ارشيف من : 2005-2008
استهداف الدبلوماسيين في العراق: معطيات ومواقف جديدة

الانتقاد / عربيات ـ العدد 1118 ـ 15 تموز/ يوليو 2005
بغداد ـ عادل الجبوري
لم يكن ايهاب الشريف حتى اختطافه من قبل الجماعات المسلحة التابعة لتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين بزعامة ابو مصعب الزرقاوي ذا اسم لامع في الاوساط الدبلوماسية الاجنبية العاملة في العراق، وخصوصا انه لم يكن قد مر اكثر من خمسة اسابيع على مجيئه الى العاصمة العراقية بعد ان رقي الى درجة سفير، وانتقل مباشرة من تل ابيب الى بغداد. ولم يكن ايضا من الاسماء البارزة في الوسط الدبلوماسي المصري، برغم انه قد يكون من العناصر الفاعلة فيه.
ولكن ما جعل منه موضع اهتمام استثنائي هو ان اسمه اقترن بتحول جديد في سياقات عمل الجماعات الارهابية المسلحة في العراق، جاء مرتبطا بملامح ومؤشرات عربية ايجابية انطلقت من مصر الدولة الاكبر عربيا باتجاه تعزيز العلاقات الدبلوماسية مع العراق بعد انتقادات واضحة وصريحة من قبل سياسيين عراقيين كبار في مقدمتهم رئيس الجمهورية جلال الطالباني للدول العربية بسبب عدم مبادرتها إلى ارسال سفراء لها الى بغداد مثلما فعلت وتفعل كثير من الدول الاجنبية.
هذا التحول الجديد ما كان من الممكن ان يطرح ويتم التركيز عليه لو ان الارهاب استهدف رئيس البعثة المصرية فقط، فبعد ثلاثة ايام فقط من اختطافه في حي العامرية الواقع غرب العاصمة بغداد، والذي يعتبر مأوى لبعض الجماعات المسلحة، عندما كان مترجلا من سيارته التي تشير لوحة ارقامها الى انها عائدة للهيئات الدبلوماسية، تعرض القائم بالاعمال البحريني في بغداد حسان مال الله الانصاري لمحاولة اختطاف عندما كان مارا بسيارته في شارع 14 رمضان بحي المنصور باتجاه مقر عمله، وفي نفس اليوم، وبعد ساعات قلائل تعرض السفير الباكستاني محمد يونس خان لمحاولة اغتيال في حي المنصور ايضا، وكان ذلك في يوم الثلاثاء قبل الماضي، الخامس من تموز/ يوليو الجاري.
الحكومة العراقية رأت في هذا التطور الخطير تحديا لها، ومحاولة لخلط الاوراق والحؤول دون قيام الدول العربية والاسلامية باستئناف كامل علاقاتها الدبلوماسية والسياسية مع العراق، لذلك سارعت، وعلى لسان رئيس وزرائها الدكتور ابراهيم الجعفري لدعوة المجتمع الدولي والعربي والاسلامي لمساعدة العراق ودعمه لدحر الارهاب الذي ثبت انه يستهدف الجميع، في نفس السياق بادر رئيس الجمهورية جلال الطالباني الى الاتصال بالرئيس المصري حسني مبارك لينقل له تعازيه ويقترح عليه عقد مؤتمر موسع لوزراء الداخلية العرب لمناقشة وبحث مخاطر موضوع الارهاب.
وعلى صعيد الساحة العراقية، ليست الحكومة وحدها التي ادانت واستنكرت عملية اختطاف وقتل السفير المصري، بل ان اوساطا سياسية بعضها قد تكون قريبة نوعا ما ـ او هكذا يبدو ـ مما يسمى بجماعات المقاومة المسلحة، ادانت واستنكرت بشدة هذا العمل واصفة اياه بالعمل الذي لا يمت بصلة الى تعاليم ومبادئ الدين الاسلامي الحنيف، وهذا هو ذات الموقف الذي عبرت عنه الاوساط السياسية الاسلامية في مصر مثل جماعة الاخوان المسلمين والازهر الشريف، التي كانت في الغالب تتجنب توجيه انتقادات للجماعات المسلحة في العراق برغم بشاعة العمليات الارهابية ضد المدنيين الابرياء.
