ارشيف من : 2005-2008

دلالات الدعوات والفتاوى السنية للمشاركة في العملية السياسية في العراق

دلالات الدعوات والفتاوى السنية للمشاركة في العملية السياسية في العراق

بغداد ـ عادل الجبوري‏

لم تمر سوى أربعة أيام على الفتوى التي أصدرها الشيخ إبراهيم النعمة، أحد أبرز علماء الدين السنة في العراق، بوجوب المشاركة في الاستفتاء والانتخابات القادمة ومجمل العملية السياسية في العراق، حتى لقي ثلاثة من الأعضاء السنة في لجنة كتابة الدستور أبرزهم المحامي مجبل الشيخ عيسى، مصرعهم في أحد الشوارع وسط العاصمة العراقية بغداد.‏

وكان الشيخ عيسى الذي يعد من أكثر الشخصيات السياسية السنية حضوراً في وسائل الإعلام خلال الأسابيع القلائل الماضية، قد أكد لقناة الشرقية الفضائية في حوار معه قبل ثلاثة أيام من اغتياله، ان المسائل المختلفة تناقش في داخل لجنة كتابة الدستور بطريقة ودية وأخوية وفي أجواء هادئة.‏

وفي الواقع ان عملية الاغتيال من حيث توقيتها دفعت الذين قرأوا دلالاتها ودوافعها الى القول إنها تأتي في سياق المحاولات المحمومة من قبل جماعات مختلفة لتعطيل وإفشال العملية السياسية التي يشكل صياغة الدستور الدائم والاستفتاء عليه أهم مفاصلها في المرحلة الراهنة.‏

وبما أن تغيّراً مهماً وذا دلالة طرأ على مجمل الموقف السني من مسألة المشاركة في العملية السياسية، فسيكون من الطبيعي جداً ان تبرز محاولات ومساعٍ لإعادة الأمور الى الوراء.‏

وربما ينفع إلقاء نظرة سريعة على الموقف السني التقليدي وما أفضى اليه من نتائج للوقوف على دلالات ومغزى هذا التحول، وما يمكن ان يتسبب به من اتساع نطاق الإرهاب ليستهدف رموزاً سياسية ودينية.‏

ولعل الشيء الذي ينبغي الإشارة اليه هنا، هو ان المقاطعة السنية الواسعة ـ على الصعيدين الشعبي والسياسي ـ لانتخابات الثلاثين من كانون الثاني (يناير) الماضي، انطلقت من حقيقتين: المراهنة على فشل الانتخابات ارتباطاً بفرضية الإقبال الشعبي الضعيف عليها، ما يعني عدم شرعيتها.. والتهديدات التي انطلق البعض منها من داخل الأطراف السنية، خصوصاً ان الأوضاع النفسية لبعض الناس في المحافظات السنية كانت متأزمة على خلفية عمليات عسكرية واسعة نفذتها قوات الاحتلال في منطقة الفلوجة ومناطق أخرى تابعة لمحافظة الرمادي غربي العراق.‏

ولكن ما حصل فيما بعد هو ان الانتخابات نجحت بصورة غير متوقعة، سواء من حيث حجم المشاركة الواسعة او من حيث الوضع الأمني الذي لم يشهد حينذاك ما يحول دون إتمام العملية الانتخابية الى النهاية. وهذا الأمر في الوقت الذي ربما كان قد شكل صدمة للمقاطعين والمراهنين على الفشل، دفعهم الى إعادة قراءة الواقع السياسي قراءة متأنية وموضوعية وعقلانية بعيداً عن الشعارات الكبيرة واللافتات العريضة.‏

ومن غير المستبعد ان تكون طبيعة نتائج الانتخابات قد دفعت جهات خارجية الى حث السنة العراقيين على تبني نهج سياسي جديد بعدما تبين عدم صحة نهجهم القائم، ولا شك في ان مدى التجاوب في الأوساط والمحافل السنية كان مقبولاً الى حد ما. وما يعزز فرضية ذلك التجاوب هو استعداد الأطراف الأساسية الماسكة بزمام الأمور ـ الشيعة والأكراد ـ بل وسعيها الى تأمين مشاركة سنية فاعلة في كتابة الدستور وإنجاز عملية الاستفتاء. ولعل التأخر في استكمال تشكيل لجنة كتابة الدستور المنبثقة عن الجمعية الوطنية (البرلمان) كان وراء المفاوضات والنقاشات الماراتونية الطويلة مع الأطراف السنية.‏

وكان واضحاً التغير في الموقف السني في الإطار العام بعد الإعلان عن إقرار أسماء الشخصيات السنية المرشحة من قبل مجلس الحوار الوطني والمؤتمر العام لأهل السنة وعناوين أخرى كأعضاء في لجنة كتابة الدستور، الذين كان من بينهم المحامي مجبل الشيخ عيسى ورفيقاه الآخران اللذان قُتلا معه صبيحة يوم الثلاثاء الماضي 19/7/2005 في حيّ الكرادة.‏

وهذا الوضوح عبّر عنه الدكتور عدنان داود سلمان الدليمي رئيس ديوان الوقف السني حينما دعا أئمة وخطباء الجوامع الى حث الناس على المشاركة في الاستفتاء على الدستور وفي الانتخابات المقبلة.‏

أضف الى ذلك أن المواقف السنية الصريحة المتمثلة بالاستنكار والإدانة للعمليات الإرهابية التي حدثت في بغداد الجديدة والمسيّب (70 كم جنوبي بغداد) مؤخراً وأودت بحياة عشرات الأبرياء، بينهم عدد كبير من الأطفال، أشارت الى جانب من النهج الجديد، برغم أنها لم تتضمن إشارة صريحة الى "أبو مصعب الزرقاوي" وتنظيمه.‏

وبينما تتوقع شخصيات سياسية وغير سياسية سنية تزايد احتمال تعرضها للاستهداف من قبل الجماعات الساعية الى عرقلة الأمور وخلط الأوراق في الساحة العراقية، ترى أنه لم يعد مجدياً مهما كانت النتائج التعاطي السلبي مع الواقع السياسي القائم، وإنما لا بد من المشاركة الفاعلة والجدية، لأن غياب أحد المكونات الرئيسية للمجتمع العراقي عن المشهد السياسي سيلحق آثاراً سلبية على هذا المكون قبل غيره.. الى جانب ذلك فإن الارتهان الى جدول أعمال الجماعات المسلحة سيفضي للدخول في متاهات طويلة قد يكون الخروج منها أمراً صعباً، وإن لم يكن مستحيلاً، مثلما هو الارتهان لجدول أعمال قوات الاحتلال او أي طرف خارجي آخر.‏

وإذا كانت هذه الرؤية تمثل محور الموقف والتوجه السني في العراق، فإنها بلا شك ستكون عاملاً مؤثراً في رسم معالم وملامح مشهد سياسي مختلف في استفتاء الخامس عشر من تشرين الأول/ أكتوبر المقبل على الدستور الدائم، وكذلك في انتخابات نهاية العام الجاري، نوعاً ما عن المشهد السياسي لانتخابات الثلاثين من كانون الثاني/ يناير الماضي.. وهذا بحد ذاته يعني تبلور واقع جديد ربما يحتاج الى أكثر من قراءة للإحاطة بكل تجليات الصورة وحقائقها ومعالمها وملامحها.‏

الانتقاد/ عربيات ـ العدد 1119 ـ 22 تموز/يوليو 2005‏

2006-10-28