ارشيف من : 2005-2008
حرائق، أعاصير، فيضانات وخسائر بالغة:عالم اليوم أمام الكوارث البيئية المتصاعدة

الانتقاد/ دوليات ـ العدد 1125 ـ 2 أيلول/سبتمبر 2005
هل وصل العالم إلى زمن تخلو فيه الصحف وقنوات التلفزة ووسائل الإعلام الأخرى من أخبار الحروب والأزمات السياسية والاقتصادية وأنشطة الرياضة والفن والمجتمع، لتحل محلها أخبار الكوارث البيئية؟
يبدو أن ذلك قد أصبح الآن في حكم الأمر الواقع حيث باتت أخبار الصراع بين البشر والطبيعة تحتل الموقع الأول من اهتمامات الإعلام، على الأقل خلال الأيام القليلة الماضية في رقعة جغرافية تشتمل على معظم أوروبا وجميع البلدان الآسيوية الواقعة على سفوح جبال هملايا وجنوب الولايات المتحدة الأميركية، في وقت تستعد فيه اليابان لمواجهة إعصار ضخم يتجه منذ أيام نحو شواطئها، وفي وقت دب فيه الهلع في إحدى مناطق زيمبابوي بعد سقوط نيزك قدر وزنه بعدة كيلوغرامات ولم يحدث أضراراً ملموسة.
لكن الأمر على خلاف ذلك في أوروبا أولاً. فالبرتغال الواقعة في أقصى طرفها الغربي عادت إليها موجة الحر والجفاف التي سبق وضربتها مع فرنسا وبريطانيا قبل عامين موقعة عشرات الألوف من الضحايا البشرية وعشرات المليارات من الخسائر المادية.
الجفاف الحالي الذي يضرب البلدان المذكورة هو الأسوأ في البرتغال منذ العام 1945 لأنه ترافق مع تجدد الحرائق التي قتلت أكثر من 15 شخصاً وأتلفت حتى الآن أكثر من 221 ألف هكتار من الغابات والأراضي المعشبة بخسائر مادية قدرت بملياري يورو للجفاف وبـ300 مليون يورو للحرائق.
في فرنسا، حيث كانت التوقعات قد ذهبت إلى احتمال ارتفاع الحرارة ما بين 4 و7 درجات مئوية خلال هذا الصيف، كان تناقص مياه الشفة بين أهم تعبيرات الأزمة لأن أكثر من 80 بالمئة من المياه المتوافرة يصرف على ري الزراعات الصيفية. ويدور جدل واسع حالياً حول ضرورة نقل هذه الزراعات إلى فصل الربيع وفرض ضرائب أكبر على استخدامات المياه صيفاً.
غير بعيد عن فرنسا، تمثلت المشكلة في الرقعة الممتدة من سويسرا إلى بولندا، مروراً بالنمسا وألمانيا والمجر ورومانيا وبلغاريا، بكثرة المياه.
أمطار صيفية غزيرة وفيضانات وانزلاقات أرضية وقرى غارقة بالوحول مع كل ما ينشأ عن ذلك من أضرار. الخسائر البشرية بلغت 70 قتيلاً منهم 30 في رومانيا و26 في بلغاريا.
وبالإضافة إلى الخسائر المادية، هنالك أحاديث عن خطر انتشار الأوبئة بسبب جثث مئات الحيوانات الطافية في الشوارع المغمورة بالمياه في أكثر من منطقة، دون الحديث عن تعطل مواسم السياحة واحتجاز مئات السياح في أكثر من مكان في أوروبا الوسطى.
وبالانتقال إلى آسيا، سجل في الشهر الماضي وحده مقتل 700 شخص في الصين وتشرد 3 ملايين شخص بسبب الفيضانات الناشئة عن الذوبان المتزايد لثلوج الهملايا نتيجة لارتفاع معدلات الحرارة على سطح الكوكب.
الفيضانات لا تقتصر على الصين بل تشمل كافة بلدان المنطقة من باكستان والهند وصولاً إلى تايلند وفييتنام مع نصيب أوفر من الخسائر تختص به بنغلادش.
