ارشيف من : 2005-2008

التحفظات قد لا تؤثر على إقرارها :مسوّدة الدستور العراقي الدائم أمام تحدي الاستفتاء

التحفظات قد لا تؤثر على إقرارها :مسوّدة الدستور العراقي الدائم أمام تحدي الاستفتاء

الانتقاد/ عربيات ـ العدد 1125 ـ 2 أيلول/سبتمبر 2005‏

بغداد ـ عادل الجبوري‏

تحتاج الاطراف والقوى المعارضة لمشروع الدستور العراقي الدائم الذي اقرته الجمعية الوطنية (البرلمان) يوم الاحد الماضي (28-8-2005) الى ثلثي أصوات سكان ثلاث محافظات أو أكثر، حتى تنجح بإفشاله عند الاستفتاء الشعبي العام عليه في منتصف شهر تشرين الاول/ اكتوبر المقبل.‏

هذا ما ينص عليه قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية في الفقرة (ج) من مادته الحادية والستين.‏

السؤال هنا هل يا ترى يمكن أن تنجح الأطراف والقوى المعترضة على الدستور في تحقيق خطوة مثل هذه لتعيد العملية السياسية في العراق الى نقطة الصفر؟‏

للاجابة عن مثل هذا التساؤل لا بد من معرفة تلك القوى والاطراف المعارضة او المتحفظة، ومعرفة حجمها ومساحات تأثيرها وعمق القاعدة الجماهيرية التي تقف وراءها، بالمقارنة مع ما تمتلكه الاطراف المؤيدة لمشروع الدستور من امتدادات شعبية واسعة في الشارع العراقي في جنوب ووسط وشمال البلاد، ومن ثم ما هو مدى الثبات في مواقفها، ودرجة الانسجام والتجانس فيما بينها.‏

وفي الواقع ان المشهد السياسي العام يشير بوضوح الى ان المعارضين لمشروع الدستور بصيغته المطروحة والمعلنة هم ممثلو السنة، الذين يمكن تحديدهم بالاعضاء الخمسة عشر في لجنة كتابة الدستور، وهم في حقيقة الامر لا يمثلون طيفا سياسيا وفكريا واحدا، بل يحملون عناوين سياسية وفكرية متعددة، فبعضهم ينتمي الى هيئة علماء المسلمين، وبعضهم ينتمي الى الحزب الاسلامي العراقي، الذي يعد أحد أبرز الأطراف السنية التي دخلت في العملية السياسية منذ تشكيل مجلس الحكم السابق مرورا بالحكومة الموقتة برئاسة اياد علاوي، انتهاء بالمرحلة الحالية، وان كان حضور ذلك الحزب غير منظور وواضح بما فيه الكفاية، هذا الى جانب شخصيات سياسية وقانونية وعشائرية علمانية ربما كان البعض منها مرتبطا بشكل او بآخر بمنظومة السلطة السابقة او متماهيا ومتعاطفا معها.‏

ومن خارج جماعة الخمسة عشر هناك في الاوساط السنية من يتبنى مواقف متشددة جدا من مشروع الدستور الجديد، في ذات الوقت هناك اطراف سنية اخرى قد لا تعارض المشروع، أو ان لديها بعض التحفظات، مثلما هو الحال مع الاطراف الشيعية والكردية التي أقرّته وأيّدته، حيث أنها ـ الأخيرة ـ أكدت غير مرة انه مع تأييدها لمسودة الدستور الا ان ذلك لا يعني عدم وجود تحفظات لديها على بعض المواد الواردة فيه، وانه من غير الممكن وضع دستور يحظى بالقبول والرضى الكامل لكل المكونات السياسية والاجتماعية لأي بلد.‏

وما ينبغي الاشارة اليه هو انه من الخطأ الحديث عن معارضة ـ أو تحفظ ـ سنية على مشروع الدستور، والصحيح القول ان هناك بعض اطياف المجتمع العراقي تعارض او تتحفظ على بعض ما جاء في مسودة الدستور، ومن غير الضروري ان تكون تلك الاطياف تحمل هوية سنيّة فقط.‏

فهناك اطراف كردية قد تكون صغيرة الحجم لديها تحفظات، وهناك تيارات شيعية، كالتيار الصدري الذي يتزعمه السيد مقتدى الصدر، وهناك تيارات علمانية قد تكون محسوبة على الطائفة الشيعية، وهكذا.‏

