ارشيف من : 2005-2008
إنذارات الطبيعة شارفت على نهايتها وساعة الحقيقة دقت

الانتقاد / مقالات ـ العدد 1125 ـ 2 أيلول/سبتمبر 2005
احتباس حراري، ارتفاع درجة حرارة الأرض، ثقب الأوزون، أعاصير مدمرة في غير وقتها، فيضانات صيفية، جفاف في مناطق الشمال، ذوبان الجليد من القطب المتجمد الشمالي، كلها مصطلحات لم تكن مألوفة قبلا في القرون السابقة، وباتت خبزنا اليومي بسبب الطبيعة البشرية الطماعة التي تحكم من يركبون موكب التطور العلمي والتكنولوجي مع انهم يعلمون أن الخطر سيطال كل الكرة الأرضية وليس منطقة بعينها.
آخر هذه المصطلحات الجهنمية هو الذوبان الحاصل في جبال الهملايا حيث قمة إفرست أعلى قمة في العالم، وحيث تتركز أكبر كمية من المياه العذبة في العالم تحت طبقات ثلجها، علماً أن الاحصاءات تشير إلى أن سبعين في المئة من المياه العذبة في العالم مجمدة في الأنهر الجليدية.
أحد متسلقي الجبال السويسري "روجيه بين" أكد بعد عودته من مهمة قام بها في جبال الهملايا وموّلها برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن تأثير ارتفاع حرارة الأرض يلاحظ في كل مكان من الهملايا.
وقال روجيه بين في مؤتمر صحافي عقده لمناسبة الخميس العالمي للبيئة إن فريقه تسلق قمة إيلاند التي يبلغ ارتفاعها 6189 متراً في نيبال، والتي كان يطلق عليها هذا الاسم في الماضي لأنها تشبه جزيرة في بحر من الجليد تنتشر فيه بحيرات صغيرة، وأوضح أن ذوبان الجليد حوّلها اليوم إلى بحيرة كبيرة تمتد على مسافة عدة كيلومترات.
وقال إن "تأثير التغيير المناخي يشاهد في كل مكان ودرجات الحرارة أصبحت أكثر ارتفاعا ونسبة الرطوبة أعلى في السنوات الأخيرة". وأضاف أنه "في كل مكان زرناه أكد لنا الذين تحدثنا إليهم أن درجة الحرارة أصبحت أكثر ارتفاعا والرطوبة أعلى والثلوج أقل".
ورأى بين وهو مدير الرياضة والتنمية في الاتحاد الدولي لجمعيات متسلقي الجبال، أن ارتفاع حرارة الأرض يشكل أحد أخطر التهديدات للجبال إن لم يكن أخطرها على الإطلاق.
وذكرت دراسة لبرنامج الأمم المتحدة والمركز الدولي للجبال في نيسان/ أبريل الماضي أن 44 من بحيرات الهملايا الواقعة في نيبال وبوتان يمكن أن تفيض في السنوات الخمس أو العشر المقبلة لتغرق السهول المجاورة وتهدد حياة عشرات الآلاف من السكان.
أما تنبؤات الخبراء في هذا المجال فتحذر من وقوع طوفان وقحط وأمراض، سيناريو المأساة يبدأ مع امتلاء الأنهر على آخرها بحيث تتخطى المياه ضفاف الأنهر آخذة في طريقها المنازل والحقول في الصين والهند وجنوب شرق آسيا، بعدها بعدة عقود سيأتي دور القحط وسينتج ذلك عن عدم توافر المياه وجريانها في الانهار، ثم يأتي الطوفان الثاني الذي سيكون اشبه ما يكون بجدران عالية من المياه اقرب منه الى جبال تسونامي بحيث يجرف في طريقه الجسور والسدود والبشر معا.
اعداد لا تحصى من البشر ستغرق او تموت بسبب انتشار الاوبئة التي لن يكون بالامكان تجنب انتشارها، وسيموت الكثيرون ايضا بسبب عدم توافر الغذاء، الكثيرون سيخسرون مصدر رزقهم وسيلحقون بالفقراء والمعدمين في منطقة من اكثر المناطق ازدحاما بالسكان، والاكثر خطورة من ذلك ان الوقت اصبح متأخرا لفعل اي شيء يحول دون وقوع الكارثة.
