ارشيف من : 2005-2008

السعودية في عهدة الملك عبد الله: اصلاحات داخلية حذرة و"الارهاب" والنفط حجر الزاوية مع واشنطن

السعودية في عهدة الملك عبد الله: اصلاحات داخلية حذرة و"الارهاب" والنفط حجر الزاوية مع واشنطن

الانتقاد / عربيات ـ العدد 1121 ـ 5 آب/أغسطس 2005‏‏

مع تولي الملك السعودي الجديد عبد الله بن عبد العزيز مقاليد الحكم رسميا في البلاد يوم الاربعاء الماضي بعد مبايعته من قبل الامراء وممثلي القبائل، تدخل السعودية مرحلة جديدة يتم تناولها هذه الايام بكثير من التحليل والتكهنات في ضوء التحديات التي تواجه الوفد الجديد ـ القديم داخلياً وخارجياً.‏‏

مجمل التقديرات التي يتم تداولها هو ان ما شهدته المملكة عبارة عن عملية انتقال سلسة للسلطة انسجاماً مع المبدأ المعمول به منذ انشائها عام 1932 وهو تعيين الملك وولي العهد مسبقاً، حيث سارت الامور على هذا النحو باستثناء خرقين ان صح التعبير قطعا السياق التقليدي، وهو اعلان هيئة كبار العلماء ـ المكلفة اعلان شرعية انتقال السلطة ـ عام 1964 أن حالة الملك سعود بن عبد العزيز لا تؤهله للحكم، وذلك بعد ست سنوات من الخلافات العائلية الداخلية، وتم حينها مبايعة أخوه الامير فيصل ملكا للبلاد. والخرق الثاني حصل مع الاخير الذي اغتيل على يد احد افراد العائلة المالكة عام 1975، لينتقل الحكم من بعده الى شقيقه الملك خالد، ومن ثم الى الملك فهد عام 1982، ومن ثم لولي عهده الامير عبد الله.‏‏

لكن الاخير دخل حيز الحكم الملكي الفعلي عام 1995 منذ اصابة الملك فهد بجلطة اقعدته عن ممارسة صلاحياته بشكل واسع، تاركاً لاخيه عملياً تولي مقاليد السلطة بمجالاتها المتعددة، حيث وضع بصماته على سياسة المملكة، وعُزيت كثير من التحولات اليه، لكن دون ان يغيب الملك عن المشهد السياسي عموماً.‏‏

اذاً منذ انشائها لم يتولّ السلطة سوى الملك عبد العزيز وخمسة من ابنائه، وآخرهم عبدالله وهو الابن الثالث عشر بين اربعة واربعين ابناً لمؤسس المملكة. وعلى عكس فهد فإن الملك عبدالله ليس من السديريين السبعة الذين يتمتعون بالنفوذ، وهم ابناء عبد العزيز من زوجته المفضلة حصة السديري، وهم الى الراحل فهد، ولي العهد الجديد الامير سلطان الذي يشغل منذ فترة طويلة منصب وزير الدفاع والنائب الثاني لرئيس الوزراء، والامير نايف وزير الداخلية، والامير سلمان امير منطقة الرياض التي تشكل القاعدة السياسية للعائلة المالكة.‏‏

وهناك ثلاثة امراء ليس لهم ظهور علني كبير، هم الامير احمد نائب وزير الداخلية، والامير عبد الرحمن نائب وزير الدفاع، والامير تركي الذي أجبر على الاستقالة من منصبه نائباً لوزير الدفاع بعد خلاف عائلي، ويعيش حاليا في القاهرة.‏‏

وليس للملك عبد الله وهو في الحادية والثمانين من العمر سوى اخوة غير اشقاء في العائلة المالكة، الامر الذي يعتبره دبلوماسيون قيداً على نفوذه. فيما كان للملك‏‏

فهد الراحل ستة اشقاء يتمتعون بنفوذ جماعي كبير، ويمكن ان يقفوا صفا واحدا في اجتماعات العائلة. ولتسوية الخلافات بين الاسرة الحاكمة التي تعد نحو خمسة وعشرين الف شخص بينهم مئتا امير يمارسون نفوذا سياسياً تم في حزيران/يونيو 2000 انشاء مجلس من 18 عضوا يضم اشد افراد الاسرة الحاكمة نفوذا ويترأسه الملك عبد الله.‏‏

واذا كان انتقال السلطة حافظ على تقليديته حيث خلف ولي العهد الملك الراحل، فإن ثمة آلية جديدة ارساها الملك فهد ألقت بظلال من الشك على آلية الخلافة، عندما اعتمد سنة 1992 قانونا اساسيا يفتح نظريا باب تولي مقاليد الحكم لاحفاد مؤسس المملكة، اضافة الى ابنائه، اذ انه نص على تعيين "الاكثر اهلية" من ابناء واحفاد الملك عبد العزيز ملكاً من دون توضيح آلية هذا التعيين بدقة. ويفتح هذا القانون المجال امام صراع محتمل على السلطة، خصوصاً في ظل وجود عدد كبير من الاحفاد الذين بات يمكن نظرياً لهم ان يتولوا السلطة على حساب الاشقاء والاخوة غير الاشقاء الثلاثة والعشرين للملك الراحل الذين لا يزالون على قيد الحياة.‏‏

