ارشيف من : 2005-2008

قمة باهتة ... لولا شافيز وموراليس

قمة باهتة ... لولا شافيز وموراليس

لو كان في تلك القمة خير لما دعيت إليها بلغاريا ورومانيا وخصوصاً تركيا التي لا يزال جلوسها في منتديات بلدان الاتحاد الأوروبي من قبيل الأحلام العصية على التحقق.‏

القمة المعنية هي قمة بلدان الإتحاد الأوروبي وأميركا اللاتينية وبلدان الكاريبي التي شاركت فيها، في العاصمة النمساوية فيينا، إلى جانب رؤساء البلدان الثلاثة المذكورة، بين الحادي عشر والثالث عشر من أيار/ مايو الجاري، أغلبية رؤساء البلدان الأوروبية الخمسة والعشرين والبلدان الأميركية اللاتينية الثلاثة والثلاثين. ومع ذلك، لم يكن لتلك القمة أن يسمع بها أحد فيما لو لم يشارك فيها الرئيسان الفنزويلي، هيغو شافيز، والبوليفي، إيفو موراليس. بالطبع، شاركت فيها أغلبية رؤساء البلدان المعنية ما عدا الكوبي فيدل كاسترو والكولومبي آلفارو أوريب، لكن مشاركة الثنائي شافيز/ موراليس كانت، بالنسبة للقمة، مثل الطاقة التي تحرك المحركات. ولا حرج، لأن موضوع الطاقة كان الوحيد الذي بث بعض الحيوية في جسم القمة المترهل، ولأنه هو نفسه كان أيضاً في طليعة المسائل التي جعلت العالم يتحدث خلال الأيام والأسابيع الماضية عن شافيز/ موراليس بوصفهما أشبه بأعجوبة من النوع الذي اختفى ذكره مع همود ضجيج ما كان يعرف بحركات التحرر الوطني وإجراءاتها الثورية التي كانت تتصدرها، قبل أربعين عاماً وأكثر، عمليات التأميم. فالواقع أن الرئيسين الفنزويلي والبوليفي قد فاجآ عالم اليوم، الذي أصبحت فيه الاستثمارات الخاصة وخصخصة كل ما هو ملكية اجتماعية كالقيم البديهية الكبرى، بالعودة إلى التأميم وفرض الضرائب الكبيرة، لمصلحة خزينة الدولة، على المؤسسات الخاصة. شيء لا يكاد يصدق، على سبيل المثال، من قبل رئيس الوزراء البريطاني، طوني بلير، الذي دعا الرئيسين الفنزويلي والبوليفي إلى "إبداء المسؤولية" في إدارة مواردهما، على أساس أن عمل البلدان الخاضعة من أجل استقلالها الاقتصادي هو من نوع المسلكيات غير المسؤولة! أو من قبل المستشار النمساوي وولفغانغ سوشيل الذي تترأس بلاده الدورة الحالية للاتحاد الأوروبي، والذي يبدو مقتنعاً بشكل لا مراجعة فيه بوجود خيارين في الحياة أمام العالم (العالم المقصود هو العالم الثالث): إما النجاح بفضل فتح الأسواق، وإما الفشل نتيجة لعدم فتح الأسواق. والخياران المذكوران يرتبط بهما خياران آخران: الاستثمار يحتاج إلى عشرات بل مئات المليارات من اليوروهات أو الدولارات، والعالم إما أن يحقق النجاح بالفوز في استدراج تلك المليارات، وإما أن يبوء بالفشل فيما إذا ظلت تلك المليارات قابعة بلا حراك في مصارف أوروبا الغربية وأميركا الشمالية! والواضح أن المستشار يحترم حرية العالم في الاختيار، وإن كان يأسف شديد الأسف لأن العالم المعني يعتمد الخيار السيئ.‏

لكن هذه الحيادية المتعجرفة ليست كل ما بدر عن بلدان كبريطانيا وفرنسا وإسبانيا والبرازيل، وهي البلدان التي تضررت شركاتها النفطية من الإجراءات البوليفية والفنزويلية. فهذه البلدان قابلت الخطوة التأميمية بالحنق والغضب لأنها تعني خسارة أعداد من المليارات التي يفترض أن يربحها من الآن فصاعداً شعبا بوليفيا وفنزويلا مع شعوب أخرى أميركية لاتينية وغير أميركية لاتينية، إذا ما واصل البلدان اعتماد مبادرات كتلك التي اعتمدها هيغو شافيز عندما ساعد فقراء الولايات المتحدة على اتقاء البرد بأن قدم لهم بالمجان كمية كبيرة من المحروقات. والبلدان المذكورة جرت وراءها بلدان الاتحاد الأوروبي التي أجمعت على انتقاد المبادرة التأميمية، ووصل الأمر ببعضها إلى حد التهديد بسحب السفراء. ومن يدري، فربما يؤدي الحنق والغضب إلى ما هو أسوأ من ذلك (سابقة تأميم قناة السويس والعدوان الثلاثي على مصر لا تزال قوية في الأذهان)، برغم تعهد شافيز وموراليس بضمان الأمن الحقوقي والدائم للشركات الأجنبية المعنية، مع تخيير هذه الشركات بين إبرام عقود جديدة أو مغادرة البلاد.‏

وفيما انصبت انتقادات القمة بوجه خاص على إيفو موراليس بسبب جذريته في إجراءات التأميم، انبرى هيغو شافيز إلى الدفاع عنه معتبراً أن قراره هو قرار بلد ذي سيادة، وأنه وفاء بعهد قطعه على نفسه أمام شعبه شبيه بالعهد الذي قطعه ثاباتيرو بالانسحاب من العراق في حال فوزه بمنصب رئاسة الوزراء في إسبانيا. ومهما يكن من أمر، فإن البيان الختامي للقمة اعترف بحق البلدان في إدارة وضبط مواردها الطبيعية، ربما لأن اصطدامها بمشكلة الطاقة لم يكن أكثر مأساوية من مظاهر فشلها الأخرى: عجز أوروبي بنحو عشرة مليارات يورو في الميزان التجاري؛ لا تقدم في المفاوضات الجارية، منذ العام 2000، بهدف التوصل إلى اتفاق شراكة تجارية بين الاتحاد الأوروبي ومجموعة ميركوسور التي تعاني، هي أيضاً، من العديد من مظاهر التفسخ؛ واستمرار التنافر حول قضايا أخرى ليس أقلها الملف الزراعي في ظل الإصرار الأوروبي ـ الأميركي الشمالي على المساعدات الحكومية، وإغلاق الأسواق بالإجراءات الحمائية... ولكن، ألا يمكن القول بأن الفشل ليس فشل التقارب الأوروبي الأميركي اللاتيني بمقدار ما هو فشل النيوليبرالية الاقتصادية والتجارية في العثور على متنفسات جديدة في عالم تكاثرت عليه أعراض الاختناق؟‏

عقيل الشيخ حسين‏

الانتقاد/ دوليات ـ العدد 1162 ـ 19 أيار/مايو 2006‏

2006-10-28