ارشيف من : 2005-2008

الانتخابات المبكرة في ألمانيا : هروب شرودر إلى الأمام

الانتخابات المبكرة في ألمانيا : هروب شرودر إلى الأمام

العدد 1117 ـ 8 تموز/يوليو 2005‏

أثارت التطورات التي حصلت على الساحة الداخلية الألمانية تساؤلات عدة حول مستقبل السياسة الخارجية الألمانية وعلاقات وحضور هذا البلد في أكثر من ملف إقليمي ودولي ساخن، وخاصة أن هذه التطورات قد تفضي إلى مجيء المعارضة إلى الحكم في برلين، وهي المعروفة بمخالفتها لعدد من المواقف والتوجهات التي اعتمدها المستشار الحالي غيرهارد شرودر وخاصة تلك المتعلقة بالإتحاد الأوروبي والحروب الأميركية في أكثر من منطقة في العالم، بالإضافة إلى العلاقة مع العالمين العربي والاسلامي.‏

بداية ما الذي حصل؟‏

في الثاني والعشرين من شهر أيار/ مايو الماضي خسر الحزب الديمقراطي الاشتراكي (يشكل مع حزب الخضر الائتلاف الحاكم برئاسة غيرهارد شرودر) الانتخابات المحلية في معقله الرئيسي والتاريخي في ولاية شمال الراين ـ ويستفاليا عندما تمكن منافسه المعارض الحزب المسيحي الديمقراطي بزعامة أنجيلا ميركل من السيطرة على مجلس الولاية وهي كبرى الولايات الألمانية من حيث عدد السكان (17 مليون نسمة) ما شكل هزيمة قاسية جدا لشرودر وحزبه، وخاصة أن هذه الولاية كانت معقلا دائما للاشتراكيين الديمقراطيين. وجاءت هذه الخسارة تتويجا لسلسلة هزات تعرضت لها حكومة شرودر على خلفية السياسة الاقتصادية الداخلية والفشل في تطبيق الاصلاحات ضمن خطة "أجندة 2010" لإخراج ألمانيا من حالة الركود، كما أن نسبة البطالة ارتفعت في عهد هذه الحكومة لتصل هذه السنة إلى حدود 5.2 مليون عاطل عن العمل، ما زاد من الضغوط الشعبية التي استغلتها المعارضة وحققت بواسطتها عدداً من النجاحات في انتخابات مجلس الولايات المكوّنة للاتحاد الألماني، إذ باتت تسيطر عليه وأصبح لديها القدرة على إعاقة أي خطة للحكومة الاتحادية.‏

إزاء هذا الوضع ضاقت مساحة المناورة أمام المستشار الألماني الذي بات عليه أن يختار إما الاستقالة وإما التعايش مع هذا الوضع المحكوم بشلل حكومي حتى خريف العام المقبل موعد الانتخابات البرلمانية، وإما التقدم بطرح الثقة بحكومته أمام البرلمان وعدم نيلها، فيدفع الرئيس الألماني هورست كولر إلى حل البرلمان وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة، وهذا ما يحصل حاليا، فقد طرح شرودر الثقة بحكومته في الأول من هذا الشهر ولم ينلها، وهكذا أصبحت ألمانيا بانتظار قرار الرئيس كولر الذي يعطيه الدستور مهلة واحد وعشرين يوما لاتخاذ القرار بحل البرلمان أو عدمه.‏

وفي حال تم حل البرلمان وهو المتوقع فإن الانتخابات ستجري مبدئيا في أيلول/ سبتمبر القادم، ولكن ذلك لا يعني أن الفوز مضمون لشرودر، بل إن بعض استطلاعات الرأي تؤكد أن الانتخابات المبكرة ستوصل الحزب الديمقراطي المسيحي بزعامة انجيلا ميركل إلى السلطة، وبالتالي فإن ألمانيا ستشهد وللمرة الأولى في تاريخها وصول امرأة إلى منصب المستشار فضلا عن كون ميركل من ألمانيا الشرقية سابقا، وهي سابقة أيضا منذ إعادة توحيد ألمانيا.‏

