ارشيف من : 2005-2008
نقاط الاختلاف حول الدستور العراقي في ساحة زعماء الكتل السياسية

الانتقاد/عربيات ـ العدد 1122 ـ 12آب/أغسطس 2005
بغداد - عادل الجبوري
يبدو ان الاجتماعات التي بدأها زعماء الكتل السياسية الرئيسية وشخصيات سياسية اخرى يوم الاحد الماضي7/8/2005 ستتواصل حتى حسم كل المسائل الخلافية العالقة التي لم تتمكن لجنة كتابة الدستور من التوصل الى صيغ توافقية بشأنها، وهناك مؤشرات تلوح في الافق توحي باستبعاد الانتهاء من هذه المهمة الصعبة خلال الايام الخمسة المقبلة التي تسبق الموعد النهائي المقرر للانتهاء من كتابة مسودة الدستور الدائم.
وقد يكون تصريح كاميران قرداغي الناطق باسم رئيس الجمهورية جلال الطالباني احد تلك المؤشرات، حيث قال بعد الاجتماع الاول لزعماء الكتل السياسية ـ الذي تغيب عنه مسعود البارزاني رئيس اقليم كردستان، ورئيس الوزراء ابراهيم الجعفري ـ "ان الاجتماع الذي عقد يوم أمس الأحد لزعماء الكتل والقوى السياسية الممثلة في البرلمان بدعوة من الرئيس طالباني، قد اقتصر على استعراض الأطراف السياسية لوجهات نظرها دون الدخول في تفاصيل المشاكل التي تعيق التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن مسودة الدستور، وان الاطراف المجتمعة اتفقت على مواصلة المشاورات حتى التوصل الى اتفاق بشأن النقاط الخلافية، مشيرا الى أن من بين نقاط الخلاف موضوع الأقاليم وعلاقة الدين بالدولة واللغة الرسمية للبلاد، إضافة إلى حقوق الإنسان والمرأة.
بعض المراقبين والمحللين السياسيين في العاصمة العراقية بغداد رأوا ان المنعطفات التي كان من الضروري ان يتدخل عندها زعماء الكيانات والقوى السياسية للحؤول دون توقف العملية السياسية وتعثرها، بدت بصورة او بأخرى ذات المنعطفات عند صياغة قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية (الدستور المؤقت) ربيع العام الماضي، مضافا اليها منعطفات اخرى، حتى ان المبدأ الذي طرح حينذاك من اجل التوصل الى مخرج لدوامة الاختلافات في الرؤى ووجهات النظر، وهو مبدأ التوافق، الذي يعني أن تقدم الأطراف تنازلات لبعضها البعض، وان يحصل كل طرف على شيء، وليس على كل الأشياء، طرح هذه المرة من قبل جهات عديدة رأت ان اصرار كل طرف على مطالبه سيعني الدوران في حلقة مفرغة من النقاشات والسجالات من دون التوصل الى اية نتيجة.
ومع ان النقاط الخلافية ليست قليلة ولا هي ثانوية او هامشية، بل هي في واقع الامر على قدر كبير من الخطورة والاهمية فإن تفاؤلا يسود الاجواء والمناخات السياسية بإمكانية التوصل الى اتفاقات وتوافقات مقبولة ومعقولة، وان تأخر ذلك قليلا.
وبحسب ما يرى احد اعضاء كتلة الائتلاف العراقي الموحد (كتلة الاغلبية في البرلمان العراقي) ان التوافقات والاتفاقات التي يتوصل اليها زعماء الكتل السياسية ستمهد الطريق الى اقرار مسودة الدستور الدائم من قبل الجمعية الوطنية، وبشكل او بآخر تضمن التصويت لمصلحة الدستور في الاستفتاء الشعبي العام المقرر منتصف شهر تشرين الاول/ اكتوبر المقبل.
فالدكتور همام حمودي رئيس لجنة كتابة الدستور ابدى تفاؤله بإمكانية حل المسائل العالقة في الدستور، في نفس الوقت الذي نفى فيه أن يكون الدستور قد فرض احكاماً إسلامية أو ديناً معيناً على سائر القوميات، مشيراً الى ان الدستور العراقي الدائم للبلاد سينظر بعين الاعتبار الى جميع مكونات الشعب العراقي دون استثناء بين القوميات العراقية.
