ارشيف من : 2005-2008
شرم الشيخ..الحقيقة الغائبة والاصابع المشبوهة

الانتقاد / خاص من مصر ـ العدد 1120 ـ 29 تموز/ يوليو 2005
إعداد: عصام حنفي
ربما تكون المرة الأولى التى يحظى فيها "الشرم" وفق المصطلح الشعبي بهذا القدر من التعاطف الجماهيري والسياسي عقب التفجيرات الأخيرة، وما خلفته من دمار وخسائر بشرية جاوزت المئة قتيل، عدا عن مئتين من المصابين جلهم من المواطنين, اضافة الى خسائر متوقعة بنحو 6.6 مليار دولار حيث يبلغ حجم العمالة 250 ألف عامل. ويقدر عدد زوار الشرم بأربعة ملايين من اجمالى ثمانية ملايين سائح وفدوا الى البلاد العام الماضي، وهو مؤشر على عنف الضربة التي
تلقاها قطاع السياحة المصري, الا أن الأمر لا يقتصر على السياحة فقط، فالمدينة تتصاعد أهميتها منذ اعتمادها عاصمة للدبلوماسية المصرية بتواتر استضافتها لقمم دولية عدة، وترتيب الأوضاع بالمنطقة، كما انها المنتجع المفضل لاقامة الرئيس مبارك ولقاءاته، ما اكسبها لقب عاصمة مصر السياسية، او بتعبير أدق مدينة الرئيس.
تميز التعامل الأمني بالسرعة فى الحركة لملاحقة من يشتبه فى ضلوعهم بالعملية، وأعاد للأذهان الأداء الأمني ما بعد تفجيرات طابا، وما صاحبها من حملات تمشيط وتوسع في دوائر الاشتباه والاعتقال، حيث تم فرض طوق أمني مشدد على المنطقة المحيطة بموقع التفجيرات، فيما يشن المئات من عناصر الأمن حملات دهم وتفتيش واسعة داخل القرى والتجمعات البدوية القريبة، وجرت مواجهات مسلحة مع مواطنين يشتبه فى حمايتهم لهاربين.
أربع جماعات حتى الآن تتبنى تفجيرات شرم الشيخ، بداية بقاعدة الجهاد فى بلاد الشام وأرض الكنانة وجماعة مجاهدي مصر، وكتائب شهداء سيناء، وأخيراً جماعة التوحيد والجهاد المصرية. والمعلومات المتوافرة حتى الآن تطرح تساؤلات أكثر مما تقدم حقائق، حيث لا يمكن اقامة البيّنة عبر بيانات الانترنت المتضاربة، وتبقى محاولات تلمس الوقائع على الأرض. فمدينة شرم الشيخ باعتبارها مدينة رئاسية تحظى برعاية أمنية خاصة تتجاوز بالضرورة صلاحيات وزارة الداخلية، وربما يبرر هذا عدم تحميل وزير الداخلية حبيب العادلي كامل المسؤولية مثلما حدث لسابقه الألفي عقب مذبحة الأقصر، حيث عنّفه الرئيس أمام شاشات التلفزيون ووصف سياسته بالتهريج, والزائر للمدينة يمر بقرابة الثمانية عشر حاجزا أمنيا للاشتباه وكشف المتفجرات، ويصبح من الهزل الارتكان الى دروب صحراوية سرية دخل منها المنفذون, وتعليق الفأس برقبة اسلاميين محليين محدودي الخبرة أسوة بتفجيرات الأزهر وميدان التحرير التى اعتمدت عبوات بدائية الصنع، وهذا ما يدحضه التقدم التقني والتدميري لعبوات شرم الشيخ الناسفة.
الكيان الصهيوني مستفيد
ويستنكر الخبير الاستراتيجي د. محمد فراج أبو النور "اسراع بعض الأقلام بتوجيه الاتهام للاسلاميين منتهزين الأجواء المحتقنة لتصفية حسابات سياسية آجلة، ويرى ان الكيان الصهيوني هو المستفيد من هذه الضربة، لأن مصر الأضعف هي الأكثر قابلية للانصياع لشروط "اسرائيل".
