ارشيف من : 2005-2008

على خلفية التراجع الأميركي في أفغانستان والعراق:رفض عالمي للهيمنة الأميركية

على خلفية التراجع الأميركي في أفغانستان والعراق:رفض عالمي للهيمنة الأميركية

الانتقاد/ دوليات ـ العدد 1124 ـ 26/8/2005‏

بعد أقل من أربع سنوات على تفجيرات نيويورك وواشنطن التي استخدمتها الولايات المتحدة ذريعةً لشن حربها الإمبراطورية على العالم بدءاً بأفغانستان والعراق، على إيقاعات التبشير الإعلامي بنشر الحرية والديموقراطية، بدأت الألوان الكالحة باحتلال مناطق متزايدة الاتساع على خريطة مشاريع الهيمنة التي تقودها إدارة الرئيس بوش وصقورها من المحافظين الجدد. اتساع متزايد تنكمش معه رقعة الألوان الزاهية التي غمرت بلداناً كأوكرانيا وجورجيا كحلقات أخيرة في سجل المواجهة الثانوية مع المعسكر السوفياتي المنهار قياساً إلى المواجهة الجديدة التي بدأت تعابيرها بالظهور في القارات الخمس بأشكال تتراوح بين الصدام العسكري المباشر في الشرق الأوسط وامتداداته الدولية، وبين حركات الاحتجاج المتنامية في الغرب ضد السياسات الأميركية، وخصوصاً ضد الاحتلال الأميركي للعراق.‏

وبين هذه وتلك، تبرز تمحورات دولية وإقليمية يحل فيها التشنج محل التوافق في العلاقات الأميركية الأوروبية، ليرتفع إلى مستوى حرب المواقع في العلاقات بين واشنطن ومحور كاسترو ـ شافيز المدعوم من قبل معظم بلدان أميركا اللاتينية، لا سيما بعد التراشق الأخير بين رامسفيلد وشافيز الذي أعاد التأكيد على أن الولايات المتحدة هي "قوة مدمرة للعالم وتهديد كبير للاستقرار الدولي". وتأخذ الصورة أبعاداً أكثر خطورة في ظل الحرب الباردة الجديدة التي يبدو أنها قد بدأت بالتفجر مجدداً بين المحور الصيني ـ الروسي من جهة، والمحور الأميركي، من جهة أخرى، حول سلسلة مشكلات تمتد من الشيشان غرباً إلى تايوان شرقاً مروراً بآسيا الوسطى والمشكلة الكورية المتفاقمة مع الملف النووي الكوري الشمالي. وبالاقتراب من المشكلات الأكثر سخونة في الشرق الأوسط، يطغى اللون الكالح على صورة السياسات الأميركية، وإخفاقاتها، إن على مستوى الملفين السوري اللبناني، والنووي السلمي الإيراني، وإن على مستوى حالة الاهتزاز الملحوظ التي تربك العديد من الأنظمة المرتبطة بالسياسات الأميركية في المنطقة، بما في ذلك حالة التوتر الداخلي الإسرائيلي الناشئ عن سياقات كان آخرها الانسحاب من قطاع غزة.‏

وبالوصول إلى المناطق الساخنة، وقبل النظر في التداعيات المرتبطة بالوضع العراقي، تستحوذ أفغانستان حالياً على اهتمام خاص من قبل المراقبين الذين يرشحون الوجود العسكري الأميركي فيها لانزلاقات قد تكون سبباً لتعجيل الانسحاب من العراق. فقد أوردت وكالات الأنباء إحصاءات منقولة عن مصادر أميركية تدل بوضوح على تصاعد المقاومة الأفغانية من خلال الارتفاع المتزايد في أعداد القتلى في صفوف الجنود الأميركيين من 12 جندياً قتلوا خلال الشهرين الأخيرين من العام 2001، إلى 43 عام 2002، و47 عام 2003، و54 عام 2004، وصولاً إلى 74 منذ بداية العام 2005، منهم 50 جندياً قتلوا منذ حزيران/ يونيو الماضي. وإذا أخذنا في الاعتبار أن الأسبوع الماضي وحده قد شهد مقتل عشرة جنود أميركيين وخمسة عشر جندياً إسبانياً من القوة الأطلسية العاملة في أفغانستان (وهذا تطور سيدفع إسبانيا باتجاه فك ارتباط جديد مع الأميركيين بعد الانسحاب الاسباني من العراق)، فإن الصورة المتشائمة التي يرسمها المراقبون تصبح أكثر معقولية، وخصوصاً أنهم يلاحظون، برغم فداحة الخسائر البشرية في صفوف المقاومين الأفغان، تطوراً نوعياً في أساليب المقاومة وانخفاضاً نسبياً في خسائرها البشرية بالمقارنة مع خسائر الأميركيين.‏

وبهذا الصدد، تشير الأرقام الأميركية إلى أن نسبة القتلى الأميركيين في أفغانستان تزيد عما هي عليه في العراق، حيث تبلغ قتيلاً واحداً من كل 243 جندياً في الحالة الأولى، بينما لا تزيد عن واحد من 256 في الحالة الثانية. كما تسجل الأرقام ذاتها أن ناجعية الأسلحة المصنعة يدويأً من قبل الأفغان قد ارتفعت من 40 بالمئة في العام الماضي إلى 90 بالمئة في العام الحالي، إضافة إلى ازدياد قدرة المقاومة على التحرك الحر في أجزاء متزايدة الاتساع من الأراضي الأفغانية.‏

أما تداعيات الوضع العراقي، لجهة تزايد الخسائر في صفوف الأميركيين والتقدم البطيء في تسوية المشكلات العراقية الداخلية، فقد ارتدت طابعاً متزايد الحدة في الولايات المتحدة. فمن جهة، تنامت حركة الاحتجاج الشعبي على الحرب من خلال حملة الاعتصام المفتوح التي نظمها ذوو الجنود القتلى أمام مزرعة بوش في تكساس بمبادرة من سيندي شيهان ـ والدة جندي أميركي قتل بعد خمسة أيام من وصوله إلى العراق ـ وهي المبادرة التي انضمت إليها المغنية جون بيز، أحد أهم رموز الاحتجاج على الحرب الفييتنامية في الستينيات. ومن جهة أخرى، عاد هاجس الهزيمة في فييتنام إلى البروز مع تصريحات السيناتور الجمهوري شوك هاغيل الذي حذر من انزلاق شبيه بالانزلاق في فييتنام في حال عدم الانسحاب من العراق في غضون ستة أشهر. ودعم هاغيل وجهة نظره بمعطيات منها مقتل 1900 جندي أميركي، وصرف أكثر من 330 مليار دولار، وانخفاض إنتاج النفط، معتبراً أن الولايات المتحدة "تخسر" بجميع المقاييس، وأن الحاجة تفرض نفسها لإيجاد استراتيجية لمغادرة العراق بدلاً من الاستمرار في وضع "غياب السياسة" الذي يقوده بوش من خلال تكرار أحاديثه عن ضرورة المضي في الحرب إلى ما لا نهاية. وقد جاءت تصريحات هاغيل هذه في وقت أظهرت فيه آخر استطلاعات الرأي أن 57 بالمئة من الأميركيين يعتقدون بأن الحرب على العراق قد أوهنت أميركا وجعلتها أكثر تعرضاً لخطر الهجمات الإرهابية، وسط استياء متصاعد يشمل الطبقة السياسية الأميركية في الحزبين الديموقراطي والجمهوري على السواء.‏

عقيل الشيخ حسين‏

2006-10-28