

الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1162 ـ 19 أيار/مايو 2006‏

2006-10-28