ارشيف من : 2005-2008

بين النفط والنفط: الحلقة الجهنمية!!

بين النفط والنفط: الحلقة الجهنمية!!

الانتقاد/ دوليات ـ العدد 1125 ـ 2 أيلول/سبتمبر 2005‏

قبل أيام على إعصار كاترينا، أبدت بعض شركات النفط استبشاراً بظاهرة الانحباس الحراري على أساس أنها تساعد، وفقاً لما أثبتته دراسة علمية، في تكوّن النفط تحت الطبقات الجليدية في غرينلاند. والاستبشار كان كبيراً أيضاً وأكثر ملموسية عندما كان إعصار كاترينا ينشر الدمار والموت على الشاطئ الجنوبي للولايات المتحدة، حيث كتبت بعض الصحف أن هذا الإعصار ليس شراً كله، باعتبار أن رياحه وأمواجه قد حملت "خيراً" كثيراً لسوق النفط. وتفصيل ذلك أن سعر البرميل قد تجاوز في نيويورك، عشية الإعصار، عتبة الـ70 دولاراً قبل أن يعود إلى الاستقرار على سعر 69،95 دولاراً بزيادة 3،82 دولاراً عن السعر الذي كان عليه قبل يوم واحد وهو 66،13 دولاراً.‏

أما أسباب هذه "النعمة" فعديدة. منها أن عدداً من منصات استخراج النفط والآبار قد اجتاحها الطوفان، وأن آباراً تمثل 42% من الانتاج في المنطقة قد أقفلت قبل وصول الإعصار خوفاً من تكرار ما أحدثه الإعصار أيفان من دمار في أيلول/ سبتمبر الماضي أدى إلى ارتفاع أسعار النفط بنسبة 22% مع أنه كان أقل قوة، وهو المصنف في الفئة الثالثة، من كاترينا المصنف من الفئة الخامسة، ما يدفع إلى "التفاؤل" بإمكانية وصول سعر البرميل في ظل الإعصار الجديد إلى 80 دولاراً! ومنها تعطل العمل في ميناء أورليانز الذي يستقبل 11% من الواردات النفطية الأميركية، أي حوالى مليون برميل يومياً. ومنها أخيراً، وبالإضافة إلى التهديد بفرض عقوبات تجارية على إيران بسبب الملف النووي، أن منظمة البلدان المصدرة للنفط التي تعمل بكامل طاقتها منذ بداية العام لن يكون بإمكانها أن ترفع سقف انتاجها لتعويض النقص الأميركي الذي أحدثته كاترينا.‏

صحيح أن الطلب على البنزين ينخفض بعض الشيء مع نهاية الصيف الأميركي وتباطؤ استخدام السيارات في سياحة الاصطياف، ولكن أضرار كاترينا لم تقتصر على السواحل الجنوبية بل شملت جميع الأميركيين حيث وصل سعر الغالون (3،8 ليتر) في محطات الوقود إلى 3 دولارات.‏

والواضح، في ظل نقص الإمدادات والارتفاع المحموم في الأسعار الذي بلغ 61% منذ بداية العام الحالي، أن ذلك سيجبر الرئيس بوش على إطلاق قسم من الاحتياطي الإستراتيجي الأميركي، وهو إجراء لا يتم اللجوء إليه عادة إلا في الظروف القصوى.‏

وإذا لم تجد أوبك كالعادة مخرجاً من الأزمة يلبي احتياجات الأميركيين، فإن سعر البرميل سيحقق قفزات جديدة ستجلب سروراً وحبوراً إضافيين لشركات النفط، ومزيداً من الضغط على جيوب المستهلكين في أنحاء العالم.‏

وإذا حدث العكس وتمكنت أوبك أو غيرها من العودة إلى سياسات إغراق الأسواق وتخفيض سعر البرميل، فإن عمليات الإحراق والانحباس الحراري ستتصاعد حاملة معها المزيد من الأعاصير والحرائق والفيضانات. حلقة جهنمية أضرارها منافع للبعض على المدى الموقت، وأضرار مضاعفة للجميع على المدى الموقت والقريب والبعيد. وبالطبع، فإن الحديث عن الحلول الجدية للمشكلة غير ممكن لأنه يتناقض مع مقتضيات نمط العيش العالمي السائد الذي قد لا يمر عليه كثير من الوقت حتى يأخذ اسم نمط العيش البائد. ومن حسن الحظ أن الزمن يتدخل في صنع التاريخ عندما ينصب اهتمام البشر على صناعات أخرى.‏

ع.ح‏

2006-10-28