ارشيف من : 2005-2008
أوكرانيا: فساد الثورة البرتقالية

الانتقاد/ تعليقات ـ العدد 1126 ـ 16 أيلول/سبتمبر 2005
"لا أريد أن أتحمل المسؤولية عن أشخاص أقاموا نظاماً فاسدا". هذا ما صرح به ميكولا تومينكو، نائب رئيس الوزراء الأوكراني الذي استقال من منصبه الخميس الماضي وسط أزمة سياسة حادة عصفت مؤخراً بالبلاد، وشهدت استقالة كل من الأمين العام للرئاسة، أولكسندر زينتشيكو، ورئيس الأجهزة الأمنية، أولكسندر تورتشينوف، قبل أن يعمد رئيس الجمهورية، فيكتور يوشتشنكو، إلى إقالة بقية أعضاء الحكومة، وتشكيل حكومة انتقالية برئاسة يوري أيكانوروف.
وإيكانوروف هو حليف قديم للرئيس ومتخصص في الاقتصاد وكان يشغل، حتى تاريخ تعيينه، منصب محافظ المنطقة الصناعية في دنييبروبيتروفسك. كما سبق له أن مثل بلاده، في أواخر التسعينيات، في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، كما اضطلع بقيادة برنامج خصخصة واسع النطاق في أوكرانيا.
أما سبب الأزمة فيتلخص بكلمة واحدة: الفساد الذي تكلم عنه تومينكو عندما قال في تبرير استقالته بأنه "أدرك أن بعض الأشخاص يسرقون"، مضيفاً أن أوكرانيا تديرها حكومتان لا حكومة واحدة.
والواقع أن تهم الفساد التي تسببت باندلاع الأزمة قد طالت عدداً من المسؤولين المقربين إلى الرئيس، وفي مقدمتهم أحد أهم أركان النظام، بيترو بوروشينكو، وهو رجل أعمال معروف، برز اسمه كمموّل للثورة البرتقالية، ويشغل منصب الرئاسة في مجلس الأمن القومي الأوكراني، ويتمتع بنفوذ واسع في المؤسسة المذكورة.
أما ازدواجية السلطة فتعود إلى الخلافات المستحكمة بين بيترو بورشينكو وركن آخر من أركان النظام هو رئيسة الوزراء يوليا تيموشنكا. والمعروف أن تيموشنكا، الملقبة بالباسيوناريا نظراً لدورها البارز في قيادة الثورة البرتقالية، قد لعبت دوراً أساسياً في الإطاحة بنظام ليونيد كوتشما، في كانون الأول/ديسمبر 2004، ثم في إقامة النظام الجديد. ويؤكد المراقبون أن الرئيس يوشتشنكو قد عين بورشينكو في هذا المنصب في محاولة لإقامة التوازن بين جناحي النظام عبر الحد من قوة رئيسة الوزراء، يوليا تيموشنكا، لما تتمتع به من شعبية ووزن سياسي. ويبدو أن هذه المحاولة قد فشلت في ظل تزايد شعبية تيموشنكا واستفادتها من تهم الفساد الموجهة ضد بوروشينكو. والواضح أن استخدام الرئيس لصلاحياته في إقالة الحكومة قد جاء شبيهاً بخطوة انقلابية تعطي مزيداً من السلطة لبورشينكو وجهازه الأمني والمالي، برغم ما يحيط به من تهم الفساد، على حساب تيموشنكا التي لم يبق لديها من حظوظ، فيما لو لم يطرأ طارئ في المستقبل القريب، غير التعويل على شعبيتها في الانتخابات النيابية المزمع إجراؤها في آذار/ مارس 2006.
ستة أشهر طويلة ستتصاعد خلالها تجاذبات الطبقة السياسية التي جاءت بها الثورة البرتقالية في ظل حكومة انتقالية يقودها، بالتحالف مع النظام الأمني ـ المالي، بطل الخصخصة التي لم تفلح في إزاحة كابوس الركود والتضخم عن كاهل الأكثرية الساحقة من 48 مليون أوكراني.
عقيل الشيخ حسين