وبينما يبدو الاكراد مصرين على اقرار النظام الفيدرالي في الدستور الدائم، بالنسبة لاقليم كردستان على اقل تقدير، فإن الاشكالية المطروحة من قبل الاطراف السنية هي عدم امكانية تطبيق النظام الفيدرالي في كل انحاء العراق في الوقت الحاضر، وفي هذا السياق هناك مطالبات من تلك الاطراف بترحيل مسألة تأسيس الاقاليم الى ما بعد اربعة او ثمانية اعوام، في حين يرى الزعماء الشيعة بأن من الافضل القيام بهذه الخطوة في الوقت الحاضر ما دامت النيات والمصالح المشتركة مبنية على اساس وحدة التراب العراقي.
وما يعزز موقف الزعماء الشيعة الذين يطالبون بتطبيق النظام الفيدرالي هو الرؤية الايجابية للمرجعية الدينية المتمثلة بآية الله العظمى السيد علي السيستاني، وكذلك مراجع دين آخرين من مسألة الفيدرالية، اضافة الى نظام الدوائر الانتخابية المتعددة الذي هو الاخر يعتبر احد نقاط الخلاف والجدل بين الفرقاء.
ولعل من المتوقع ان يصار الى ترحيل جملة من النقاط الخلافية الى مراحل اخرى لاحقة، ولكن من المستبعد جداً ان تكون الفيدرالية من بين النقاط التي سوف يتم ترحيلها، في ذات الوقت الذي سربت بعض المصادر المطلعة على مجريات اجتماعات رؤساء الكتل السياسية معلومات مفادها ان قضية كركوك هي من بين القضايا التي سيصار الى ترحيلها لما بعد اقرار الدستور واجراء الانتخابات العامة نهاية العام الجاري.
ووفقا للمصادر المشار اليها فإنه بعد الاجتماع الثاني لزعماء الكتل السياسية يوم الثلاثاء الماضي الذي لم يحضره البارزاني والجعفري لاسباب مناخية بالنسبة للاول، وامنية بالنسبة للثاني، تبلورت خمس قضايا اساسية من المفترض ان تكون محور النقاش والبحث والتفاوض في الاجتماعات اللاحقة، وهي تفاصيل الفيدرالية ـ وليس المبدأ العام ـ وعلاقة الدين بالدولة، وحقوق المرأة، وتوزيع الثروات، وآليات وضوابط تعديل الدستور الدائم. واذا كانت هناك اشكاليات حقيقية فإنها في واقع الامر تتداخل بين الفيدرالية، وعلاقة الدين بالدولة، وتوزيع الثروات.
واستناداً الى القراءات الاولية، على ضوء المعطيات الظاهرة الان فإنه يمكن ان تكون صيغ التوافق النهائية بالشكل التالي، اقرار النظام الفيدرالي والمباشرة بتأسيس الاقاليم في حال توافر الارضيات والظروف المناسبة، والمعايير التي ينص عليها الدستور بالنسبة لاي اقليم. واعتبار الدين الاسلامي المصدر الاساسي ـ وليس مصدراً وحيداً، او مصدراً اساسياً من بين مجموعة مصادر ـ للتشريع، وتوزيع الثروات بين الاقاليم بما يضمن استفادة سكان كل اقليم من الثروات والموارد الموجودة في نطاق ذلك الاقليم، مع الاخذ بعين الاعتبار الاطار الكلي العام لمجمل اوضاع سكان الاقاليم المختلفة باعتبار انهم يشكلون في نهاية المطاف وحدة واحدة من الناحيتين الجغرافية والسياسية، اي العمل على النهوض بالاقاليم والمناطق المحرومة والمضطهدة حتى تتقلص الهوة بينها وبين الاقاليم والمناطق الميسورة.
هذه هي الصورة الكلية العامة، التي لا بد ان تشتمل على خطوط اخرى تأتي بدرجة اقل من حيث الاهمية عن المسائل الثلاث.