ارشيف من : 2005-2008
إصلاح مجلس الأمن والنظام العالمي الجديد:تناقضات حادة وارتصافات دولية خطرة

في شهر آذار/ مارس الماضي، طالب الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة كوفي آنان، الدول الأعضاء في المنظمة الدولية بالاستفادة من القمة العالمية التي ستعقد في أواسط أيلول/ سبتمبر القادم ضمن إطار الجمعية العمومية للمنظمة، لإيجاد حل نهائي لمسألة إصلاح مجلس الأمن.
وسواء كانت هذه المطالبة بالذات هي التي حركت الوضع أم لا، فإن مسألة إصلاح الأمم المتحدة بدءاً بمجلس الأمن، قد ارتدت ـ خصوصاً منذ الغزو الأميركي للعراق ـ طابعاً ملحاً، بقدر ما تبين أن المنظمة الدولية قد تحولت إلى مدير ناجح حيناً وفاشل في أغلب الأحيان للصراعات الدولية، بعدما عقدت عليها الآمال في قيادة النظام العالمي الذي أفرزته الحرب العالمية الثانية نحو آفاق السلم والأمن الدوليين.
وكما تبخرت تلك الآمال سريعاً منذ أوائل الخمسينيات والحرب الكورية التي استخدمت فيها المنظمة الدولية رافعة لمشاريع الهيمنة الأميركية، تبخرت مرة ثانية عندما ظن البعض أن انهيار الاتحاد السوفياتي ونظام القطبية الثنائية من شأنه أن يفسح المجال لنظام عالمي جديد قائم على تعددية تبدو الأمم المتحدة بمثابة الجهة الأكثر قدرة على رعايتها. وإذا كان البعض قد تغافل عن الطابع غير المبشر بالأمل لشن الحرب الأولى على العراق تحت رايات الأمم المتحدة، وما أثاره ذلك من هواجس حول الطابع الأميركي الذي سارت باتجاهه عملية إقامة النظام العالمي الجديد، فإن الهواجس أصبحت أكثر ملموسية بعد الهجمات على نيويورك وواشنطن، وخصوصاً بعد غزو العراق للمرة الثانية، في ظل ازدراء أميركي مكشوف بالمنظمة الدولية وبالعديد من القوى الدولية المؤثرة، الأمر الذي دفع إلى الأمام بفكرة الفوضى العالمية الجديدة التي بدأت أشباحها بالتراقص في الساحة الدولية على وقع المشاريع الامبراطورية الأميركية والتوجهات الأميركية المعلنة نحو إعادة ترتيب العالم وفق التصور الأميركي تحت ذرائع محاربة الإرهاب والدكتاتورية ونشر الديمقراطية. ومع ظهور بوادر الفشل الأميركي في العراق وبدء انفراط عقد التحالف، خصوصاً بعد توجه الصراع العربي الإسرائيلي نحو تعقيدات غير منتظرة بفعل تحطم مسيرات التطبيع والاعتراف، في أجواء بروز عناصر نوعية جديدة للصمود والممانعة، برزت توجهات أميركية جديدة نحو استباق الكارثة عبر زج قوى وجهات دولية أخرى ـ في طليعتها الأمم المتحدة ـ في المعمعة، مع ما يقتضيه ذلك من تراجعات براغماتية أو فعلية عن نزعة التفرد. وبالطبع التقى هذا التوجه مع الدعوات المطروحة لإصلاح مجلس الأمن بهدف جعله أكثر تعبيراً عن واقع الساحة الدولية بعد خمسين عاماً من الهيمنة عليه من قبل القوى الكبرى التي كثيراً ما عطلت فاعليته بالفيتو الذي ظل سيفه مصلتاً للتذكير بأن عالم اليوم ما زال أبعد ما يكون عن أن يأخذ شكل "الأسرة الدولية" التي تحركها إرادة جميع أبنائها، وتأخذ في الاعتبار مصالح الجميع.
