ارشيف من : 2005-2008
صيغة الفيدرالية وانتماء العراق وهويته أبرز الاختلافات حول الدستور الدائم

الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1120 ـ 29 تموز/ يوليو 2005
بغداد ـ عادل الجبوري
نشرت صحيفة الصباح البغدادية اليومية، وهي الصحيفة الرسمية الوحيدة في العراق، بعددها الصادر يوم الثلاثاء الماضي 26/7/2005 مسوّدة الدستور المطروح للمناقشة في لجنة كتابة الدستور المنبثقة عن الجمعية الوطنية العراقية (البرلمان) والمؤلف من ستة أبواب، اشتملت على مئة وست وثلاثين مادة.
وما لوحظ في النص المنشور في الصحيفة ان بعض المفردات والعبارات وضعت بين اقواس، ومجرد تدقيق وتأمل قليل فيها يتضح للقارئ ان تلك المفردات والعبارات المحصورة بين الاقواس هي موضع الاختلاف والتقاطع بين المكونات الرئيسية الثلاثة، الشيعة والسنة والاكراد.
ومن بين العبارات المحصورة بين اقواس، الجمهورية العراقية (الاسلامية الفيدرالية)، والشعب العراقي (بأكثريته الشيعية وسنته)، ويتكون الشعب العراقي من قوميتين رئيسيتين هما العربية والكردية، ومن قوميات اساسية (قومية اساسية) هي التركمانية والكلدانية والاشورية والسريانية والارمنية والشبك و(الفرس)...، والدولة العراقية جزء من العالمين العربي والاسلامي، او (الدولة العراقية عضو مؤسس في جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامي)، ويحظر فكرا وممارسة تحت أي مسمى كان كل فكر يتبنى العنصرية والتكفير والارهاب (او يحرض او يمجد او يمهد او يروج له).
الى جانب ذلك فإن فقرة بشأن المرجعية الدينية نصها "للمرجعية الدينية استقلاليتها ومقامها الارشادي كونها رمزا وطنيا ودينيا رفيعا"، ألحقت بعبارة (هناك تحفظ من البعض).
ولا ينكر أي طرف من الاطراف العراقية المعنية وجود اختلافات في وجهات النظر وفي تفسير جملة من المصطلحات والمفاهيم، وفي طبيعة التعاطي معها، مثل الاسلامية، والفيدرالية، والقومية الاساسية، والاكثرية، والمقام الارشادي، والامة العربية... الخ.
وكذلك لا ينكر أي طرف من الاطراف وجود اختلافات بشأن الاطر العامة التي ينبغي ان يقوم عليها الدستور العراقي الدائم، هذا الى جانب اصوات ترتفع من هنا وهناك بشأن ادق التفاصيل والجزئيات التي تبدو على قدر كبير من الحساسية والاهمية على سبيل المثال لا الحصر حقوق المرأة.
ولكن هذا الاتفاق على فكرة وجود الاختلافات لا يلغي وجود اختلافات حول ماهيتها وأبعادها، وفيما اذا كانت طبيعية ومتوقعة، ام انها على قدر كبير من الخطورة.
كل ذلك يلقي بظلاله على كل اجواء ومناخات البحث والنقاش الدائر حول الدستور، سواء في الشارع، او في داخل الاروقة الثقافية والفكرية والاكاديمية، او في الاوساط والمحافل السياسية المختلفة المساهمة في عملية صياغة الدستور مباشرة، او البعيدة عن اجراءاتها العملية.
وربما كان الشيء الاكثر اثارة للجدل والنقاش من غيره هو المطالب الكردية، التي يبدو انها ساهمت وتساهم نوعا ما في تعقيد بعض الامور، ومن بين تلك المطالب تمتع اقليم كردستان باستقلالية شبه كاملة او كاملة عن المركز فيما يتعلق بميليشياته المسلحة (البيشمركة)، وعدم تدخل سلطات الدولة الاتحادية في أي شأن من شؤون الاقليم، في ذات الوقت الذي تبقى فيه حصص الاكراد في مؤسسات الدولة الاتحادية (الفيدرالية) ومواردها وثرواتها كما هي، فضلا عن ذلك ايجاد تمثيل رسمي ومتفق عليه لاقليم كردستان في وزارة الخارجية، هذا الى جانب قضايا اخرى.