توقعات العلماء والباحثين متشائمة جداً حول الكوارث غير العادية التي تنتظر المنطقة خلال السنوات القريبة القادمة في ظل السيناريو التالي: ذوبان الجبال الجليدية يؤدي إلى فيضانات هائلة، ثم يأتي بعد ذلك الجفاف...
وبالانتقال إلى الشواطئ الجنوبية للولايات المتحدة، نجد مشهداً مختلفاً حيث تأتي المشكلة من البحر، هذه المرة. والمشكلة اسمها كاترينا.
وكاترينا هو إعصار هب ابتداءً من الإثنين الماضي منطلقاً من خليج المكسيك ليجتاح ولايات لويزيانا وميسيسيبي وآلاباما وغرب فلوريدا.
شيء شبيه بالتسونامي الذي ضرب جنوب آسيا قبل عام ونصف. موجة من المياه يصل ارتفاعها إلى تسعة أمتار أحياناً تدفعها رياح تهب بسرعة 224 كلم في الساعة وتلقي بها على الشواطئ حيث تتقدم في الأماكن المنبسطة والواطئة وتجرف في طريقها كل ما تقدر على جرفه. منصات نفط ضخمة طوّحت بها التيارات إلى مياه خليج المكسيك. مبان عديدة انهارت وقتل في أحدها ثلاثون شخصاً. جثث تطفو على المياه وآلاف الأشخاص اضطروا داخل المدن التي غمرت المياه 80 بالمئة من مساحتها ووصلت فيها إلى ارتفاع ستة أمتار أحياناً كما في نيوأورليانز، اضطروا إلى فتح منافذ في السقوف بواسطة الفؤوس وحتى برصاص الأسلحة النارية للنفاذ إلى السطوح التي اعتصموا بها لأكثر من 24 ساعة هرباً من المياه التي وصلت إلى مستوى الطابق الثالث من الأبنية. نيوأورليانز معزولة عن العالم بسبب غرق أو دمار الطرقات والجسور وتعطل المرافئ والمطارات، وأعمال الإنقاذ تتم بواسطة الطائرات المروحية. الإحصاءات تتركز على أعداد الأشخاص الذين يتم إنقاذهم أحياء أو انتشالهم بعد موتهم. ثمانون قتيلاً في نيوأورليانز والأرقام قد تكون بالمئات فيها وفي غيرها... إذا لم تكن بالآلاف. لا مجال لتقديم أرقام دقيقة. المهم الآن هو إنقاذ الأحياء، على ما يقوله المسؤولون.
والانقاذ يشتمل أيضاً على تزويد تلك المناطق بالأغذية ومياه الشرب، إضافة إلى الإجراءات الأمنية الهادفة لقمع أعمال النهب التي ظهرت أيضاً بأشكال ملموسة. تقديرات الخسائر المادية في حدود 26 مليار دولار، والرئيس بوش قطع إجازته التي يمضيها في مزرعته بتكساس قبل انتهائها بيومين للاهتمام بالوضع في الولايات المنكوبة. للتذكير فقط، الرئيس بوش يمتنع منذ سنوات عن توقيع بروتوكولات كيوتو الهادفة إلى التخفيف من تأثيرات الكارثة البيئية عبر تقليص انبعاث الغازات الناشئة عن حرق النفط وغيره من مصادر الطاقة. وهو يبرر ذلك الامتناع بضرورات المحافظة على نمو الاقتصاد الأميركي ونمط العيش الأميركي الذي يعمل أيضاً على تعميمه عالمياً كرديف للديموقراطية. وسواء تعلق الأمر بالرئيس بوش أو بغيره من المقررين، فإن إعادة النظر بالنشاط البشري "الإحراقي" تفرض نفسها بحدة على الصعيد العالمي قبل أن يسقط الكوكب تحت ضربات الأعاصير والفيضانات وموجات الجفاف والحرائق.
عقيل الشيخ حسين