ارشيف من : 2005-2008
قمة نيويورك والدورة العادية للأمم المتحدة: نتائج مخيبة للآمال ومواجهات حول القضايا الساخنة

الانتقاد/ دوليات- 1128- 23 أيلول 2005
وفق تصريح أدلى به كوفي آنان، الأمين العام للمنظمة الدولية، انتهت الدورة العادية للجمعية العمومية للأمم المتحدة والقمة العالمية التي شكلت، بالعدد الكبير من رؤساء الدول الذين شاركوا فيها، أكبر لقاء من نوعه في هذا المجال، انتهت بشكل مخيب للآمال. فهي، وإن كانت قد حققت تقدماً على مستوى الإعداد لاستبدال مفوضية حقوق الإنسان بمجلس لحقوق الإنسان يفترض به أن يضطلع بمهمة الدفاع عن هذه الحقوق حيث أخفقت المفوضية، وعلى مستوى تشكيل لجنة للاهتمام بقضايا السلم العالمي، فإن هاتين الخطوتين لا تبدوان واعدتين بما فيه الكفاية لأنهما مجرد مشروعين قد يتطلب وضعهما موضع التنفيذ شهوراً طويلة، ناهيك عن عدم الاعتقاد بقدرتهما، فيما لو توافرت النيات، على إحراز التقدم في ظل المعادلات المفروضة على المنظمة الدولية ومحاولات الهيمنة عليها من طرف القطب الواحد.
ولكن أهم ما يثير تشاؤم البعض في هذا الصدد، أن المنظمة الدولية لم تحقق تقدما يذكر على مستوى قضايا الساعة الأكثر سخونة، وفي طليعتها قضايا إصلاح المنظمة والإرهاب والفقر ومنع الانتشار النووي والطاقة، بعيداً بالطبع عن قدرة المنظمة على طرح قضايا التحرر الوطني والاجتماعي من أشكال الاستعمار والهيمنة الجديدة. وقد اقتصرت مداخلات الأمين العام على حث الدول الأعضاء على بذل المزيد من الجهد، في حين برزت في الخطب والمداولات رؤى ومواقف حرص فيها كل طرف على تبرير توجهاته الخاصة والدفاع عنها، في وقت تعذر فيه التوصل إلى حد أدنى من الإجماع حول أي من القضايا المطروحة، الأمر الذي يكرّس فقدان الأسرة الدولية لمواصفات الأسرة، ويحوّلها إلى منتدى للثرثرة تارة أو إلى هراوة بيد القوى العظمى، تارة أخرى.
فإذا كان الإجماع قد تحقق فعلاً حول إدانة الإرهاب، فقد تضاربت الآراء حول سبل مواجهته، واتجهت نحو المزيد من التضارب حول تعريفه العالمي الشامل وتمييزه عن حركات المقاومة المشروعة للاحتلال الأجنبي. وفي هذا المجال بدا أن الغربيين قد شحذوا كافة أسلحتهم عبر تواتر ظهور الطروحات حول الفيتكونغ وعدم نقل معركتهم إلى داخل الولايات المتحدة، وحول الجزائريين (والكلام لطوني بلير) الذين لم ينقلوا معركتهم إلى داخل فرنسا إلا بعد أن عمدت قوات الاستعمار الفرنسي إلى اختطاف قادة جبهة التحرير الوطني الجزائرية وإيداعهم السجون الفرنسية. كما حاولت تلك الطروحات، أن تستثمر في الانسحاب الإسرائيلي المجزوء من غزة، عبر حث اللجنة الرباعية على سحب سلاح المنظمات الفلسطينية كشرط لمشاركتها في الانتخابات التشريعية المزمعة.
كما حاولت أن تنال من المنظمات الفلسطينية متهمة إياها بعدم التمييز في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي بين المدنيين والمستوطنين والعسكريين، علماً بأن عدم التمييز هذا هو قرار إسرائيلي يجعل من كل مدني عسكرياً في الاحتياط، ويخضعه لتدريب وخدمة عسكرية إلزاميين، ما يقوي حجة الفلسطينيين.
وبالطبع شدد بوش ووزيرة خارجيته، كوندوليزا رايس، بالتوازي مع تصريحات الرئيس الفنزويلي هيغو شافيز التي اتهم فيها الولايات المتحدة بأنها تمارس إرهاب الدولة وتشكل أكبر دولة إرهابية في العالم، على عدم وجود علاقة بين احتلال أفغانستان والعراق وتصاعد الأعمال الإرهابية، بدليل أن هذه الأعمال كانت موجودة قبل الاحتلالين المذكورين، متجاهلين ضعف هذا الدليل بدليل أن الأعمال الإرهابية السابقة كانت بدورها رداً على سياسات الهيمنة والقهر التي تمارس منذ عقود من قبل الأميركيين وحلفائهم، وخصوصاً الإسرائيليين بحق الشعوب العربية والإسلامية، وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني...
وكسائر الطروحات لم يبد أن الرئيس الصيني هو شينتاو قد لقي آذاناً صاغية عندما اقترح عدم التطرق إلى مناقشة قضية الإرهاب دون النظر في جذورها العميقة، ملتقياً بذلك مع مواقف بعض البلدان الأوروبية التي يبدو أنها عادت وتناستها بحكم تحالفها الجديد مع الإدارة الأميركية في مواقفها من القضايا الساخنة في منطقة الشرق الأوسط. وبالانتقال إلى ذلك، برزت "إسرائيل" من خلال الجهود المباشرة والجانبية التي بذلها شارون ومساعدوه في اللقاءات مع جهات عربية وإسلامية في إطار عملية التطبيع التي قال العديد من المسؤولين الإسرائيليين والأميركيين بأن الظروف باتت مناسبة حالياً لدفعها إلى الأمام.
كما برز لبنان عبر مشاركة رئيس الجمهورية إميل لحود في أعمال القمة وتأكيده على احتفاظ لبنان بدوره المقاوم، ورئيس الوزراء فؤاد السنيورة الذي نشط في اللقاء الدولي من أجل لبنان، حيث تم التداول في المسائل ذات الصلة بالمساعدات الدولية في إطار إخراج لبنان من أزمته الاقتصادية، وكل ذلك في أجواء التشديد على ضرورة تطبيق القرارات الدولية المتعلقة بلبنان.
ولكن البروز الأكبر كان لإيران من خلال الخطاب الذي ألقاه رئيس جمهوريتها محمود أحمدي نجاد، وأكد فيه عدم استعداد إيران للتراجع عن حقها في متابعة برنامجها النووي السلمي، وعرضه تبادل الخبرات الفنية النووية مع البلدان الإسلامية في الشرق الأوسط وإفريقيا، الأمر الذي أثار حفيظة الولايات المتحدة وحلفائها، ودفع باتجاه تعزيز التهديد بإحالة الملف النووي الإيراني على مجلس الأمن.
ويعتقد المراقبون بأن التوجه الغربي في هذا المجال لن يفلح لأسباب عديدة في تحقيق غاياته، وبأن المقصود من إثارة القضية هو مضاعفة الضغط على إيران لأسباب تتعلق بمواقفها المعيقة للمشاريع الأميركية الإسرائيلية في المنطقة.
عقيل الشيخ حسين