ومن هنا تبدأ التحليلات والتوقعات حول المنحى الجديد الذي ستتبعه ألمانيا في تعاملها مع الملفات الخارجية والقضايا الدولية، فألمانيا في عهد شرودر برزت كقوة في المحور الثلاثي الفرنسي الروسي الألماني المناهض للسياسات الأميركية المتبعة في ما تسميه واشنطن بـ"الحرب على الارهاب"، وهي رفضت بشدة الحرب الأميركية على العراق، وهو موقف أتاح لحزب شرودر البقاء في الحكم في العام 2002، كما تخالف برلين واشنطن بطريقة التعامل في الملف النووي الايراني حيث ترفض حل هذه المسألة من خلال مجلس الأمن كما تريد إدارة بوش، وشرودر كان من أشد الداعمين لسياسة تقوية الاتحاد الأوروبي إذ شكل مع فرنسا العمود الفقري لتطوير هذا الاتحاد وجعله قوة مناوئة للقوة الأحادية الأميركية، وهو دعم بقوة انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وخلال وجوده في السلطة عمل شرودر على تحسين علاقات بلاده مع العالمين العربي والاسلامي بحيث صارت ألمانيا تحظى بنوع من الاحترام في هذين العالمين.‏

أما كيف تكون ألمانيا في ظل حكم الحزب الديمقراطي المسيحي فهو يبقى رهن وصول هذا الحزب إلى السلطة، ولكن هناك مؤشرات تبدو غير مشجعة. فهذا الحزب أيّد حرب بوش على العراق كما أنه يرفض بقوة انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي ويعتبر ذلك بمثابة المس بالجذور اليهودية ـ المسيحية للقارة الأوروبية، ويشكل خطرا كبيرا على هويتها، إذ ونظرا لتعداد سكان تركيا الضخم فإن انضمامها سيكون معناه "أسلمة أوروبا".‏

وكتعريف لهذا الحزب يصف نفسه بأنه محافظ وملتزم بجذور أوروبا التاريخية، لكن المحللين يثيرون تساؤلات حول درجة التزامه بهذا الوصف حيث يتهمه البعض باستعمال الدين كورقة جذب للناخب الألماني، وبأنه يتبنى سياسات تتناقض كليا مع هويته المسيحية والتعريف الذي يضعه لنفسه بأنه يملك "مفهوما سياسيا قائما على الديانة والقيم المسيحية وعلى مسؤولية الفرد أمام الله"، لكنه يؤيد على سبيل المثال استخدام تقنية استنساخ الأجنة التي ترفضها الكنائس، وبرنامجه الاقتصادي لا يراعي واجب مد يد العون للفقراء والعاطلين عن العمل وفقا للتصورات الكاثوليكية، علاوة على أنه أيّد الحرب على العراق قبل أكثر من عامين، كل ذلك دفع الكثير من المتدينين المسيحيين إلى مطالبته بالتخلي عن صفة المسيحية في اسمه لأنه يستخدمها كواجهة لاستقطاب الناخبين المحافظين، كما دفع بكثير من المتابعين إلى التساؤل حول مقدرته وأهليته كقدوة لضم الحركات الاسلامية إلى العملية السياسية.‏

يقولون في ألمانيا إن التصدعات تبدأ بالظهور بعد مرور سبع سنوات على الزواج، فهل يصدق هذا المثل اليوم بعد سبع سنوات من حكم ائتلاف الحزب الديمقراطي الاشتراكي وحزب الخضر، فيضطر شرودر إلى تسليم كرسي المستشار إلى غريمته ميركل؟.. الجواب يبقى في عهدة الناخب الألماني.‏

محمد يونس‏

2006-10-28