وبما ان حملة استهداف الدبلوماسيين العرب والاجانب في بغداد تزامنت مع عدة عمليات ارهابية في العاصمة البريطانية لندن اعلن تنظيم القاعدة في اوروبا مسؤوليته عنها، فإنه كان من الطبيعي ان تكون ردود الافعال الدولية على تلك الحملة عنيفة جدا، الى جانب ذلك فإن كل دولة من الدول، وخصوصا تلك التي لها وجود عسكري في العراق، او متحالفة بشكل او بآخر مع الولايات المتحدة الاميركية ترى نفسها مستهدفة، واكثر من ذلك فإنه حتى الدول التي عارضت الحرب على العراق وتقاطعت مع واشنطن في مواقفها وما زالت، يمكن ان تكون عرضة لهجمات تستهدف دبلوماسييها ورعاياها.
وفي هذا السياق كانت مصادر خاصة قد اشارت الى ان سيارة السفير الروسي في بغداد فلاديمير شاموف تعرضت لهجوم مسلح قرب مطار بغداد غربي العاصمة بعد يوم واحد من اختطاف السفير المصري، لكنه لم يكن في داخلها.
والى جانب فرضية سعي تنظيم القاعدة الى الحؤول دون قيام الدول العربية ـ وحتى الاسلامية ـ باستئناف نشاطها الدبلوماسي في العراق، هناك فرضية اخرى يقول اصحابها ان هدف جماعات الزرقاوي كان يتمثل بالسفير المصري ايهاب الشريف فقط، ولكن استهداف الدبلوماسيين البحريني والباكستاني جاء لخلط الاوراق ليس الا.
وتستند تلك الفرضية على ما صدر من بيانات بخصوص خطف وقتل الشريف من انه مرتد ويمثل دولة متحالفة ومتعاونة مع الكفار، وهو جاسوس اميركي. وربما كان عمله السابق في "اسرائيل" دافعا قويا وراء تصفيته بسرعة دون الدخول في مساومات ومفاوضات مع الاطراف المعنية، علما ان جماعات مسلحة اختطفت صيف العام الماضي دبلوماسيا مصريا كان يعمل في سفارة بلاده في بغداد هو محمد ممدوح قطب، بيد انها اطلقت سراحه بعد عدة اسابيع اثر وساطات افضت بحسب مصادر صحفية ودبلوماسية في حينه الى دفع كميات من الاموال للجماعة الخاطفة.
الى جانب ذلك فإن هناك من يقول ان السفير المغدور كان على اتصال بجماعات مسلحة، ومجرد ذهابه الى منطقة تعتبر خطيرة وبدون ترتيبات امنية كافية يوحي بذلك، لكن يبدو ان تلك الجماعات اوقعته في الفخ.
ولعل وزير الداخلية العراقي باقر جبر صولاخ اشار ضمنا الى هذه المسألة بقوله في تصريحات صحفية له بما معناه "لدينا معلومات عن ان هناك دبلوماسيين لديهم اتصالات مع الارهابيين ونحن غير مسؤولين عن اية اثار او نتائج تترتب على مثل تلك الاتصالات".
على اي حال فإن عملية استهداف الدبلوماسيين بهذه الصورة، بصرف النظر عن دوافعها واسبابها ومبرراتها الحقيقية، التي ربما كانت كل التي اشرنا اليها مجتمعة، مثلت متغيرا مهما وحساسا وخطيرا على الساحة السياسية العراقية، لكنه كهم لا بد ان يتجاوز حدود الواقع العراقي ليشغل بال الاخرين من القريبين للعراق، وكذلك البعيدين عنه. والحقيقة التي تفرض نفسها انه في حسابات السياسة والسياسيين يختلف كثيرا استهداف دبلوماسي ما، سفيرا كان او ما دونه عن استهداف مواطن عادي طفلا كان ام امرأة ام شيخاً كبيراً، برغم ان الجميع بشر وطريقة استهدافهم بعيدة كل البعد عن المعايير والاعتبارات الانسانية والاخلاقية والدينية.