ارشيف من : 2005-2008

هل تفلح الولايات المتحدة في البحث عن هوية مصنعي العبوات المتطورة؟

هل تفلح الولايات المتحدة في البحث عن هوية مصنعي العبوات المتطورة؟

الانتقاد/ عربيات ـ العدد 1122 ـ 12 آب/أغسطس 2005‏

من هو "العدو الجديد" لقوات الاحتلال الأميركي في العراق؟‏

هذا السؤال طرح مؤخراً في ضوء جملة من العمليات الجديدة التي يواجهها العسكريون الأميركيون في هذا البلد، والتي أدت إلى مصرع ثمانية وعشرين منهم في غضون أربعة أيام فقط منذ مطلع الشهر الجاري.‏

الضربة الأقسى كانت صباح الأربعاء الثالث من آب/ أغسطس الحالي عندما قتل أربعة عشر جندياً من المارينز دفعة واحدة في تفجير عبوة ناسفة في منطقة حديثة غرب بغداد، حيث استحقت هذه العملية وصفاً بأنها واحدة من أعنف الهجمات التي استهدفت الأميركيين منذ غزوهم العراق عام 2003.‏

هذا الرقم الجديد تلاه كلام جديد من نوعه ذهب أبعد من الحدود التي كان يتم تداولها في تحليل هذه الظاهرة. فقد أقرت قوات الاحتلال بأنها تواجه نوعية جديدة من العبوات مسؤولة مباشرة عن هذا الارتفاع في خسائرها البشرية، ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن ضباط اميركيين ان العبوات باتت اكبر حجماً واكثر تعقيداً، وكانت الخلاصة التي استنتجها هؤلاء الضباط في تحليلهم لسلسلة هجمات تعرضت قواتهم لها ان هناك خلية جديدة لتصنيع العبوات، وانها ذات حشوات موجهة تركز الانفجار وتزيد من فرص اختراق العربات المدرعة، حيث كان لافتاً مقتل الجنود الاربعة عشر برغم انهم كانوا يستقلون مدرعة تزن خمسة وعشرين طناً.‏

وحسب أحد الضباط فإن المقاتلين الجدد يذهبون على الارجح الى مدرسة لتعلم كيفية صناعة قنابل قادرة على تدمير مثل هكذا عربات.‏

وحسب "النيويورك تايمز" فإن التغيير في "تكتيك" العبوات يعود الى الثالث والعشرين من تموز/ يوليو المنصرم، عندما انفجرت عبوة ضخمة على طريق مطار بغداد بعربة على متنها اربعة جنود اميركيين، ما ادى الى مقتل الاربعة، ولم يعثر سوى على رِجل احدهم، حيث ان العبوة كانت مصنوعة من قنابل عملاقة زنة الواحدة منها نصف طن. لكن الشيء الآخر اللافت الذي اكتشف في تقنيات المواجهة الجديدة هو زرع عبوات عدة في مكان الهجوم، حيث انفجرت احداها بخبير بريطاني ارسل الى الموقع للتحقيق فداس عليها، كما عثر على عبوة ثالثة في المكان تم تفكيكها.‏

هذه العملية اطلقت اشارة الانذار لدى الاجهزة المختصة في جيش الاحتلال الاميركي لتفحص ما اذا كان هناك عدو جديد قد ظهر على ارض المعركة، دون ان يستطيعوا الحد من الخسائر لاحقاً، وهو ما حصل مع عبوة الثالث من آب/ أغسطس الصباحية، وما سبقها بأيام وما تلاها بساعات، وثم في العاشر من آب/ أغسطس حيث قتل ستة جنود بعبوات وصفت بالمتطورة ايضاً، ليتأكد دخول معطيات جديدة على الساحة العراقية أكدها أيضاً رئيس الأركان الأميركي ريتشارد مايرز بقوله ان وسائل تكنولوجية حديثة تستخدم في بعض العبوات ستؤدي بنا الى تغيير اساليبنا.‏

وإزاء ذهاب بعض التحليلات إلى أن الوقائع الجديدة تظهر أن القوات الأميركية تواجه عدواً يتكيف مع الأوضاع، وفي ظل هذا المنسوب المرتفع من الخسائر البشرية والعجز عن وضع حدّ له، تعزز أكثر عناصر القلق التي يعبر عنها مسؤولون كبار في البنتاغون والحزبين الجمهوري والديمقراطي ازاء موضوع التكلفة الشهرية للحرب التي تصل الى خمسة مليارات دولار، ومشكلة التجنيد في الجيش والحرس الوطني، وتراجع التأييد الشعبي للحرب الذي سيغذيه تزايد عدد القتلى، خصوصاً مقتل المارينز، العسكريين الذين يحظون بتقدير كبير في الولايات المتحدة، حيث أظهر آخر استطلاعات الرأي أن عدداً متزايداً من الاميركيين قلق ازاء الكلفة البشرية المرتفعة لهذه الحرب.‏

وبرغم ارتفاع وتيرة الحديث الاميركي الرسمي العلني والمسرّب عن احتمال اجراء عمليات انسحاب كبيرة من هذا البلد العام القادم، وفي ظل تقدير الجنرال كارتر هام المسؤول الإقليمي في الجيش الأميركي بأنه "من المهم جداً أن نتذكر أن العدو قاتل وقادر على التطور للأسف"، فإن كلام الانسحاب في المرحلة القريبة المقبلة يبدو للاستهلاك المحلي أكثر منه تعبيراً عن الاستعداد للقيام بخطوة من هذا النوع، لان اجراءها تحت وطأة الضربات المتلاحقة يشكل انتكاسة كبيرة للمشروع الاميركي في الشرق الاوسط، ولصورة الولايات المتحدة كقوة عظمى قادرة على شن حروب استباقية.‏

لكن المتوقع ان تعمد القوات الاميركية الى التموضع في قواعد كبيرة في العراق، وتقلل من حركتها الميدانية التفصيلية لمصلحة القوات العراقية، لكن هذا سيؤدي من ناحية الى زيادة قدرة المقاتلين على التحرك لافتقاد القوات العراقية للخبرة اللازمة في مواجهة هكذا حالات عجزت عنها القوات الاميركية، ومن ناحية أخرى ستبدو القوات الاميركية في وضعية المحاصر داخل جدران قواعدها، هذا اذا لم يتمكن المقاتلون من تطوير اساليب عملياتهم باتجاه استهداف هذه القواعد بذاتها. ولكن النتيجة الاولية لتزايد هذه الوتيرة النوعية من الهجمات ستكون لجم القدرات العسكرية الاميركية خارج العراق، وإفقادها امكانية التهويل بقواتها الموجودة هناك على اطراف عدة في المنطقة، فضلاً عن غرقها في المستنقع العراقي.‏

وفي أي حال فإن الولايات المتحدة التي تطلق خططاً عدوانية ضد أكثر من دولة وجهة على امتداد العالم تجد نفسها أمام عبء إضافي هو البحث عن هؤلاء "الأعداء الجدد" الذين ربما يتقنون إخفاء هويتهم بقدر ما يتقنون تطوير أساليب مقاومتهم.‏

عبد الحسين شبيب‏

2006-10-28