وبرغم ان مصادر مقربة من العائلة الملكية ذكرت ان كل الامراء اجمعوا على ان‏‏

ابناء عبد العزيز يتوالون على الخلافة حسب تسلسل ولادتهم قبل افساح المجال امام الاحفاد، الا انه نظراً لتقدم اغلب ابناء الملك عبد العزيز في السن، يتوقع المراقبون ان تشهد المملكة تعاقبا في الملوك في السنوات المقبلة.‏‏

وبموجب القانون يشغل العاهل السعودي أيضا منصب رئيس الوزراء، وله حق تعيين ولي العهد، ويمكن أن يعفيه من مسؤولياته بموجب مرسوم ملكي، ووفقا لقواعد الخلافة غير الرسمية فإن الملك الجديد يختار أخا اخر ليكون نائبا لولي العهد والثالث في خط الخلافة، وتنحصر المنافسة على هذا المنصب بين الامير نايف (72 عاماً) وزير الداخلية والامير سلمان (69 عاماً) أمير منطقة الرياض. وهما من السديريين كما ورد آنفاً. ومن غير المعروف ما اذا كانت هذه المسألة ستشكل عقبة خفية في وجه الملك عبد الله، الذي يواجه منافسة من ولي عهده الطامح الى اللقب برغم انه كبير في السن (81 عاماً ايضاً) ويعاني من المرض، معتمداً في ذلك على نفوذه القوي في الجيش الذي يعد نحو مئة الف، والذي انفق عليه حوالى مئة مليار دولار لتجهيزه بأفضل الاسلحة والتقنيات العسكرية. في حين ان قاعدة الملك الجديد الشعبية ترتكز على 75 ألفا من قوات الحرس الوطني الذي تولى قيادته منذ عام 1962، ومعظم هؤلاء من اصول بدوية ومشهود لهم بالولاء المطلق، وهم مكلفون خصوصا حراسة المنشآت الرئيسية ولا سيما النفطية منها وافراد الاسرة الملكية. كما انه يحظى بنفوذ واسع لدى الجماعات الدينية والقبلية يساعده في رصيده سلوكه العام البعيد عن الترف والبذخ، خلاف اشقائه الآخرين.‏‏

اما التحدي الداخلي الآخر الذي يواجهه الملك عبد الله فهو الحرب الشرسة التي اعلنها تنظيم القاعدة بزعامة اسامة بن لادن على العائلة المالكة لاطاحتها بعدما اتهمها بالعمالة للغرب، واطلق موجة تفجيرات ضد اهداف اجنبية ومحلية منذ العام الفين وثلاثة أودت بحياة 90 مدنيا و42 عنصرا من قوى الامن، اضافة الى مصرع 113 من التنظيم. ومع ان الولايات المتحدة سحبت عقب غزو العراق عام 2003 فعليا جميع قواتها من السعودية وأنهت وجودها العسكري الذي يرجع الى 1990 والذي ساعد بن لادن على تعبئة انصاره ضد الاسرة الحاكمة، فإن بن لادن يعتبر الملك عبدالله "خائناً" للعرب والاسلام وذلك بسبب طرحه مبادرة للتسوية مع "اسرائيل" عام الفين واثنين. وبرغم شراسة الحملة التي يقودها ضد هذا التنظيم فإن الملك الجديد يتوقع حرباً طويلة معه، ولذلك عمل على اعادة ضخ الحياة في العلاقات الاميركية السعودية ـ التي ترجع الى منح الملك عبد العزيز حق امتياز نفطي لشركة اميركية، وكانت اولى رحلاته الخارجية لمقابلة الرئيس الاميركي فرانكلين روزفلت على ظهر مدمرة اميركية في قناة السويس ـ والتي وصلت الى مرحلة الازمة عقب هجمات نيويورك وواشنطن التي شارك في تنفيذها خمسة عشر سعودياً من القاعدة.‏‏

وبرغم الانتقادات التي وجهت على مستويات اميركية عليا للسلطات السعودية واتهامها احياناً بالمسؤولية غير المباشرة، واحياناً بالتقصير واخرى بتمويل جمعيات لها علاقة بالقاعدة، الا ان موجة العنف التي ضربت المملكة ومستوى الحسم القاطع في التعاطي مع منفذيها اعاد تحسين العلاقات بين واشنطن والرياض بعدما اصبح لديهما عدو مشترك يستهدفهما، وبعدما شرعت السلطات السعودية في خطوات لادخال تغييرات جذرية على النظام التعليمي والتربوي واقالة عدد كبير من رجال الدين المتشددين، والعمل الدؤوب على تجفيف مصادر تمويل تنظيم القاعدة الداخلية. وبالتالي فإن الحرب على الارهاب اصبحت القاسم المشترك الاكبر بين البلدين، وهو امر حصل في ظل ادارة الامير عبد الله الفعلية للبلاد، وهو سيستمر بالوتيرة نفسها كما صرح اكثر من مسؤول من الجانبين.‏‏