أما الاسلاميون بمختلف أطيافهم فقد كانوا سباقين لادانة التفجيرات، فقد اصدرت الجماعة الاسلامية
وجماعة الجهاد بيانات استنكار، كذلك الحركة السلفية من اجل الاصلاح. وأكد البيان الصادر عن
الاخوان المسلمين أنهم تابعوا بحزنٍ عميقٍ وألمٍ بالغٍ ما وقع في شرم الشيخ من انفجارات وأعمال إرهابية، وهم يستنكرون هذه الأعمال، ويدينون مثل هذه الأفعال التي تخالف الدين والشرع الذي كرَّم الإنسان، وأمر بحفظ الأنفس والدماء والأرواح، ويؤكدون أن مثل هذه الأعمال الإجرامية التي تستهدف زعزعة الأمن وهز استقرار البلاد تصب في خانة المشروع الصهيوني الأميركي، ويجب ألا تتخذ ذريعة لفرض المزيد من القيود على الحريات العامة، وأنهم يقفون صفاً واحداً مع باقي أبناء الأمة ضد العدوان عليها، وتهديد أمنها وترويع الآمنين فيه، ويؤكدون أن الممارسات الاستبدادية الدولية، والعدوان على الشعوب، والحروب التي تشنها قوى الإمبريالية العالمية ضد الكثير من شعوب العالم، قد أوجدت ثقافةً للعنف والإرهاب، وأصبح العالم أقل أمنا واستقرارا في ظل مناخٍ لوَّثته الحروب.
أبو الفتوح
وفى هذا السياق يؤكد الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح عضو مكتب الارشاد في جماعة الأخوان المسلمين أن الاسلام لا يقبل هذه الفوضى، وهذا الارباك فى بلاد المسلمين، ولا يقبل حتى الغدر والغيلة ضد الأعداء،
فلا بد من اعلانهم ابان الحرب "وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ اليهم على سواء" (الأنفال).
ويرى أن هكذا تفجيرات تسهم فى دعم مناخ الاستبداد، فالارهاب والاستبداد صنوان، ويبدو ان الصهيونية هي المستفيد الأول من هذه التفجيرات، فتضرب عدة عصافير بحجر واحد، تضعف الاقتصاد المصري لسنوات، وتشوه صورة الاسلام عبر ادعاءات مخابراتية مجهولة المصدر ليصبح الارهاب لصيقاً بالاسلام, ولتحرف الأنظار عن ارهاب دولي منظم تمارسه جيوشهم فى العراق وافغانستان وفلسطين, هناك عضو كونجرس يهدد بقصف مكة المكرمة ولا يتهمه أحد بالارهاب المسيحي، وجرائم الصهاينة فى فلسطين لا تدفع أحد للحديث عن ارهاب
يهودي, لقد زرت كأمين لاتحاد الأطباء العرب ـ والحديث ما زال للدكتور أبو الفتوح ـ الجرحى في شرم الشيخ، وهم شباب أفقرتهم السياسات الاقتصادية فهجروا قراهم للعمل في الشرم.
مورو
المفكر الاسلامي د. محمد مورو يتهم الموساد بالضلوع فى هذا الحادث، ويرى ان الاستنتاجات المنطقية وليس نظرية المؤامرة التى يحلو للبعض اتهامنا بها تقود لهذا الاتجاه، ويستبعد تنظيم
القاعدة برغم أن هناك بياناً منسوباً إلى ما يسمى كتائب الشهيد الدكتور عبد الله عزام التابعة لما يسمى بقاعدة الجهاد في مصر والشام نشر على الإنترنت، وبديهي أن مجرد النشر على الإنترنت لا يعني تأكيداً أو نفياً لشيء ما، خاصة بالنسبة للقاعدة التي ليس لها متحدث رسمي علني ولا مقر رسمي يمكن الرجوع إليه، ومن ثم فيمكن لمن ارتكب الحادث أن ينشر بياناً منسوباً للقاعدة أو لغيرها، أو يخترع ما شاء من الأسماء أو يستخدم الأسماء الموجودة فعلاً وينسبها إليها.
