ارشيف من : 2005-2008

العراقيون سنّة وشيعة يئدون فتنة الزرقاوي في مهدها

العراقيون سنّة وشيعة يئدون فتنة الزرقاوي في مهدها

العدد 1117 ـ 8 تموز/يوليو 2005‏

بغداد ـ "الانتقاد"‏

البيان الذي أصدره الأردني أبو مصعب الزرقاوي قائد تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين قبل اسبوعين، وأعلن فيه صراحة ان الهدف الأساس لتنظيمه هو قتل الشيعة وتصفيتهم قبل ـ أو من دون ـ الأميركان، جاء متزامناً مع تسريبات لوسائل إعلام غربية وعربية وأوساط سياسية عراقية، عن وجود محادثات ومفاوضات بين "جماعات المقاومة المسلحة" في العراق من جهة والولايات المتحدة الأميركية من جهة أخرى.‏

وكذلك أتبع هذا البيان ـ الإعلان ـ الخطير بتفجيرات دموية في مناطق تقطنها أغلبية شيعية في العاصمة بغداد، هي الشعلة (شمال غرب)، والكرادة (جنوب شرق)، إذ إن الأخيرة استقبلت صباح يوم الخميس (23-6-2005) بتفجير ثلاث سيارات مفخخة في الوقت نفسه، وفي أحد شوارعها الرئيسية الذي غالباً ما يعج بالزحام منذ ساعات الصباح الأولى. وقد ترافقت تلك التفجيرات مع ذكرى ولادة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (ع).‏

البعض اعتبر الرسالة واضحة ولا تحتمل كثيراً من التأويل وتقليب الأمور لاستنباط واستكشاف خفاياها.. بل وأكثر من ذلك، رأى هذا البعض ان بيان الزرقاوي الجديد لم يأتِ في واقع الأمر بجديد من الناحية العملية، بقدر ما مثّل اعترافاً وإقراراً أكثر صراحة من قبل، حيث إن تنظيم القاعدة اعترف بعمليات عديدة استهدفت خلال العامين الماضيين رموزاً وشخصيات شيعية، فضلاً عن عموم الناس من أتباع ذلك المذهب.‏

والمهم في هذا الأمر أنه أفرز تطابقاً أكثر في وجهات النظر وردود الأفعال بين الأوساط الشيعية والسنية معاً.‏

وطبيعي ان الأوساط السياسية والدينية الشيعية يجب ان تكون ردود أفعالها ومواقفها حادة وعنيفة، باعتبار ان الدعوات الى قتل أبناء الطائفة نساءً وأطفالاً وشيوخاً وشباباً وتصفيتهم، باتت صريحة وواضحة أكثر من أي وقت مضى.‏

وهذه الأوساط ترى من خلال رموزها الكبار ان هناك جهتين لهما مصلحة في تنفيذ مخطط من هذا القبيل، الأولى بقايا النظام السابق من البعثيين المجرمين ـ بحسب وصف هؤلاء الرموز ـ الذين شعروا بإفلاسهم الكامل بعد الإطاحة بنظام صدام.. والجهة الأخرى تتمثل بالجماعات التكفيرية الظلامية التي تنظر الى أتباع المذهب الشيعي على أنهم مارقون وخارجون عن الدين ويجوز ـ إن لم يجب ـ قتلهم. وفي هذا السياق يقول رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق وزعيم كتلة الأغلبية في الجمعية الوطنية العراقية السيد عبد العزيز الحكيم: "لقد كشف الزرقاوي المجرم والمفسد في الأرض وأعوانه والداعمون له من الطائفيين وأيتام النظام الصدامي المقبور والتكفيريين، عن وجههم القبيح أكثر فأكثر باستهدافهم المدنيين الأبرياء من أتباع آل البيت عليهم السلام".‏

ويضيف الحكيم قائلاً: "لقد أعلنت هذه المجموعة الإجرامية صراحة وعلى الملأ العام حربها الطائفية ضد الشيعة في العراق، وأصدرت فتاويها التكفيرية بوجوب قتل المسلمين من أتباع آل البيت (ع)، بعد ان كانوا يتسترون طيلة الفترة السابقة وراء عناوين ومدّعيات مواجهة الاحتلال والمتعاونين معه.. أما اليوم فإنها تحكم بالموت على أغلبية الشعب العراقي بحجة الدفاع عن "السنّة الشرفاء".‏

وبالاتجاه ذاته تحدث آخرون من رموز وقيادات الأوساط الشيعية، في الوقت نفسه الذي بدا الاتجاه العام يتمحور حول ضرورة تجنب الانزلاق وراء مواجهة مع أبناء التيار أو التيارات الأخرى مثلما هو مخطط.‏