وفي هذا السياق يمكن للمتابع السياسي ان يرصد جملة أمور منها ان المسائل موضع الاعتراض والتحفظ تشكل جزءا صغيرا من مجمل المسائل والقضايا التي تتناولها مسودة الدستور، وهي ان بدت على درجة كبيرة من الاهمية والحساسية والخطورة، الا انها في كل الاحوال تحظى بقبول وموافقة الاغلبية، برغم ان القضية لم تخضع للتصويت.‏

ويمكن تسجيل ان الحزب الاسلامي العراقي اعلن يوم الثلاثاء الماضي ـ اي بعد يومين من اقرار مسودة الدستور ـ على لسان طارق الهاشمي احد كبار قيادييه ان الحزب قد يؤيد الدستور العراقي، وانه ما زال هناك متسع من الوقت حتى موعد اجراء الاستفتاء على المسودة في 15 تشرين الاول/ أكتوبر 2005.‏

وقد قلل أكثر من تيار وشخصية سياسية من أهمية تصريحات عدد من المسؤولين العرب السنة الذين عارضوا مسودة الدستور، فعلى سبيل المثال قال الزعيم الكردي مسعود البارزاني بعد عودته من بغداد الى اربيل "ان العديد من الاطراف السنية شاركوا في جميع المناقشات وحتى في الاعلان عن هذه المسودة، ولا احد يعلم اذا كان هؤلاء المعارضون يمثلون اي جزء من العرب السنة، مضيفا اذا كانوا صادقين في اقوالهم وانهم يمثلون أغلب العرب السنّة فسيظهر ذلك عبر عملية الاستفتاء".‏

من جانبه دعا السيد مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري، انصاره الى التهيؤ للمشاركة في الاستفتاء على الدستور مشيرا الى انه لم يتم حتى الآن اتخاذ قرار بشأن التصويت بنعم أو لا على الدستور، ولعله من خلال معطيات الوضع السياسي الراهن يبدو ان التيار الصدري يتعاطى مع العملية السياسية بنوع من الايجابية، وهذا ما يعني استبعاد قرار التصويت بـ"لا"، علما ان هذا التيار يشغل حيزا لا بأس به في الشارع العراقي.‏

هذا وقد اعتبر عدد غير قليل من السياسيين واصحاب الرأي ان التظاهرات التي خرجت هنا وهناك ضد الدستور عكست صورة سلبية واساءت بصورة او بأخرى لعموم التيار المعارض، لانها ـ اي تلك التظاهرات ـ قرنت بين رفض الدستور والمطالبة بعودة صدام الى الحكم، وهي جرت في مناطق تعد من بؤر التوتر الساخنة مثل بعقوبة، وتكريت الى حد ما.‏

ومع انه من المبكر القطع بأمر ما، اذ انه لم تتوضح وتتبلور الصورة حتى الآن بما فيه الكفاية، الا ان التحليل الاكثر منطقية وواقعية يذهب الى ان السنة في حال قرروا التمسك بخيار الرفض والمعارضة، فإنهم سيواجهون نفس ما واجهوه في انتخابات الثلاثين من كانون الثاني/ يناير الماضي، حينما راهنوا على فشل الانتخابات وصاغوا استراتيجياتهم على هذا الاساس، لتكشف لهم النتائج فيما بعد خطأ تلك المراهنات، والتي جعلتهم ـ أو قسماً غير قليل منهم ـ يعيدون النظر في مواقفهم وخطابهم السياسي.‏

واذا كانت هناك مراهنة على تصويت ثلثي سكان ثلاث محافظات بـ"لا" على الدستور، فإن هذه المراهنة لن تكون على أي من محافظات الجنوب أو الفرات الأوسط أو الشمال، بل ستتمحور على ثلاث محافظات هي الرمادي والموصل وتكريت، وفي أعلى تقدير يضاف اليها ديالى.‏

وهنا ينبغي الاخذ بعين الاعتبار ان المرجعية الدينية متمثلة بآية الله العظمى السيد علي السيستاني اصدرت فتوى دعت فيها كافة المواطنين المؤهلين للمشاركة في الاستفتاء على الدستور، ولا شك ان دلالات هذه الفتوى واضحة ولا تحتاج الى كثير من التأويل والتفسير، وهي يمكن ان تشكل احد ابرز عوامل الحسم للخطوة القادمة في مسيرة العملية السياسية في العراق، وهذا ما يجب على المعارضين التوقف عنده طويلا الى جانب التوقف طويلا عند الحقائق الاخرى.‏

2006-10-28