ارشيف من : 2005-2008
مفهوم وأسئلة

الانتقاد / باختصار ـ العدد 1120 ـ 29 تموز/ يوليو 2005
"أطلق النار بهدف القتل" مفهوم جديد أقرت الشرطة البريطانية استخدامه ضد أي مشتبه به بعد التفجيرات الثانية التي هزت أصداؤها العاصمة لندن، ويقضي بإطلاق النار مباشرة على الرأس بهدف قتل المشتبه به حتى قبل التثبت من حقيقة الاشتباه.
هذا المفهوم الجديد يأتي مناقضا تماماً لمفاهيم الشرطة البريطانية التي كان معمولا بها، إذ كانت تفتخر بأنها الشرطة الوحيدة في العالم التي يتسلح فقط عشرة في المئة من عناصرها.
وعلى الأثر انطلق جدال واسع في الأوساط الغربية او لنقل في أوساط العالم الأول، أساسه سؤالان هما: ما هو السبيل للحماية من الانتحاريين؟ وكيف يمكن المحافظة على حقوق الناس وحريتهم؟
جدال وسّع من نطاقه سقوط مواطن برازيلي بريء أول ضحية للمفهوم الجديد.
على أن هذا الجدل كان يمكن ألاّ تجد له أثراً لو أن ما حصل لم يجر في بريطانيا، كما يحصل منذ سنوات في أفغانستان والعراق وغيرهما من بلدان العالم الثالث، فهناك المواطن من الدرجة الثالثة والرابعة، وهناك السؤال الوحيد المطروح هو كيف تحمي نفسك من حاملي القنابل، ولا جدال حول حقوق الأبرياء وحرياتهم.
مرة أخرى يحاولون تحميل العوالم الأخرى (الثالث والرابع...) مسؤولية ما جنته وتجنيه أيديهم، فهذا المفهوم يدفع للتساؤل من الذي أوصل الأوضاع إلى ما وصلت عليه الآن في كل العالم وليس في منطقة بعينها؟ من الذي حمى الأنظمة الديكتاتورية وغطى ارتكاباتها بحق شعوبها؟ من الذي أنشأ منظمات ذات فكر تكفيري ومدّها بالدعم المالي والسياسي والعسكري حتى انقلبت عليه، فبات يولول ويهدد بعظائم الأمور؟ من الذي يطلق العنان للكيان الصهيوني بقتل النساء والأطفال والشيوخ في فلسطين ولبنان وسوريا وكل الدول العربية من دون رادع ولا حسيب؟ من الذي يمعن في إفقار العالم لمصلحة حفنة من المتمولين والرأسماليين المتوحشين؟ من الذي كلما اخترع سلاحاً كيماوياً أو بيولوجياً أو نووياً يقوم بتجريبه على الناس مواطني الدول النامية والفقيرة؟ إلى ما هنالك من الأسئلة التي لا تنتهي، والتي لو أجاب عنها هؤلاء لربما ما كانوا بحاجة لتغيير مفاهيم شرطتهم، وربما لكانوا بغنى عن هذا الجدل الواسع الذي يشغلهم حالياً.
محمد يونس