ولأن الزرقاوي تحدث هذه المرة في بيانه حول قضية الدفاع عن السنة، معتبراً أن قتل الشيعة يأتي ضمن هذا الاتجاه، فقد وجدت الواجهات السنية العراقية أنه لا بد لها من الرد على ما قيل.. ومن هنا فإن هيئة علماء المسلمين التي غالباً ما يثار الجدل بشأن مواقفها الغامضة وخطابها "التحريضي"، سارعت الى إصدار بيان ـ أشبه بالفتوى ـ استنكرت فيه التفجيرات التي حدثت في منطقة الكرادة وأودت بحياة عشرات الأبرياء، وأكدت بتعبيرات واضحة الى حد كبير أنها تحرّم قتل الشيعة لا لشيء إلا لكونهم شيعة، وترى أنهم جزء من أبناء هذا الوطن. ورأت ان عمليات المقاومة اذا كانت تستهدف قوات الاحتلال فذلك أمر مقبول، ولكن اذا كانت تستهدف أي طائفة او فئة من مكونات الشعب العراقي فهذا أمر آخر.‏

أما ديوان الوقف السني الذي يمثل أحد أبرز الواجهات السنية الدينية، فقد أوعز الى خطباء المساجد التي يتولى الإشراف عليها لتناول هذا الموضوع وإبداء موقف رافض له.. وبطريقة واضحة جداً أعلن الشيخ أحمد عبد الغفور السامرائي إمام وخطيب جامع أم القرى، أبرز المساجد السنية في العاصمة بغداد، ان الغاية من العمليات الانتحارية هو خلق فتنة طائفية بين مكونات الشعب العراقي، مؤكداً "أننا سندافع عن كل عراقي شيعياً كان أو سنياً، عربياً أو كردياً". وفي الوقت نفسه اعتبر إمام وخطيب جامع الحضرة الكيلانية الشيخ محمود جراد، ان ما يجري من عمليات قتل لا تخدم سوى أعداء الدين وأعداء الشعب العراقي. داعياً الى عدم الانجرار وراء الفتنة العمياء التي هي أشد من القتل، حسب تعبيره.‏

وفيما بعد، فإن اغتيال الشيخ كمال الدين الغريفي أحد أبرز وكلاء وممثلي المرجع الديني الكبير آية الله العظمى السيد علي السيستاني في العاصمة بغداد يوم الخميس الماضي قوبل بردود فعل متماثلة تقريباً في الأوساط الشيعية والسنية على السواء.‏

ولعل القراءات التحليلية التي تبدو على قدر كبير من الواقعية والموضوعية، تذهب الى ان تقارب مواقف كلا الطائفتين الرئيسيتين في العراق لا بد من أن يساهم بمستوى معين في لجم الإرهاب، في الوقت الذي ربما يدفع الجماعات الإرهابية في ظل تخبطها الى بذل المزيد من الجهود لخلط الأوراق، من خلال استهداف الرموز والشخصيات المعتدلة في الأوساط السنية، لكن على مدى بعيد. ووفقاً لتلك القراءات، فإن تقارب المواقف هذا وتطابقه يمكن ان يساهم الى حد كبير في درء واحتواء عناصر ومقومات أي فتنة طائفية في العراق.‏

ويشير أحد السياسيين في الحزب الإسلامي العراقي (تيار سني) ـ طلب عدم الكشف عن هويته ـ الى أننا نحن السنة بالإمكان ان نساهم في إعادة الأمور الى وضعها الطبيعي من خلال تبني سياسات واقعية. وقد ظهرت بوادر ذلك عبر المشاركة في لجنة كتابة الدستور، وتزايد الدعوات داخل الأوساط والمحافل السنية الى الدخول الفعلي والحقيقي في العملية السياسية بالمشاركة في الاستفتاء القادم، وكذلك في الانتخابات التي سوف تليه. وقد مثل عدم مشاركتنا في الانتخابات السابقة خطأً كبيراً أدركناه في وقت متأخر".‏

ويضيف هذا السياسي: ان ما يسمى بالمقاومة أساءت الينا، لأن دعاتها ينطلقون من منطلقات طائفية، وهذا ما يفهم منه أننا نقف في صفهم ونؤيدهم بالكامل.. بينما الواقع ليس كذلك، اذ إننا نؤيد من يسعى الى إنهاء الاحتلال، وليس من يستهدف الأبرياء، أياً كان انتماؤهم المذهبي والطائفي.‏

وبالفعل كلما كانت المشاركة السنية فاعلة في العملية السياسية، وكلما كانت مواقف الأطراف السنية واضحة وشفافة حيال الإرهاب الذي يستهدف المدنيين، فإن الأمور ستسير سيراً حسناً، مما يمهد لجلاء قوات الاحتلال بأقل قدر من الخسائر والاستحقاقات، وإن استغرق وقتاً.‏

2006-10-28