هذه الكوارث المتتابعة المتوقعة ستكون نتائج لاكثر مشاكل آسيا البيئية، وهي ذوبان الانهار الجليدية في الهملايا، وهي انهار هائلة من الثلوج توجد على طول الوديان والجبال في سلسلة جبال الهملايا، وحسبما يقول الكثير من خبراء البيئة وعلماء المناخ الذين درسوا هذه الانهر فإنه لا يوجد هناك شك في ان هذه الانهار بدأت تذوب نتيجة لارتفاع درجة حرارة الارض، وستطال نتائج ذلك مساحات شاسعة من الاراضي بما في ذلك اجزاء من باكستان وكمبوديا.
من جهتهم يقول علماء المناخ انه من الصعب حاليا الربط الواضح ما بين ذوبان الانهار الجليدية وهذه الفيضانات الحديثة التي تسببت بها ايضا الامطار الغزيرة، ولكن ارتفاع درجات الحرارة في الهملايا سيجعل هذه الكوارث اكبر واكثر تكرارا. يقول هيلاري كوكس من صندوق البيئة البرية في بكين "الكثير من الانهار في الصين يتم تغذيتها من الانهار الجليدية في حوض التيبت، والتغييرات المناخية التي تشهدها المنطقة سيكون لها تأثير على ما يحدث في هذه الانهار".
وتزود انهار الهملايا الجليدية الانهار الآسيوية بحوالي 6.8 مليار متر مكعب من المياه سنويا بما فيها نهر ينكتس والنهر الاصفر في الصين ونهر كنفا في الهند ونهر اندوس في باكستان ونهر براهمابوترا في بنغلاديش ونهر سالوين وايراوادي في بورما ونهر الميكونغ الذي يمر عبر الصين وبورما وتايلاند ولاوس وكمبوديا وفيتنام، وقد ارتفع متوسط درجات الحرارة في الهملايا منذ السبعينيات وبدأت الانهار الجليدية بالتراجع. فنهر فومبو في نيبال مثلا، تراجع بأكثر من ثلاثة اميال منذ 1953 ومن الممكن ان يختفي بحلول عام 2050.
مدير برنامج التغير المناخي العالمي جينفر مورغان يقول: ان الذوبان المطرد للانهار الجليدية في الهملايا سيؤدي في البداية الى زيادة كميات المياه في الانهار ما سيتسبب بحدوث فيضانات، بعدها ستتراجع كميات المياه في الانهار مسببة مشاكل اقتصادية وبيئية هائلة لشعوب غرب الصين ونيبال وشمال الهند.
الاخطار الاكثر دراماتيكية ستأتي نتيجة لفيضان البحيرات الجليدية التي يمكن ان تنهار دون سابق انذار مسببة اطلاق كميات هائلة من المياه الى الوديان المختلفة حاملة معها الصخور والاشجار والحطام على انواعه.
وقد حدد العلماء عددا من البحيرات التي يمكن ان تفرغ من المياه خلال السنوات العشر القادمة. في عام 1985 حدث فيضان من بحيرة ديك تشو وأدى الى طوفان بارتفاع 15 مترا أسفر عن تحطيم 14 جسرا، وجرف محطة لتوليد الطاقة الكهربائية ومقتل العشرات، في العام 2003 ادى فيضان بحيرة كاوار الى مقتل العديد من السكان المقيمين في المنطقة.
وحسب المعلومات البيئية للأمم المتحدة فإن الخمسين سنة الماضية كانت الأكثر حرارة منذ ألف سنة في منطقة التيبت، كما تشير المعلومات نفسها إلى أنه في سجل ألف وسبعمئة وثمانٍ وثلاثين سنة من تاريخ الأشجار والغابات في منطقة منغوليا تعتبر الفترة بين عامي 1980 و1999 الفترة الأكثر حرارة على الإطلاق، حيث لوحظ نمو متسارع للأشجار في هذه المنطقة، وقد لوحظ ازدياد نمو الأشجار العائد لارتفاع الحرارة أيضا في جبال الأوراسيا والقطب الشمالي وياكوتا وروسيا، كما أن نسبة التراجع في الجليد في جبال الهملايا تتراوح بين خمسة عشر مترا وثلاثين مترا في السنة.
الطبيعة ما زالت حتى الآن تعطينا الانذار تلو الآخر، و"العالم المتحضر" ما زال يتمسك بنهمه المادي حتى ولو أن بعضا من جسمه يتم نهشه عبر الأعاصير وبقية الكوارث المختلفة، ويبقى السؤال إلى متى ستبقى الانذارات تتوالى، وماذا سنفعل عندما يحين وقت اللاندم الذي يقترب منا وبسرعة؟؟
محمد يونس