ارشيف من : 2005-2008
المناورات العسكرية الصينية ـ الروسية المشتركة:الشرق الأقصى: تناقضات جديدة مع أميركا

الانتقاد / دوليات ـ العدد 1124 ـ 26/8/2005
المناورات العسكرية التي تجريها القوات الأميركية والكورية الجنوبية في البحر الأصفر، والتي يشارك فيها أكثر من عشرة آلاف جندي أميركي، لا تثير الانتباه بالقدر الذي تثيره المناورات الصينية الروسية في منطقة متاخمة للبحر نفسه غير بعيدة عن فلاديفوستوك الواقعة في أقصى الشرق الروسي. السبب هو أن المناورات الأولى روتينية تجرى سنوياً في منطقة تضم أكثر من بؤرة تفجر على صلة بمشكلة تايوان والنووي الكوري الشمالي، واضطراب العلاقات الصينية اليابانية الموازية لاضطراب آخر في العلاقات بين الأخوين الكوريين المتنازعين من جهة واليابان من جهة ثانية. أما المناورات الثانية التي تحمل اسم "مهمة سلام 2005"، والتي استمرت طيلة أسبوع كامل بين الثامن عشر والخامس والعشرين من آب/ أغسطس الجاري، فإنها جاءت لافتة للأنظار لأسباب عديدة، منها حجم القوات البرية والبحرية والجوية المشاركة فيها، حيث دفع الروس إلى مياه البحر الأحمر بثلاث قطع بحرية ضخمة وبسبع عشرة طائرة منها مقاتلات سوخوي 27 وقاذفات توبوليف 95 الاستراتيجية، إضافة إلى 1800 جندي. أما الصينيون فيشاركون بعدد أكبر يصل إلى ستين سفينة وغواصة وملحقاتها. كما يحضر المناورات، وهذا سبب آخر لاهتمام المراقبين، مسؤولون عسكريون من الهند وباكستان وإيران، ولا يحضرها أي مراقب من الولايات المتحدة الأميركية، لا سيما في ظل الأزمة الناشبة حول الملف النووي الإيراني السلمي والموقف الصيني الرافض للتوجه الأميركي الهادف إلى طرح القضية أمام مجلس الأمن. كما أن الحضور الهندي الباكستاني يعطي المناورات طابعاً قارياً بالمعنى الواسع، خصوصاً بعد لقاءات مجموعة شنغهاي الأخيرة التي تبلورت فيها مطالب الصين وروسيا والعديد من بلدان آسيا الوسطى بسحب القواعد التي أقامها الأميركيون في المنطقة على هوامش الغزو الأميركي لأفغانستان.
وإذا كان من الصحيح أن المناورات الصينية الروسية قد أطلقت تحت عنوان مكافحة الإرهاب كمحاولة للاستفادة من الرياح الدولية المؤاتية في هذا المجال، وتثمير ذلك في مواجهة التحركات الاستقلالية في كل من الشيشان وسينكيانغ (تركستان الشرقية)، فإن المسؤولين الروس والصينيين لا ينفون، برغم تأكيداتهم المتكررة بأن المناورات العسكرية المشتركة ليست موجهة ضد أحد، بأنهم بصدد تنسيق جهودهم لمواجهة ما يعرف بـ"ثورات الألوان" التي تجتاح بلدان الاتحاد السوفياتي السابق، والتي عصفت غرباً بكل من جورجيا وأوكرانيا، قبل أن تتجه شرقاً إلى قيرغيزستان غير البعيدة عن الحدود الصينية. هذا ويقوم الأميركيون بمراقبة المناورات الروسية عن كثب من مواقعهم في كوريا الجنوبية، وكذلك من الأقمار الصناعية في جو من القلق على أرضية التخوف، بعيداً عن التطمينات والتخريجات الدبلوماسية، من تصعيد صيني ضد تايوان أو من مفاجأة في إدارة الملف النووي الكوري الشمالي حيث ان كل ذلك، مضافاً إلى تشنج العلاقات الصينية اليابانية والتهديدات الصينية التي وصلت مؤخراً إلى حد التلويح بضرب مدن الولايات المتحدة بالقنابل النووية، يرشح منطقة الشرق الأقصى لاحتلال موقع متقدم على خريطة الصراعات الدولية، وتحديداً على مستوى التململ الآسيوي من الهيمنة الأميركية، الذي يبدو ارتفاع وتائره منطقياً جداً في ظل التعثر الذي يعاني منه الوجود العسكري الأميركي في العراق وأفغانستان.
ع.ح