واذا كانت قضية الفيدرالية ليست موضع قبول وترحيب من قبل الاوساط والتيارات السنية، فإن تلك الاوساط والتيارات تدرك ان هناك واقعا لا يمكن تغييره في اقليم كردستان، لذلك فهي في معظمها لا تعلن رفضها الكامل للنظام الفيدرالي، لكنها تريد ان يشمل اقليم كردستان فقط، أي المحافظات الكردية الثلاث، دهوك وأربيل والسليمانية، ولا يمتد الى مناطق وسط وجنوب العراق، بحجة ان ذلك يؤدي الى تقسيم العراق وتشظيه، اضف الى ذلك ـ بحسب تلك الاوساط ـ فإن العراق غير مقسم الان مثلما كان الحال مع الولايات المتحدة الاميركية قبل اكثر من مئتي عام، ودول اخرى تتبع النظام الفيدرالي ـ الاتحادي حتى يصار الى تطبيق هذا النظام عليه، بينما تذهب بعض التحليلات الى ان السنة يخشون من ان تطبيق الفيدرالية يمكن ان يؤدي الى حرمان مناطقهم واقاليمهم التي تفتقر الى النفط والزراعة من الموارد العامة للبلد، الى جانب ذلك يخشون ان يفضي تطبيق النظام الفيدرالي الى اضعافهم وتهميشهم بعد ان كانوا يمسكون بزمام الامور طيلة ثمانية عقود متواصلة، أي منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة في العام 1921 وحتى الاطاحة بنظام صدام في العام 2003. وفي هذا السياق يقول دبلوماسي غربي "ان السنة يشددون على ألاّ يكون أي جزء من العراق قادراً على اعلان الحكم الذاتي، وبالاخص المناطق الجنوبية التي يسيطر عليها الشيعة".
ويبدو أن التجاوب السني مع الاكراد في مطالبهم الفيدرالية من الصعب ان يعزز مواقفهم ومطالبهم بما فيه الكفاية، لاكثر من سبب، منها انه من غير الممكن على ضوء القانون الدستوري، وما هو متعارف عليه ان تطبق الفيدرالية في جزء من بلد معين، ولا تطبق في الاجزاء الاخرى، ومنها ايضا ان الشيعة متفقون مع الاكراد على مبدأ الفيدرالية، واذا كانوا يختلفون معهم فإنهم يختلفون على جانب من التفاصيل والجزئيات.
والنقطة المهمة هنا هي ان المرجعية الدينية في النجف الاشرف تؤيد وتدعم تطبيق النظام الفيدرالي، وهي قد ترى انه لا يختلف كثيرا عن نظام الولايات الذي كان معمولا به في الدولة الاسلامية، وانه الاكثر نجاعة بالنسبة لبلد له خصوصيات قد لا تكون موجودة في بلدان اخرى.
ولعل حضور ممثل خاص عن المرجعية الدينية لمؤتمر اقليم الجنوب (البصرة والناصرية والعمرة) الذي عقد مؤخرا، مثّل رسالة واضحة في دلالاتها ومضامينها لدعم مشروع فيدرالية اقليم الجنوب الذي وافقت عليه مؤخراً اللجنة القانونية في الجمعية الوطنية ليتم عرضه على الجمعية الوطنية للتصويت عليه واقراره.
الى جانب ذلك يرفض الاكراد رفضا قاطعا ان يتضمن الدستور الدائم فقرة "ان العراق جزء من الامة العربية"، والتي يلح السنة على ان يشتمل عليها الدستور الدائم، ويتفق الطرف الشيعي مع الطرف الكردي في ذلك الرفض، والذي يقابله اتفاق سني ـ كردي على رفض ان يشتمل اسم الدولة العراقية في الدستور على مفردة "الاسلامية"، وان كانت هناك اطراف سنية اسلامية لا ترى بأسا في هذا الامر.
وتبقى هذه المفردات المشار اليها تمثل العقد الرئيسية في دوامة البحث والنقاش، واذا كانت هناك مسائل اخرى فهي تنضوي تحت تلك المفردات ولا تخرج بعيدا عنها، وهي في مجملها وإن بدا انها لن تدفع الى طريق موصد فإنها قد تؤخر لبعض الوقت انجاز كتابة مسوّدة الدستور من قبل اللجنة المختصة، والمفترض ان تتم نهاية هذا الشهر لتعرض مطلع شهر آب/ اغسطس المقبل على الجمعية الوطنية، والتي سيكون امامها خمسة عشر يوماً لاقراره لتبدأ مرحلة اخرى تمتد شهرين تمهد لعرض الدستور على الاستفتاء الشعبي العام منتصف تشرين الاول/ اكتوبر المقبل.