ارشيف من : 2005-2008

قمة الثماني في اسكوتلندا:الفقراء يحصلون على مساعدات بمئات المليارات، أي على لا شيء

قمة الثماني في اسكوتلندا:الفقراء يحصلون على مساعدات بمئات المليارات، أي على لا شيء

الانتقاد / دوليات ـ العدد 1118 ـ 15 تموز/ يوليو 2005‏

في السادس من تموز/ يوليو افتتحت القمة، وفي الثامن منه اختتمت أعمالها، وبينهما السابع الذي وقعت فيه تفجيرات لندن، في الوقت الذي كانت قمة الدول الصناعية الثماني برئاسة طوني بلير تدخل يومها الثاني. وكان الواضح أن منفذي العملية قد اختاروا التوقيت بدقة في عزّ أفراح بلير المتتالية منذ فوزه بولاية ثالثة في رئاسة الحكومة، وتوليه رئاسة الاتحاد الأوروبي للفترة بين أول تموز/ يوليو وآخر كانون الأول/ ديسمبر، حيث سيضطلع بمهام أبرزها محاولته غير الموثوق بحياديتها وجديتها في جبر ما كسر من الاتحاد الأوروبي، وبعد يومين من فوز لندن في عهده باستقبال أولمبياد العام 2012. وإذا كان من الممكن اعتبار التفجيرات غير مفجعة بالنسبة الى بلير، فيما لو كانت هنالك برمجة لمشاريع هجومية كتلك التي تلت الهجمات على نيويورك وواشنطن، فإن القول يصبح ممكناً بأن السعادة التي غمرت الرئيس بوش للنتائج الهزيلة التي حققتها قمة الثماني كانت مشتركة بينه وبين بلير بقدر استعجالهما في إعطاء الأولوية للكلام في موضوع الإرهاب على حساب الملفين الأساسيين المطروحين للنقاش: مشكلة المناخ ومشكلة الفقر. فالعبارة التي لمعت في القمة وقارنت بين الخير المتمثل بزعماء يعملون على حل مشكلات البيئة والفقر والمرض في العالم، والشر المتمثل بأناس يقتلون المدنيين الأبرياء، وردت بحرفيتها على لساني الرئيسين، وسمحت بطرح مشروع في القمة لوضع اتفاقية دولية لمكافحة الإرهاب. أما مشكلة المناخ فلم يسجل أي تقدم بشأنها، في ما خلا بعض الجمل الفارغة، وذلك برغم حماسة الرئيس شيراك المدعوم من المستشار شرودر للاهتمام ببروتوكولات كيوتو التي ظلت واشنطن مصرة على عدم توقيعها. لا بل يمكن القول إن الملف سجل تراجعاً ملموساً، حيث دخلت في البيان الختامي عبارة فرضها الأميركيون، وتضمنت ـ برغم المعطيات العلمية ـ تشكيكاً صريحاً بصحة تلك المعطيات.‏

أما بالنسبة الى الفقر، فقد اتفق الزعماء على مضاعفة حجم مساعدات التنمية من خلال التعهد برفعها من خمسين إلى مئة مليار دولار حتى العام 2010، مع تخصيص نصف الزيادة للقارة الأفريقية. وتشكل هذه المبالغ الحد الأدنى المطلوب لتحقيق أهداف الألفية المتبناة من قبل الأمم المتحدة، التي تقضي بتقليص عدد الفقراء في العالم إلى النصف في حدود العام 2015. ولكن هذه الخطوة التي أجمع المؤتمرون على وصفها بالضخمة، ظلت قاصرة عن دفع المؤتمرين إلى القبول بالمبدأ المطروح منذ عقود، والقاضي بأن تخصص الدول الغنية 0.7% من ناتجها الخام لمساعدات التنمية. وتأتي الولايات المتحدة في طليعة المعارضين لتطبيق هذا المبدأ، اذ لا يتجاوز الإسهام الأميركي 0.16% من الناتج الأميركي الخام، الأمر الذي برره بوش قائلاً: إن أفريقيا تعجز عن استيعاب الكمية الهائلة من الأموال التي ستتدفق إليها اذا ما طُبّق المبدأ المذكور!‏

وحتى الفكرة المحببة للرئيس شيراك (ضريبة دولار واحد على كل بطاقة سفر بالطائرة لتوفير 3 مليارات دولار سنوياً يمكن استخدامها في معالجة المصابين بالإيدز) ظلت هامشية، شأن الفكرة المبتكرة الأخرى المعروفة بضريبة توبين (دولار من ألف على المضاربات المالية العالمية)، وهما الفكرتان اللتان وصفهما الرئيس بوش باللاواقعية.‏

وإذا كان الأمر كذلك بالنسبة الى هاتين الضريبتين، فكيف فاض الكرم بكل تلك المليارات الموعودة؟ بعضهم يقول إن الأمر مجرد وعود.. والبعض الآخر يقول إن ما يعطى للفقراء بالشمال يؤخذ منهم مضاعفاً مرات ومرات بالشمال واليمين. بدليل أن مشكلات الفقر والإيدز وغيرها ستكون أكثر تفاقماً بعد العام 2015 اذا ظل العالم وظل من يسمونهم بـ"أسياد العالم" ممسكين بخناق العالم.‏

ع.ح.‏

2006-10-28