بالطبع نحن لا نملك دليلاً مادياً على تورط الموساد أو براءة القاعدة، ولكن المسألة تدخل في باب الترجيح بالأدلة المنطقية، ونستبعد القاعدة أي التنظيم الرسمي المرتبط بأسامة بن لادن أو أيمن الظواهري، فهذا صعب بالنسبة لمصر لأنها الأكثر خبرة ومعرفة وربما اختراقاً لهذا التنظيم، ويصعب من ثم تنفيذ شيء ضدها في هذا الصدد، أما أن يكون تنظيماً محلياً على أساس أن هناك ما يسمى بالجيل الثالث من الإرهاب في مصر فإن العمليات المنسوبة إلى هذا الجيل الثالث (حوادث الأزهر والسيدة عائشة وميدان التحرير) فكلها كانت أقرب إلى عمل الهواة.
وكذلك فإن تنظيم القاعدة والمتأثرين به عادة ما يلجأون إلى البحث عن هدف أجنبي وليس عربي أو مسلم، وبالتالي لا يمكن أن نفهم بسهولة لماذا اختاروا السوق القديمة أو مرآب السيارات أو حتى الفندق الذي يقيم فيه العرب والمصريون أكثر من الأجانب ـ نلاحظ أن الضحايا الأجانب في الحادث كانوا من 10 ـ 20% حسب التقديرات المختلفة، والباقي من المصريين والعرب، ويمكننا مثلاً أن ننسب حادثة "أيلول/ سبتمبر 2001 "إلى القاعدة لأنه استهدف أكبر رموز الرأسمالية والعولمة في العالم "برجي التجارة في نيويورك"، وأكبر مراكز القوة العسكرية في العالم "البنتاجون"، ومن ثم فإن الهدف والتبرير ـ حسب مقاييس القاعدة ـ كان موجوداً، وكذلك في حادث مدريد "آذار/ مارس 2004" حيث ان حكومة أزنار "رئيس الوزراء السابق" كانت قد أرسلت قوات أسبانية إلى العراق لمساعدة القوات الأميركية هناك، وحوادث لندن (7 تموز/ يوليو 2005) تحمل نفس الدوافع والتبريرات ـ سواء كانت صحيحة أم خاطئة ـ ولكن هكذا يفكر رجال القاعدة ـ وكانت دوائر القاعدة قد حذرت الشعب البريطاني سابقاً من إعادة انتخاب توني بلير وإلا أصبح الشعب البريطاني مسؤولاً عن تصرفات توني بلير قبيل الانتخابات البرلمانية البريطانية.
وهكذا فمن الممكن فهم وتفسير ومن ثم إسناد أحداث نيويورك ومدريد ولندن إلى القاعدة، ولكن الأمر لا ينطبق على حالة شرم الشيخ حيث ان المصريين والعرب عموماً لا يختارون نظمهم السياسية، ومن ثم فهم غير مسؤولين عنها، فضلاً عن أن مثل هذا العمل ربما يزيد قدرة النظام المصري على الاستمرار وفرض المزيد من القيود بحجة مكافحة الإرهاب، ومن ثم يضعف المعارضة المصرية لإعادة انتخاب الرئيس مبارك.
كذلك فإن رمزية اختيار 23 تموز/ يوليو لهذا التفجير و6 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي لتفجير طابا من باب لفت الأنظار للقاعدة، حيث ان لبعض عناصرها علاقة باغتيال السادات يوم 6 أكتوبر..
وهكذا فإننا أمام عملية كبيرة نوعياً، اخترقت حواجز أمنية عالية المستوى، في مكان هو الأشد حراسة في مصر، بعربات مفخخة وبشحنات من المتفجرات كبيرة نسبياً، واستهدفت تلك العملية مصريين أساساً، وهي أمور لا تتفق مع أهداف القاعدة وإمكانياتها. كذلك فإن هذه الضربة تؤدي الى انتعاش السياحة الاسرائيلية، ومن ثم فإن البحث لا بد أن يتجه إلى جهاز له إمكانات استخباراتية ومادية عالية لتنفيذ ذلك العمل، وليس هناك بالطبع إلا الموساد مرشحاً لهذا الدور!!.