وهناك عنصر آخر ساهم في وقف انحدار العلاقة التاريخية بين البلدين وهو النفط، حيث تعهدت المملكة بضخ كميات اضافية من البترول لوقف ارتفاع اسعاره في اعقاب موجة الارتفاع الكبيرة التي رفعت سعر البرميل بنسبة اربعين في المئة بسبب تزايد الطلب من الصين والولايات المتحدة. وهناك تأكيدات عدة صدرت عن مسؤولين اميركيين وسعوديين بأنه لن يحصل أي تغيير في السياسة النفطية للملكة. وقبل انتخابه للمرة الثانية في 2 تشرين الثاني/نوفمبر 2004 اتهم الرئيس بوش الذي اقلقه ارتفاع اسعار النفط وتأثيره على مجريات المعركة الانتخابية، بعقد صفقة مع المسؤولين السعوديين بحيث يزيدون انتاجهم النفطي للمساعدة في خفض الاسعار.‏‏

وبحكم حجم اهمية هذين العنصرين في السياسة الاميركية، فإن بوش حرص على الاشادة بالملك الراحل والملك الجديد الذي وصفه بأنه "صديقه"، محاولاً اعطاء الانطباع بأن الامور تسير نحو الاحسن برغم فقدان ابرز حلفاء واشنطن، أي الملك فهد، وتولي من يوصف بأنه الاقل تأييداً للغرب والاكثر عروبية، أي الملك عبد الله السلطة، والذي رفض عام 1997 طلباً اميركياً لتوجيه ضربة للعراق وعارض غزو هذا البلد عام 2003 برغم ما قيل عن ابلاغ ادارة بوش السلطات السعودية بموعد الغزو حتى قبل أن يُبلّغ به وزير الخارجية الاميركي السابق كولن باول. وعليه فإن الملك عبد الله سيحافظ بحسب التوقعات على مبدأ اعادة تنشيط العلاقات بين واشنطن والرياض، وسيحافظ في الوقت نفسه على رغبته في تحسين العلاقات العربية العربية والسعودية العربية والسعودية الاسلامية، وهو الذي فتح كوة كبيرة في جدار العلاقات مع ايران ليكون اول مسؤول سعودي بهذا المستوى يزورها ـ للمشاركة في قمة اسلامية ـ منذ قيام الجمهورية الاسلامية عام 1979، والتي توجت باتفاق امني عام ألفين وواحد.‏‏

يبقى مصير الاصلاحات الداخلية التي بدأها الملك الجديد اثناء ولايته العهد، وشملت مختلف النواحي السياسية والاقتصادية، لكنه يلتزم بها بوتيرة هادئة لا تغضب مواقع النفوذ والتأثير في المملكة من رجال الدين وبعض الامراء. على ان الجانب الابرز الذي سيتواصل هو ضخ مزيد من الخطوات الاصلاحية في الاقتصاد بعد ان أصبح مهندسها ملكاً. وهذه الاصلاحات ضرورية اذ تقل أعمار 60 في المئة من سكان السعودية عن 18 عاما، كما أن الثروة النفطية بالمملكة أكبر دول العالم المصدرة للنفط، لن تدوم للابد، ولذلك فإن ايجاد الوظائف للباحثين عن عمل من البنود التي تتصدر قائمة الاولويات، هذا مع الاشارة الى ان المملكة تشهد حالياً ازدهارا اقتصاديا بفضل الارتفاع الكبير في أسعار النفط، ما أدى الى التخفيف من حدة ضرورة اصلاح القطاع العام الذي يرى الكثير من السعوديين فيه مصدرا مضمونا للوظائف.‏‏

ويقول بعض منتقدي الحكومة ان أي خطوات أخرى للتنمية الاقتصادية ستتوقف ما لم يتم تنفيذ اصلاحات ديمقراطية واجتماعية تزيد من جاذبية البلاد للشركات والمستثمرين الاجانب والزائرين.‏‏

وفي حين ادخل الملك فهد خلال فترة حكمه تغييرات سياسية محدودة حيث عين مجلسا للشورى اكتسب ببطء نفوذا منذ تأسيسه قبل اكثر من عشر سنوات، فإن اول انتخابات بلدية شهدتها المملكة جرت هذا العام برعاية الملك الجديد. لكن من غير المعروف ما اذا كانت ميول الملك الجديد الاصلاحية ستصطدم برؤية ولي العهد الجديد الامير سلطان الذي كان قلص من التوقعات بأن تقود الانتخابات البلدية الى اصلاحات اوسع، واعتبر ان اجراء انتخابات لشغل مقاعد مجلس الشوري سيؤدي فقط الى منح "الاميين" نفوذاً، معتبراً أن نظام التعيين الحالي افضل.‏‏

عبد الحسين شبيب‏‏

2006-10-28