وكان من الطبيعي للتعدد القائم على تضارب المصالح والمتناقض مع مستلزمات الاتفاق على رؤية موحدة للإصلاح، أن يفسح المجال لظهور توجهات للتوحيد عجزت عن تحقيق صفة العالمية، فاستعاضت عن ذلك باللجوء إلى خيارات تنطوي على مخاطر أكبر من تلك يُسعى لتجنبها، وذلك عبر تشكيل تحالفات وكتل تنذر بإعادة تقسيم العالم وفقاً لمعايير قد تجد علوم الاستراتيجيا صعوبة كبرى في تحديد معالمها، نظراً لقطيعتها الواضحة مع الاعتبارات الأيديولوجية والمبدئية، وحتى الجغرافية والعرقية المتعارف عليها في تشكل التحالفات والكتل. ويبدو ذلك جلياً من خلال الارتصافات التي بدأت بالتشكل حول موضوع إصلاح مجلس الأمن بالذات.. الارتصاف الأول تمثل بظهور كتلة ما بات يُعرف بـ"مجموعة الأربعة" التي تضم كلاً من ألمانيا واليابان والهند والبرازيل، وهي دول متباعدة جغرافياً وذات مستويات مختلفة اقتصادياً، ولكنها تتقارب سياسياً تحت ضغط ضرورات تخفي الكثير من المؤشرات المقلقة لجهة الهواجس الإقليمية والدولية لكل منها. وقد تقدمت المجموعة بمشروع للإصلاح يقضي بتوسعة مجلس الأمن من 15 عضواً إلى 25 مع 6 مقاعد جديدة دائمة لا يمتلك أعضاؤها حق الفيتو، منها اثنان لأفريقيا، و4 مقاعد غير دائمة. ويلقى هذا المشروع تأييداً من قبل فرنسا وبريطانيا، لكنه يصطدم بمعارضة شديدة من قبل الولايات المتحدة وبلدان كالجزائر وباكستان. ارتصاف آخر يفتقر إلى أي منطق غير منطق الحساسيات، ويظهر فيه تعارض غير مسبوق في الموقفين الأميركي والبريطاني.
الارتصاف الثاني يمثله الاتحاد الأفريقي الذي تقدم بمشروع للإصلاح يقضي بتوسيع المجلس ليضم 26 مقعداً، منها 6 مقاعد دائمة تمتلك حق الفيتو، وبينها مقعدان لأفريقيا و5 مقاعد غير دائمة، بينها 2 لأفريقيا. والواضح أن هذه الصيغة لا تنسجم مع موقع أفريقيا السياسي والاقتصادي على المسرح الدولي.
أما الارتصاف الثالث فقد تشكل من مجموعة ولدت أخيراً تحت اسم "مجموعة الوحدة من أجل التوافق"، وهي تضم كلاً من باكستان وكندا والأرجنتين وإيطاليا والمكسيك. أما المشروع الذي تقدمت به المجموعة فيقضي بتوسيع المجلس ليضم عشرة من الأعضاء الجدد غير الدائمين، والذين يُنتخبون مدة سنتين وفقاً للنظام المعمول به حالياً، مع امكانية إعادة الانتخاب ولاية جديدة. وبالطبع يمكن الاستغراق مطولاً في تحليل محفزات هذه الارتصافات التي يمكن اختصارها بمحاولة فرض محاصصات جديدة تذكر بتلك التي فجرت الحرب العالمية الأولى. غير أن العنصر الأكثر بروزاً فيها يتمثل بالأهمية التي يكتسبها الاتحاد الأفريقي، نظراً للقدرة التي يمنحه إياها امتلاكه 54 صوتاً من أصل 191 صوتاً في الجمعية العمومية، وهي القدرة التي وضعت مجموعة الأربعة في موقع استجداء التأييد الأفريقي لمشروعها الإصلاحي. والسؤال المطروح بحدة هو حول قدرة أفريقيا باتحادها المولود حديثاً وبمشاكلها الضخمة، على التوافق حول خيار موحد من شأن أدنى تداعياته أن يثير عليها غضب أميركا المستاءة أصلاً من النفوذ الذي تتمتع به الدول الصغرى في المنظمة الدولية بفضل غناها بالأصوات، وبرغم فقرها على مستوى القدرات الفعلية.
عقيل الشيخ حسين
الانتقاد/ دوليات ـ العدد 1119 ـ 22 تموز/يوليو 2005