ارشيف من : 2005-2008

بين أجواء التشاؤم والتفاؤل:هل تكفي سبعة أيام لتجنب أزمة دستورية في العراق؟

بين أجواء التشاؤم والتفاؤل:هل تكفي سبعة أيام لتجنب أزمة دستورية في العراق؟

الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1123 ـ 19 آب / أغسطس 2005‏‏‏

بغداد ـ عادل الجبوري‏‏‏

اتصلت عصر يوم الاثنين الماضي، الخامس عشر من اب/ اغسطس الجاري، حيث لم يتبق سوى ساعات قلائل على موعد انعقاد الجمعية الوطنية العراقية (البرلمان) لايضاح ملابسات مسودة الدستور الدائم، بأحد اعضاء الجمعية عن كتلة الائتلاف العراقي الموحد لاستوضح منه اخر المستجدات، وكان من بين ما قاله لي "ان الجمعية الوطنية ستقوم بتمديد المهلة المقررة لاقرار مسودة الدستور من قبلها لمدة عشرة ايام وفق المادة الثالثة من قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية (الدستور الموقت)، وهذا ما اتفق عليه قبل وقت قصير قادة الكتل السياسية بعد ان وجدوا انه من غير الممكن حسم القضايا الخلافية خلال السويعات المتبقية امامهم".‏‏‏

وبالفعل فقد تبين فيما بعد أن ما قاله النائب في البرلمان العراقي، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه صحيح في اطاره العام، وبعد بدء وقائع اجتماع الجمعية الوطنية في الساعة الحادية عشرة مساءً بتوقيت بغداد، بوقت غير طويل، تلا رئيس الجمعية الدكتور حاجم الحسني الصيغة المقترحة للتمديد، طالباً التصويت عليها، وكما كان متوقعا صوت اعضاء الجمعية الحاضرون وعددهم 237 بالاجماع على التمديد لسبعة ايام، وليس لعشرة ايام.‏‏‏

ولعل القراءات التحليلية المسبقة لمسارات التفاوض ذهبت في معظمها الى ان الحسم خلال الفترة المقررة يبدو مستبعداً، وكانت تلك القراءات التحليلية مستندة الى معطيات واضحة، وان كان هناك غموض فهو في التفاصيل والجزئيات.‏‏‏

وبعد مستجدات ليلة الاثنين وما كشفت عنه من حقائق ووقائع، بدا للبعض ان الامور أكثر تعقيداً مما هو مطروح ومعلن، ولا سيما ان الاشكالية القائمة تتمثل في ان هناك اتفاقا وتوافقا على المبادئ العامة والكليات، يقابله اختلاف وتقاطع وتضاد في قدر غير قليل من التفاصيل والجزئيات التي ترتبط ببعض المفردات والمفاهيم من قبيل "تصون" او "تحترم"، "مصدر للتشريع" او "المصدر الاساسي للتشريع"، وما الى ذلك..‏‏‏

بعبارة اخرى هناك نظرة تشاؤمية يذهب اصحابها الى ان فترة التمديد تبدو قليلة جدا مقارنة بحجم الاختلافات وطبيعة القضايا موضع الاختلاف بين الاطراف الثلاثة، الشيعة والسنة والاكراد، لان تلك الاختلافات تتمحور أساسا حول قضايا مصيرية قد يرى كل طرف انه من غير المنطقي تقديم تنازلات بشأنها، مثل علاقة الدين بالدولة، وتوزيع الثروات، واسم الدولة، والفيدرالية، وحقوق المرأة.‏‏‏

واصحاب النظرة التشاؤمية ينطلقون من حقيقة ان الاختلافات والتقاطعات في التفاصيل والجزئيات تتطلب من جانب وقتا طويلا من الجدل والبحث والنقاش، ومن جانب اخر يمكن ان يكون الامر في بعض الاحيان عبارة عن دوران متواصل في حلقة مفرغة لا يفضي الا الى استنزاف الوقت والجهد معا.‏‏‏

ولعل الملاحظ ان الذين يتعاطون مع الواقع بتشاؤم هم اما بعيدون لسبب او لاخر عن المشاركة الفعلية في حمى المفاوضات الدستورية، او انهم من الذين لا يرغبون ـ ارتباطا بمصالحهم وحساباتهم ـ باجتياز هذه العقبة الكأداء، او انهم قريبون جدا من مجريات الوقائع ويرون ان كفة التشاؤم تفرض في كل الاحوال نفسها على كفة التفاؤل، حتى ان قادة الكتل السياسية وشخصيات سياسية تمثل قوى رئيسية في البرلمان العراقي ومن خارجه، تقر بكل ما يقال من اختلافات وتقاطعات، بيد انها تحرص على تجنب تهويلها وتضخيمها الى الحد الذي يوحي بأن هناك كارثة كبرى على وشك الوقوع.‏‏‏

وقد بدا ذلك واضحا من خلال ما تحدث به كبار السياسيين، كرئيس الجمهورية جلال الطالباني، ورئيس الوزراء ابراهيم الجعفري، ونائب رئيس الجمهورية عادل عبد المهدي، واخرون غيرهم بعد جلسة الجمعية الوطنية مساء الاثنين، وهم بلا شك يمثلون وجهات النظر الرسمية التي من الطبيعي جدا انها تصاغ وتطرح بلغة دبلوماسية هادئة وشفافة، وفي ذات الوقت يمثلون مفاصل الاتجاه التفاؤلي من خلال رؤية عامة شاملة تتمثل بما يلي:‏‏‏

- ان تمديد مهلة كتابة مسودة الدستور واقراره من قبل الجمعية الوطنية يعد الخيار الانجع والاسلم لتجنب ازمة سياسية يمكن ان تدفع البلاد الى منزلقات خطيرة.‏‏‏

- ان الاختلافات والتقاطعات امر طبيعي يعكس حالة التنوع والتعدد السياسي والقومي والمذهبي والفكري والطائفي في المجتمع العراقي، ومناخات الحرية.‏‏‏

- ان صياغة دستور دائم خلال شهور قلائل وعلى خلفية ازمات ومشاكل وكوارث كبرى خلفها النظام السابق تمثل انجازا تاريخيا مهما، مقارنة بالوقت الطويل الذي استغرقته مجتمعات اخرى لكتابة دساتيرها واخراجها في نهاية المطاف بصورة نموذجية مثالية.‏‏‏

فضلا عن ذلك كله فإن هؤلاء الزعماء يتحدثون ويؤكدون بثقة عالية "ان فترة التمديد كافية لحسم الامور العالقة، ولو قدرنا ان هناك حاجة لوقت اطول لطالبنا بذلك".‏‏‏

وفي كل الاحوال ستبقى الصورة غامضة لعدة ايام حتى يتبين الخيط الاسود من الخيط الابيض كما يقولون، او كما قال سياسي عراقي "علينا ان ننتظر ونراقب لعلنا نرى الدخان الابيض في اقرب وقت"!. وليتضح فيما اذا كان المتشائمون على حق ام المتفائلون.‏‏‏

2006-10-28