ارشيف من : 2005-2008

مسودة الدستور في مرمى البرلمان:ساسة العراق يتجنبون أسوأ الخيارات

مسودة الدستور في مرمى البرلمان:ساسة العراق يتجنبون أسوأ الخيارات

الانتقاد/ عربيات ـ العدد 1124 ـ 26/8/2005‏

بغداد ـ عادل الجبوري‏

في قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية (الدستور الموقت) هناك نص يشير الى انه في حال لم يُقر مشروع مسودة الدستور الدائم من قبل الجمعية الوطنية العراقية في موعد أقصاه الخامس عشر من شهر آب/ أغسطس 2005، يصار الى حل الجمعية وإجراء انتخابات عامة جديدة لتشكيل جمعية وطنية جديدة تأخذ على عاتقها مهمة كتابة الدستور. وكذا الامر اذا صوّت ثلثا سكان ثلاث محافظات ضد مشروع الدستور، أي دستور، عند الاستفتاء عليه في منتصف شهر تشرين الأول/ أكتوبر المقبل.‏

وفي مساء يوم الخامس عشر من هذا الشهر كان أعضاء الجمعية الوطنية العراقية وكذلك زعماء الكتل السياسية أمام خيارين أحلاهما مر، ولكن لم يكن بد مما لا بد منه، بعدما فشلت لجنة كتابة الدستور المنبثقة عن الجمعية الوطنية في تقديم المسودة النهائية، لأن زعماء الكتل لم يتوصلوا الى حسم نقاط الخلاف العالقة.‏

وهذان الخياران هما اما إعلان حل الجمعية الوطنية، وهذا يعني في ما يعنيه تراجعاً حاداً في العملية السياسية، ان لم يكن الى نقطة الصفر فإلى نقطة قريبة منها جداً، وكذلك ربما يفضي الى أزمة سياسية يمكن ان تدفع البلاد والنخب والقوى السياسية والشارع العراقي الى منزلق خطير، وذلك ما تسعى الى تجنبه كل الأطراف الداخلة في العملية السياسية، بل وحتى أغلب تلك التي خارجها، لإدراك الجميع ان نتيجة من هذا القبيل لن تكون في مصلحة أي طرف من الأطراف .‏

أما الخيار الثاني فهو الاستفادة من المادة الثالثة من قانون ادارة الدولة، التي تتيح تعديل القانون بعد موافقة ثلاثة أرباع أعضاء الجمعية الوطنية ومصادقة مجلس الرئاسة (رئيس الجمهورية ونائبيه).. وبالفعل فإن ذلك ما حصل، حيث صوّت كل الأعضاء الحاضرين (237) في الجلسة الخامسة والخمسين (15-8-2005) على تمديد مهلة تقديم مسودة الدستور مدة سبعة أيام، ومباشرةً بادر أعضاء مجلس الرئاسة: جلال الطالباني وعادل عبد المهدي وغازي إلياور للمصادقة على قرار التمديد.‏

ومع التأكيدات المتكررة لكبار السياسيين أن سبعة أيام كافية لحسم النقاط العالقة، وأن مسودة الدستور ستُستكمل قبل انتهاء تلك المدة، الا ان الوقائع على الأرض جاءت على العكس تماماً مما قيل. فبينما لم يتبقَ سوى ساعات قلائل على انقضاء مهلة الأيام السبعة، كانت التصريحات تنطلق من هنا وهناك حول خيار حل الجمعية الوطنية وإجراء انتخابات جديدة. والشيء اللافت للانتباه ان بعضاً من تلك التصريحات وردت على لسان المتحدث باسم الحكومة العراقية الدكتور ليث كبة.‏

ولم تكن تأكيدات عدد من أعضاء كتلة الائتلاف العراقي الموحد مساء يوم الاثنين الماضي (22-8-2005)، أنه جرى التوصل الى توافقات حول نقاط الخلاف كافية لإقناع الكثيرين بأن الامور ستسير على ما يرام في تلك الليلة، خصوصاً انه الى جانب التأكيدات الايجابية المتفائلة للائتلاف وكذلك التحالف الكردستاني، ظهرت المواقف السلبية المتشائمة للجانب السني من خلال ما صرح به عدد من الأعضاء السنة في لجنة كتابة الدستور.‏

وبقي التساؤل الملح حتى آخر اللحظات هو: هل سيصار الى حل الجمعية ام ان هناك مخرجاً قانونياً ـ دستورياً لتجنب هذا الخيار الخطير، الذي يعد أمرّ الخيارين لا أحلاهما؟‏

وبعد منتصف ليلة الحسم المفترضة بقليل افتتحت الجمعية الوطنية جلستها السادسة والخمسين التي لم تدم سوى دقائق معدودة، واقتصرت على اعلان رئيس الجمعية الدكتور حاجم الحسني تسلم الجمعية مسودة الدستور. ولكن ـ بحسب ما قاله ـ هناك جملة من المسائل العالقة تحتاج الجمعية الى ثلاثة أيام لحسمها. وهذا ما لم يكن متوقعا بالنسبة للكثيرين من المتابعين للشأن العراقي، فضلاً عن الشارع العراقي.‏

ومع ان الخطوة تبدو كأنها التفاف قانوني لتجنب ازمة دستورية تفرض حل الجمعية الوطنية، الا انها اشارت الى حقيقة مهمة هي تجاوز عقبة ـ او خيار حل الجمعية ـ بأقل قدر من الخسائر والاستحقاقات السياسية، التي تتمثل في حدها الأدنى بمعارضة بعض الأطراف لمشروع الدستور، التي يعدها البعض أمراً طبيعياً ومتوقعاً باعتبار انه من غير الممكن بالمرة ان يكون هناك اجماع كامل على دستور معين أيا كان شكله ومضمونه.‏

وعلى ضوء خطوة تسلم الجمعية لمسودة الدستور دون اعلانها حتى حسم المسائل العالقة بعد ثلاثة أيام من تاريخ الاعلان، فإنه لم يعد هناك ما يدفع الى القلق والتوجس مما يطلق عليه "ازمة دستورية"، حتى لو لم تحسم نقاط الخلاف خلال ثلاثة أيام، وهذا ما هو متوقع الى حد كتابة هذه السطور، وإن كانت العقد المستعصية بين الشيعة والأكراد قد حلت، وبقيت الامور معلقة بين هؤلاء من جهة، والسنة من جهة أخرى حول نقاط ثلاث، وهي حظر حزب البعث والفيدرالية وتحديد الأقاليم والسلطات الرئاسية.‏

والأرجح انه قد لا يُتوصل الى توافقات كاملة بشأن النقاط المشار اليها، بيد ان ذلك لن يكون حائلاً دون مصادقة الجمعية على مسودة الدستور، لأن اقراره والمصادقة عليه تحتاج الى 50 %+1 من مجموع أعضاء الجمعية الوطنية، وهذا متاح ومتيسر الى حد كبير، لأن الائتلاف العراقي الموحد ومعه التحالف الكردستاني يشكلان الأغلبية المطلقة في الجمعية (البرلمان).. ويبقى التساؤل الأهم هو: ماذا سيفعل السنة اذا مرر مشروع الدستور دون رضاهم.. هل سيدفعون أبناء المحافظات ذات الأغلبية السنية للتصويت بـ(لا). في الاستفتاء المرتقب منتصف تشرين الأول/ اكتوبر المقبل، وهل اذا قرروا ذلك سينجحون فيه؟ .. قد تتوضح وتتجلى صورة الأحداث والمواقف والحقائق بما فيه الكفاية بعد أسابيع قلائل.‏

2006-10-28