ارشيف من : 2005-2008
زيارة الأسد إلى طهران: توافق استراتيجي في مواجهة التحديات

الانتقاد/ إقليميات ـ العدد 1122 ـ 12آب/أغسطس 2005
خورشيد دلي ـ دمشق
اكتسبت زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية أهمية خاصة، لا لأنها أول زيارة لرئيس دولة إلى طهران منذ استلام الرئيس الإيراني الجديد احمدي نجاد مهامه فحسب، بل بسبب القضايا العديدة التي تم بحثها خلال الزيارة، وأهمية هذه القضايا بالنسبة للبلدين والمنطقة عموما، في ظل تواصل الضغوط الأميركية على كل من سورية وإيران, ولعل هذا ما دفع بالعديد من المتابعين والمحللين السياسيين إلى وصف الزيارة بأنها سياسية بامتياز.
في الواقع, إذا كانت الزيارة أخذت طابعا اعتياديا بالنسبة للعلاقات السورية ـ الإيرانية حيث اعتاد الرئيس السوري القيام بزيارة إلى طهران كلما كان هناك رئيس جديد لإيران، فإن هذه الزيارة جاءت في ظل متغيرات إقليمية ودولية تفرض على البلدين المزيد من التعاون والتنسيق والعمل المشترك لمواجهة استحقاقات هذه المتغيرات والتعامل معها بدقة, من هنا فإن توقيت الزيارة له أهمية كبيرة، كما ان التوصل إلى رؤية مشتركة إزاء القضايا المطروحة والمتغيرات الجارية بات أولوية سياسية للبلدين بعد ان تماهت سياستهما إزاء معظم القضايا الإقليمية, وعليه يمكن القول ان من أهم أهداف الزيارة:
1 ـ معرفة القيادة السورية للرئيس الإيراني الجديد عن قرب، ومعرفة أولوياته وتصوراته السياسية نظراً لما لذلك من أهمية في بناء السياسات والمواقف.
2 ـ إمكانية البحث عن سياسة مشتركة تجاه العراق والعملية السياسية الجارية هناك, وعلى الرغم من الحديث عن اختلاف بعض الأولويات والتصورات حيال طبيعة العملية السياسية الجارية في العراق إلا ان السياق الاستراتيجي لسياسة البلدين يبدو واحداً من حيث التأكيد على وحدة العراق وسيادته، وضرورة إنهاء الاحتلال الأميركي فيه.
3 ـ الحفاظ على الخط المقاوم المتمثل بـ: إيران ـ سورية ـ حزب الله، في مواجهة السياسة الأميركية الإسرائيلية الهادفة إلى تفكيك هذا "التحالف" بغية إلغاء إرادة المقاومة والعوامل الداعمة لها. ولعل بعد الانسحاب السوري من لبنان ومستجدات الساحة اللبنانية أصبح الحفاظ على المقاومة ونهجها ضرورة استراتيجية للبلدين، خاصة في ظل الضغوط الجارية لتنفيذ القرار 1559 بشأن سلاح المقاومة، وسط المزاعم الأميركية لكل من سورية وإيران بدعم "الإرهاب والمنظمات الإرهابية".
4 ـ حرص البلدين على إيصال رسالة واضحة بخصوص وقوفهما ضد الإرهاب والعمليات الإرهابية التي انتشرت في المنطقة مؤخراً، خاصة بعد احتلال العراق والمحاولات الأميركية تحميل مسؤولية ذلك لسورية وإيران. وعليه فإن موضوع الإرهاب ومكافحته احتل مكاناً بارزاً في محادثات الرئيس الأسد في طهران، وخاصة ان العمليات الإرهابية التي شهدتها العديد من الدول الأوروبية وغيرها مؤخراً باتت تتطلب من الدول العربية والإسلامية رسالة واضحة بهذا الخصوص نظرا للاتهامات التي تساق بالجملة ضد هذه الدول وشعوبها.
5 ـ الحصول على الدعم المتبادل في مواجهة التحديات الثنائية والمشتركة.. فإيران بحاجة إلى موقف إقليمي ودولي داعم لها في مواجهة الضغوط الهادفة إلى تحويل ملفها النووي إلى مجلس الأمن الدولي، وكذلك في العديد من القضايا السياسة.. كما ان سورية بحاجة الى دعم إقليمي ودولي في مواجهة الضغوط الهادفة الى حصارها وعزلها.. وعليه فإن التقارب بينهما وانتهاج سياسة مشتركة من شأنهما ليس التخفيف من تأثير حدة الضغوط عليهما فقط، بل تقوية موقفهما على كل الأصعدة من جهة، ومن جهة ثانية تفعيل الدور الإقليمي للبلدين في دعم استقرار المنطقة وأمنها، وتحقيق نوع من المناعة في مواجهة المخططات الأميركية الهادفة الى إعادة ترتيب المنطقة من جديد.
6 ـ إضافة إلى هذه الأهداف السياسية الواضحة للزيارة فإن تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين، ولا سيما في المجال الاقتصادي، بات له أهمية خاصة نظراً لأهمية المشاريع الاقتصادية الإيرانية في سورية، والتي تشمل قطاعات أساسية من الاقتصاد السوري كالكهرباء والمواصلات... فضلا عن ان المؤشرات الاقتصادية تتحدث عن إمكانية استيراد سورية النفط من إيران في السنوات القليلة المقبلة.
في الواقع, يمكن القول ان هذه هي الأهداف الأساسية لزيارة الرئيس الأسد إلى طهران، وقد أظهرت المحادثات التي أجراها مع القادة الإيرانيين مدى التوافق في سياسة البلدين، وليس أدل من ذلك عندما قال الرئيس الإيراني أحمدي نجاد ان قضايا سورية هي قضايا إيران، ووصفه للرئيس الأسد بصديق الأمة الإيرانية، بينما أكد الرئيس الأسد على الدور الأساسي للبلدين في أمن المنطقة واستقرارها.. ومن كل هذا تتبدى أهمية هذه الزيارة ونتائجها في دفع العلاقات بين البلدين إلى الأمام، وفي تشكيل مناعة إقليمية تجاه ما يُرسم للمنطقة من مشاريع ومخططات.